تقارير

” ابن عوف” .. تفاصيل حكم “يوم واحد”

رفضه الثوار وقوى الحرية والتغيير

الخرطوم ــ نجاة إدريس إسماعيل
بعيد سقوط نظام المخلوع “عمر البشير” في الحادي عشر من أبريل، تلا الفريق أول ركن “عوض ابن عوف” بياناً قال فيه إنه تم اقتلاع النظام والتحفظ على رأسه في مكان آمن. كما أعلن عن بدء فترة انتقالية لعامين تتحمل المسؤولية فيها اللجنة الأمنية العليا والجيش، وتنتهي بإجراء انتخابات. كما أعلن إعمال حالة الطوارئ في البلاد لثلاثة أشهر، وفرض حظر تجوال ليلي لشهر كامل، ولكن رغم فرح الثوار بسقوط النظام واستلام الجيش للسلطة، إلا أن صدمتهم كانت أكبر بتلاوة وزير دفاع “البشير” ونائبه الأول للبيان واستلامه للسلطة، فرددوا شعاراتهم المناوئة لـ”ابن عوف” (شالوا وداد وجابوا أماني).. و(زي ما سقطت تسقط تاني)! باعتبار أن “ابن عوف” من رموز النظام القديم، وقالوا إنهم لن يستبدلوا انقلاباً بانقلاب.
فلاش باك
بدأت الخلافات في التشكل بين كبار الجنرالات منذ أن دقت “المارشات العسكرية” التي اعتاد السودانيون سماعها من إذاعتهم الأم التي تعني أن عهداً جديداً في طور مخاضه بدأ يتشكل .. ولكن البيان تأخر كثيراً ــ وبحسب “صديق البادي” ــ فإن تأخير البيان كان بسبب أن أعضاء اللجنة الأمنية كانوا يفضلون أن يتلو البيان رئيس هيئة الأركان، باعتبار أن وزير الدفاع “ابن عوف” كان يشغل منصب النائب الأول للرئيس، كما أن صحيفته الجنائية الدولية لا تخلو من الإدانات؛ لذلك فضلوا أن لا تتم تلاوة البيان بواسطة “ابن عوف”، في حين كان يرى الأخير أنه إن لم يظهر في الصورة في هذا الوقت تحديداً فلربما أصبح ضمن سجناء العهد القديم. ولفت البادي إلى أن “ابن عوف” بدا متعنتاً في تمسكه بتلاوة البيان غير مكترث برأي الجنرالات، وقد استطاع فرض تلاوته للبيان فرضاً عليهم مما جعلهم يذعنون بسياسة الأمر الواقع.
تبدل الأقنعة
رفض “تجمع المهنيين السودانيين” في يوم (الجمعة) 12 أبريل تلاوة “ابن عوف” للبيان ورئاسته للحكومة، واصفاً الأمر بأنه “تبدل أقنعة”، وطالبه بالتنحي من رئاسة المجلس العسكري الانتقالي، مؤكداً تمسكه بالاحتجاجات حتى تحقيق مطالب الشعب، وتسليم السلطة لحكومة مدنية . وقال التجمع عبر بيان له (يجب أن يتولى المدنيون الآن السلطة من الجيش). ودعا التجمع الثوار للاعتصام في محيط القيادة العامة للقوات المسلحة حتى يتم الإعلان عن حكومة مدنية كاملة الدسم.
خيارات
عندما وجد الفريق أول “ابن عوف” أن دائرة الرفض الشعبي تتسع حوله وتطالبه بالتنحي، كان خياره الأوحد للتنحي بأن يخلفه نائبه “كمال عبد المعروف”.. هذا الخيار لم يعجب كثيرين بينهم الثوار بالطبع الذين ما فتئوا يذكرون وصف الرجل لهم بأنهم “شذاذ آفاق”، كما أن الفريق “محمد حمدان دقلو” “حميدتي” اشترط بألا تتبع قوات الدعم السريع لرئيس المجلس العسكري حال تم التوافق على اختيار “عبد المعروف” رئيساً له !.
إعلان التنحي
في وقت متأخر من مساء (الجمعة) وبعد أقل من 24 ساعة من تلاوة “ابن عوف” لبيانه الأول أعلن الأخير –عبر بيان له بثه التلفزيون القومي – تنازله عن السلطة واختيار الفريق أول “عبدالفتاح البرهان” خلفاً له، كما أعلن رئيس المجلس المتنحي إعفاء “كمال عبد المعروف”، من منصبه نائباً لرئيس المجلس، دون أن يذكر بديلاً له.
ضغوط كبيرة
قال – مصدر مطلع فضل حجب اسمه – إن ضغوط كبيرة واجهت الفريق أول ركن “عوض ابن عوف” جعلته يتنحى عن الحكم ليضرب المثل كون فترته الرئاسية كانت الأقصر بين الرؤساء السودانيين بعد الرائد “هاشم العطا” مضيفاً بأن أولى الضغوط التي واجهت “ابن عوف” هي توالي المسيرات والمواكب في التوافد لمقر الاعتصام رافضة للبيان الأول، كذلك رفض “تجمع المهنيين السودانيين ” الذي قاد الحراك الثوري لبيان “ابن عوف”، وكسر الثوار لحظر التجوال الذي تم فرضه عليهم منذ العاشرة من مساء (الخميس)، ورفض المعتصمون الانصياع لقرار مغادرة مقر القيادة العامة. وأضاف المصدر: (أما دولياً فقد أصبح المجلس العسكري في وضع لا يحسد عليه، بعد أن أصبح معزولاً، مع رفض كل من منظمات الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي والاتحاد الإفريقي الانقلاب العسكري، كما دعت الولايات المتحدة الجيش السوداني لتشكيل حكومة جامعة تضم مدنيين) .
منطق
استاذ العلوم السياسية والأكاديمي البروفيسور “حسن الساعوري” قال في افادته لـ(المجهر) أمس، إن العملية بأجمعها مرتبطة ببعضها البعض، وأن العملية قامت على إما أن يقتل الجيش عدداً كبيراً من الثوار يتراوح عددهم ما بين (500-1000)، أو أن يتمرد الجيش على النظام ويحمي الأرواح، مضيفاً بأن الجيش اختار الأخير، بعد أن تبين له أن “البشير” يريد فض الاعتصام بالقوة، وفضل الجيش حماية الأرواح، ولم تكن أولويته المحافظة على نظام “البشير”. ولفت “الساعوري” إلى أن انقلاب الجيش لم يكن استجابة لخطاب المعارضة التي طلبت منه استلام السلطة، ولكنه استلم السلطة لحماية الأرواح من القتل، مضيفاً بأن هذا كان منطق الجيش لإزاحة “البشير” والاتيان بـ”ابن عوف” خلفاً له، ولكن الأخير أصبح مرفوضاً أيضاً من قبل الثوار. وأضاف “الساعوري” أن المنطق الذي من أجله نحوا “البشير” انسحب أيضاً على “ابن عوف” وصار أمام الجيش إذا أصر عليه هو فض الاعتصام بالقوة، وهو الشيء ذاته الذي رفضوه لـ”البشير”، وبالتالي فكان لابد من انسحاب “ابن عوف” وانسحب معه الآخرون، وهم “عبد المعروف”، وزين “العابدين” و”قوش” والأخير كان جزءاً من المجلس العسكري الأول.
موقف
ولفت “الساعوري” إلى أن قبول الثوار بـ”البرهان” كان لطموحهم في أن يتنحى الأخير في وقت معين، وأن تكون السلطة عند الحرية والتغيير، والجيش تكون مكانته رمزية فقط، مضيفاً أن الجيش لم يقبل بهذا، وأصر الجيش أن يكونوا شركاء في السلطة، وهو الشيء الذي جعل الثوار يواصلون اعتصامهم بالقيادة، مضيفاً أن الجيش أصر على موقفه كشريك في الحكم .
ضرورة التكريم
ونفى “الساعوري” أن يكون تنحي “ابن عوف” عن الرئاسة مقابل ألا يزج به في السجن ضمن رموز النظام السابق، أو أن يكون كشاهد ملك، مضيفاً أن دوره كان كبيراً في حقن الدماء، مذكراً بأنه القائد العام للجيش الذي سلمهم السلطة وقلبها لهم، مؤكداً أن أي معاملة أخرى له تعتبر عيباً كبيراً للجماهير السودانية، لافتاً إلى أن غير السودانيين قد يفعلون ذلك كونهم يغدرون بالشخص، فأما السودانيين فلا. وأكد “الساعوري” أن “ابن عوف” أدى خدمة كبيرة للثورة السودانية، مما أدى لانتصارها دون دماء، مضيفاً أن ما فعله يستدعى تكريمه هو و”قوش” و”زين العابدين”، و”عبد المعروف”، لأنهم استجابوا لنداء “سلمية سلمية” ولولا دورهم ذاك لبقي “البشير” ومات الآلاف. وختم “الساعوري” حديثه بأن حتى قوى الحرية والتغيير الآن تعرف دور هؤلاء الرجال، ولم تدع لاعتقالهم – عدا “قوش” – وحتى هذا الأخير فقد اتضح لاحقاً أنه كان شريكاً في الثورة، وفتح لهم مسارات القيادة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية