شهادتي لله

آخر سنوات “البشير” (21)

لم يُحسِن التيار الكبير الرافض لترشيح “البشير” رئيساً للحزب ومرشحاً عنه لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2020م ، اختيار الوقت والأدوات المناسبة لمواجهة حملة التجديد للرئيس ومحاصرتها، دون استفزاز الرجل المعروف عند قيادات الحزب بالعناد و(ركوب الرأس) .
وبدلاً من إدارة حوار داخلي والتواصل مع المجموعة المؤيدة لإعادة الترشيح ، بقيادة النائب الأول الأسبق الأستاذ “علي عثمان محمد طه” ورئيس البرلمان البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” ، إضافة إلى المجموعة الصغيرة المحيطة بالرئيس التي تضم باستمرار الفريق أول “عبدالرحيم محمد حسين”، فإن نائب رئيس الحزب المهندس”إبراهيم محمود حامد” قد اختار الخروج إلى الإعلام لمحاصرة الرئيس والتأكيد مراراً وتكراراً أن الحزب لم يحسم أمر التجديد للرئيس ، ثم تبعه الدكتور “أمين حسن عمر”برفض فكرة إعادة ترشيح الرئيس، إلى أن جاء وزير الدولة بمجلس الوزراء القريب من الفريق “بكري حسن صالح” ليعلن لصحيفة (الأخبار) أن الحزب لديه خيارات عديدة لخلافة “البشير”!!
كل هذه التصريحات أغضبت “البشير” وجعلته في حالة استفزاز وإحساس بمؤامرة. فتصاعد التوتر داخل المؤتمر الوطني ، خاصة عندما نما إلى علم الرئيس أن الدكتور”نافع علي نافع” هو من يقود التيار الرافض للتجديد، مؤازراً في الخفاء تقديم “بكري حسن صالح” مرشحاً لرئاسة الجمهورية .
تحفزت مجموعة رجال حول الرئيس للمواجهة، وظل الفريق “عبدالرحيم” قريباً إلى قلب “البشير”وضيفاً مسائياً يومياً في بيت الضيافة الرئاسي، غض النظر عن موقعه في الدولة ، سواء كان وزيراً للدفاع أو وزيراً لرئاسة الجمهورية أو وزيراً للداخلية ،أو والياً للخرطوم، أو رئيساً للمجلس الأعلى للاستثمار، وهي آخر وظيفة تقلدها في النظام السابق . كما ضمت المجموعة لاعباً جديداً حل على القصر منقولاً من مجلس الوزراء في يونيو 2017م، وهو ابن خال الرئيس .. الأستاذ “حاتم حسن بخيت” الذي أصبح مديراً لمكاتب الرئيس، بعد إقالة الفريق “طه عثمان أحمد الحسين” في أحداث درامية مثيرة .
كان الفريق أول “بكري حسن صالح” أهم رجال هذه المجموعة إلى أن غادرها في العام 2018م إثر تعثر حكومته في مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة ، فضلاً عن تنامي شكوك الرئيس حول مجموعة “نافع” وتحالفها مع “بكري” .
ويُعد الفريق “بكري” العضو الوحيد الذي تبقى إلى جوار “البشير” من أعضاء مجلس قيادة إنقلاب 30 يونيو 1989م ، وقد عمل الرجل لسنوات إلى جوار قائده “البشير” في سلاح المظلات، قبل استلام السلطة ودخولهما القصر الجمهوري مترافقين لثلاثين عاماً طويلة .
لكن الجنرال (النوبي) الفارع لم يوفق في مهمة رئيس الوزراء، المنصب المُستحدث في العام 2017م ،تنفيذاً لتوصيات الحوار الوطني ، فقرر الرئيس في سبتمبر 2018م حل حكومته بعد عمر لم يتجاوز عاماً ونصف العام ، ليأتي محله الدبلوماسي الشاب وزير الكهرباء والموارد المائية “معتز موسى”، وهو أيضاً من أسرة الرئيس .
ظلت ثقة “البشير” في “بكري” لا تحدها ولا تشوبها شائبة، لسنوات طويلة، فهو رجل مطيع وضابط منضبط، ولا يتدخل في ما لا يعنيه. وأذكر أن سكرتيره الخاص “أبوالقاسم” وهو ضابط برتبة (نقيب) بالقوات المسلحة، قد طرح عليَّ مشكلة تتعلق بمنطقته في ولاية النيل الأزرق ، وكان ذلك في العام 2010م ، وكان الجنرال يشغل وقتها منصب وزير رئاسة الجمهورية ، فكتبتُ عن القضية وكانت سياسية طرفها والي الولاية، وتم حل المشكلة لاحقاً ، وقابلتُ بعدها “أبوالقاسم” في إحدى الرحلات الخارجية ، فقال لي :(المشكلة الحمد لله اتحلت .. و الله سيادتو بكري دا قدر ما قلنا ليهو تدخل ، قال هو ما بتدخل في شغل المؤتمر الوطني) !!
غير أن توتر العلاقة بين النائب الأول للرئيس الفريق أول”بكري” ومدير مكتب الرئيس الفريق أمن “طه عثمان”، كانت لها تأثيراتها على درجة حرارة الرئيس وتقلب الطقس في القصر الرئاسي .
ملف العلاقة مع السعودية والإمارات وتضخم شخصية “طه عثمان” مقابل تراجع دور قيادات الدولة والحزب ومدير جهاز الأمن والمخابرات ، أدى إلى تعجيل المواجهة بين الفريقين ، وكان الجميع يتكتل ضد “طه” الذي انفرد بالرئيس وحجبه عن الجميع، فلم يعد يرى سوى ما يرى الساحر “طه عثمان”!!
سألني أحد المقربين من “طه” في تلك الأيام الملبدة بالغيوم : (ما رأيك في هذا الصراع المكتوم؟) . قلت له : (“طه” نجح في إقصاء الفريق “قوش” من المشهد، ثم أبعد صديقه “محمد حاتم” من القصر إلى الحزب ، وقبله أبعد “محجوب فضل بدري” من وظيفة السكرتير الصحفي للرئيس، لكن النهائي في هذا الدوري ستكون مباراة “طه” ضد “بكري” ، وسيكسبها “بكري” لأهمية وجوده في القوات المسلحة التي يحسب لها الرئيس ألف حساب) .
وبالفعل .. خرج “طه” من الملعب تحت ضغط “بكري” ومدير المخابرات “محمد عطا” ، مستغلين معركة السعودية والإمارات ضد قطر ، وانحياز “طه” الواضح مع التحالف والتزامه للسعوديين بمقاطعة “الدوحة” وهو ما لم يحدث.
كان “طه” أول ضحايا حصار قطر !!
بعد عام .. تلقى “بكري” – نفسه – ضربةً موجعة بإقالته من منصب رئيس الوزراء ، ثم تلقى القاضية في نهاية فبراير 2019م، بإعفائه من منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية الذي ظل يحتفظ به منذ العام 2013م .

نواصل غداً .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية