الخرطوم- سفيان نورين
منذ بدء النزاع المسلح بين “النظام السابق” والحركات المسلحة بإقليم دارفور في العام 2003، ومن قبله الاحتراب منذ القرن الماضي في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، فإن الحكومة وأطراف الصراع المسلح الأخرى في دوامة تسعى لوضع حد لصوت البنادق لكن دون جدوى.
عُقدت العشرات من جولات التفاوض والمباحثات.. تعددت منابرها وجابت عدد من العواصم الأفريقية والعربية والدولية، بدءاً من مدينة “أبشي التشادية، أبوجا، الدوحة، أديس أبابا، برلين، انتهاءاً بمنبر “جوبا” أحدث محطات التفاوض.. فشلت جميع تلك المنابر في التوصل لاتفاق، وأصبح تحقيق السلام عصياً على الحكومة السابقة والحركات المسلحة بمسمياتها وانقساماتها المتعددة.. فهل تحقق المفاوضات الجارية بـ(جوبا) بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح ماعجزت عنه منابر التفاوض الماضية في تحقيق سلام يرضي جميع الاطراف، أم تفشل المساعي، ويلجأ الجانبان إلى عقد جولات تفاوضية أخرى؟
جولات جديدة
عقب اندلاع ثورة ديسمبر وسقوط النظام السابق، عادت دوامة التفاوض تطل برأسها مجدداً بين قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وعقدت مفاوضات مارثونية سعياً لتقريب المواقف تجاه الإعلان السياسي ووثيقة الإعلان الدستوري، وتجددت منابر التفاوض بعد تشكيل حكومة الثورة، واتجهت جولتها جنوباً إلى مدينة “جوبا”، وانطلقت أول مباحثات بين الطرفين استمرت للثلاث جولات منذ انعقادها في نوفمبر الماضي.
وترتكز مباحثات دولة جنوب السودان التي ترعى المفاوضات على خمس مسارات هي (مسار إقليم دارفور، مسار ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، مسار شرقي السودان، مسار شمال السودان، مسار الشرق ومسار وسط السودان).
نموذج جديد
وترهن حكومة “الفترة الانتقالية” التي يمثل إحلال السلام أحد أبرز الملفات على طاولة رئيسها د.”عبد الله حمدوك”، نجاح مفاوضاتها مع حركات الكفاح المسلح، بوجود الإرادة السياسية القوية والرؤية الواضحة لمعالجة جذور الأزمة، والعودة بسلام يحقق طموحات الأطراف وأهداف الثورة، متباهية بأن هذه المفاوضات تختلف عن المنابر التي يجريها النظام البائد، وأنها ستقدم نموذجاً جديداً في مفاوضات السلام.
بالمقابل بدأ الإحساس يتنامى لدى قادة فصائل “الجبهة الثورية” بأن مفاوضات “جوبا” جولة حاسمة للتوصل إلى سلام ينهي حالة التوتر والنزاع. وأبدى المتفاوضون استعدادهم التام للوصول لاتفاق سلام شامل ومستدام ينهي حالة الاحتراب في البلاد ويحقق اهداف الثورة في الحرية والسلام والعدالة، مؤكدة أنها لمست جدية وإرادة سياسية لدى الحكومة بشكل لافت ومبشر لإنجاز سلام عادل وشامل في وقت وجيز .
وأبرز الحركات المسلحة المنضوية في إطار الجبهة الثورية التى تفاوضها الحكومة، “الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال بقيادة “مالك عقار”، حركة العدل والمساواة بزعامة “جبريل إبراهيم”، حركة تحرير السودان بقيادة “مني أركو مناوي” .
مقومات نجاح
ويرى مراقبون، أن جولات التفاوض بين نظام المؤتمر الوطني السابق والحركات المسلحة في السابق، كانت تتسم دائماً بالفشل والانهيار قبل أن يتوصل الأطراف لأي تقدم محلوظ بينهما، بسبب “تعنت” المواقف دون تقديم أي تنازلات تدفع العملية التفاوضية، وأن النظام السابق ظل يمارس “المراواغة” باتهامه للحركات المسلحة بأنها تقاتل بدول أفريقية، حتى أطلق حملة دولية بشأن خطورة تلك الحركات المسلحة، مبينين أن مفاوضات “جوبا” تجد مقومات نجاح كبيرة في ظل أجواء الثورة ورغبة الأطراف في تحقيق السلام.
تقدم مشبوب بالحذر
وخلال فترات التفاوض التي تم تمديدها لأكثر من مرة في منبر جوبا كان هناك بعض التقدم المشوب بالحذر، فكان أن أخذ مسار الوسط قصب السبق في التوصل لاتفاق أعقبه مسار الشمال، ومن ثم مسار الشرق، ورغم أن مسار الشرق ومسار الوسط ومسار الشمال واجهت جميعها تعقيدات في القبول بمخرجات اتفاقاتها إلا أنها مثلت البداية الحقيقية لإثبات جدية الحكومة الانتقالية في تحقيق السلام كأول عتبه للخروج بالوطن من أزماته فكان أن تقدمت المفاوضات في مسار دارفور، وأحدثت اختراقات أدت لتوقيع مسودة اتفاق حول عدد من القضايا كان آخرها الاتفاق على هياكل السلطة، كما وقعت الحركة الشعبية جناح “مالك عقار” اتفاقاً بالأحرف الأولى توطئة لتوقيع الاتفاق النهائي.
غياب الإرادة
وقال المحلل السياسي دكتور “صلاح الدومة” لـ(المجهر)، إن السبب الرئيسي لفشل المفاوضات السابقة يعود إلى عدم الالتزام الحكومي، ونقده للعهود مع الحركات المسلحة. وأشار إلى أن نظام الرئيس المعزول ظل يدخل إلى جولات التفاوض لكسب الوقت، وتنظيم صفوفهم وامتصاص الرأي العام .
واستبعد “الدومة” نجاح المفاوضات التى تحتضنها دولة جنوب السودان جوبا، لجهة أن الجبهة الثورية مازالت تسترشد بالدولة العميقة، بجانب غياب الإرادة الحقيقية بين أطراف التفاوض، وزاد قائلاً: (كلما اقتربوا للتوصل إلى نتائج إيجابية تُعلق المفاوضات).
وانتقد تقسيم ملفات التفاوض إلى خمس مسارات، وقال إنها تشير إلى سوء نوايا المتفاوضين حول تحقيق السلام. ورهن “الدومة” نجاح جولة جوبا باستيعاب الحكومة الانتقالية الدروس من مفاوضات النظام البائد مع الجبهة الثورية. وأبان أن حل مشكلة السلام في البلاد يكمن في الإرادة السياسية الصادقة.
تطابق الأهداف
القيادي بالجبهة الثورية، رئيس مكتب حركة تحرير السودان- المجلس الانتقالي- بشرق دارفور “عبد الماجد طالبان”، استبعد فشل المفاوضات الجارية بجوبا لتطابق الرؤى والأهداف بين اطراف التفاوض. وجزم لـ(الصحيفة) بأن أسباب انهيار المفاوضات السابقة التي كان يقودها النظام السابق ترجع إلى عدم مصداقيتهم والمساومة بترضيات شخصيات محددة، دون مراعاة للازمة الحقيقية ومعالجتها. وتابع: (واثقون من نجاح مفاوضات جوبا لوجود رغبة حقيقية في السلام بين جميع الأطراف) .
آمال عريضة
وبالامس أكد وزير الدفاع الفريق أول ركن “جمال عمر” خلال لقاء جمعه مع وزيرة الدفاع بدولة جنوب السودان “أنجلينا تيج” بجوبا أن محادثات السلام بين الحكومة وحركات الكفاح المسلح التي تجري في جوبا، تسير بثقة نحو التوقيع على اتفاق سلام شامل في الأيام القادمة.