الخرطوم ـ رقية أبوشوك
بالرغم من أن مفاوضات سد النهضة الإثيوبي قطعت شوطاً كبيراً تجاوز نسبة (90%)، إلا أن الغموض ما زال يكتنف الاتفاق النهائي، حيث لم تتوصل الأطراف الثلاثة حتى الآن إلى اتفاق نهائي في ما يختص بالملء الأول والتشغيل، وذلك منذ بداية الجلسات المكوكية التي انعقدت بين “الخرطوم و”القاهرة” و”أديس أبابا”، بينما شهدت الفترة من نوفمبر من العام 2019 وحتى فبراير من العام الجاري استضافة الولايات المتحدة الأمريكية (6) من جوالات التفاوض، وتم هنا الاستناد إلى المادة العاشرة من إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث بشأن السد عام 2015م الذي وقع في الخرطوم، حيث تعطي هذه المادة الحق للأطراف المعنية في طلب الوساطة أو إحالة الأمر للرؤساء لبحث أي خلاف، وهو ذات المطلب الذي كانت تنادي به مصر ليأتي هنا الدور الأمريكي الذي استضاف جولات التفاوض الأخيرة.
كما أن رئيس وزراء إثيوبيا “أبي أحمد” كان قد طلب من رئيس جنوب إفريقيا “سيريل رامافوزا” الوساطة في مفاوضات سد النهضة، إلا أن جلسة التفاوض الأخيرة التي استضافتها “واشنطن” والمنعقدة يومي السابع والعشرين والثامن والعشرين من فبراير المنصرم، كانت إثيوبيا التي يقع السد على أراضيها، وتتوقع منه أن تكون أكبر مصدر للطاقة الكهربائية، قد تغيبت عن جلساتها، وعزت تغيبها بأنها قد طلبت من الإدارة الأمريكية تأجيل الجولة لمزيد من التشاور، بينما وقعت جمهورية مصر العربية على مسودة الاتفاق بالأحرف الأولى، وذلك في الوقت الذي لم يوقع فيه السودان على مسودة الاتفاقية الشاملة التي يجري التفاوض حولها.
وكان قد دار في وسائل التواصل الاجتماعي قبيل انعقاد هذه الجولة، وبعد الجولة الخامسة المنعقدة بواشنطن مباشرة بأن السودان قد تنازل عن (4) مليارات متر مكعب لصالح مصر من أجل تشغيل السد، إلا أن وزير الري والموارد المائية بروفسور “ياسر عباس” كان قد نفى هذا الحديث، مؤكداً أن السودان لن يتنازل عن حقوقه باعتبارها حقوق أجيال، مشيراً إلى أن المفاوضات التي جرت كانت فقط عن التشغيل والملء، ولم يتم التفاوض عن تقسيم المياه.
إذن المتبقي من الاتفاق الذي يمثل (5% ـــ 10%) ، يختص بمسائل أخرى مهمة، وبالرغم من أنها نسبة ضئيلة إلا إنها تعتبر مسائل مهمة، وذلك على حد قول بروفسور “عباس” وذلك بعد أن تجاوز التفاوض النسبة الكبرى.
وتشير (المجهر) إلى أن السودان وطوال جولات التفاوض المنعقدة بـ”الخرطوم” و”القاهرة” و”أديس” وحتى في الجولات الأخيرة بواشنطن كان قد قدم رؤية واضحة في ما يختص بالملء والتشغيل، كما لعب دوراً كبيراً في تقارب وجهات النظر بين الأطراف.
السودان يقدم ملاحظاته حول المسودة
وحسب وزير الري والموارد المائية بروفسور “ياسر عباس” الذي شارك في جولة “واشنطن” بوفد برئاسة وزيرة الخارجية “أسماء محمد عبد الله”، كما ضم الوفد فريق من الخبراء.. حسب الوزير فإن وفد السودان قد واصل انخراطه في هذه الجولة، ثنائياً، مع فريق وزارة الخزانة الأمريكية، خلال يومي السابع والعشرين والثامن والعشرين من فبراير الجاري، حيث قدم وفد السودان ملاحظاته حول مسودة الاتفاقية الشاملة، التي يجري التفاوض حولها إلى فريق وزارة الخزانة الذي قام بتضمينها في المسودة. ونشير هنا إلى أن هذه المسودة قد تم إعدادها بناءً على مفاوضات الأطراف الثلاثة التي استمرت منذ العام ٢٠١٥م.
وأكد بيان صادر من وزارة الري والموارد المائية، عقب انتهاء الجولة، أن السودان يؤكد التزامه بعملية التفاوض لأجل الوصول إلى اتفاق شامل لملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، بما يحفظ مصالح الدول الثلاث: مصر، إثيوبيا والسودان. ويؤكد السودان، مرة أخرى، ضرورة التوصل لاتفاق شامل يتضمن تشغيلاً آمناً لسد النهضة، وذلك قبل بدء عملية الملء الأول للسد، كما يجدد التزامه بالعمل على إنجاز اتفاق شامل لملء وتشغيل السد، بما يمهد لإحداث تنمية مشتركة وتكامل بين الدول الثلاث.
مصر توقع:
الآن وقعت مصر على مسودة الاتفاق، وقالت في بيانها: (فقد قامت مصر بالتوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق المطروح تأكيداً لجديتها في تحقيق أهدافه ومقاصده وعلى ضوء ما يحققه هذا الاتفاق من الحفاظ على مصالح مصر المائية وضمان عدم الإضرار بها). وأضاف البيان: (فإن مصر تتطلع أن تحذو كل من السودان وأثيوبيا حذوها في الإعلان عن قبولهما بهذا الاتفاق، والإقدام على التوقيع عليه في أقرب وقت، باعتباره اتفاقاً عادلاً ومتوازناً ويحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث.(
وأشارت إلى أن مشاركتها في الاجتماع الذي دعت إليه الولايات المتحدة يومي ٢٧ و٢٨ فبراير ٢٠٢٠ جاءت من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، وتنفيذاً للالتزامات الواردة في اتفاق إعلان المبادئ المبرم بين مصر والسودان وأثيوبيا في ٢٣ مارس ٢٠١٥م بالخرطوم.
وتأسفت لتغيب أثيوبيا غير المبرر ــ على حد قول البيان ــ عن هذا الاجتماع في هذه المرحلة الحاسمة من المفاوضات.
نص الاتفاق:
ووفقاً للصيغة النهائية للاتفاق، فإنها تشمل قواعد محددة لملء وتشغيل سد النهضة، وإجراءات لمجابهة حالات الجفاف والجفاف الممتد والسنوات الشحيحة، وآلية للتنسيق، وآلية ملزمة لفض النزاعات، وتناول أمان سد النهضة والانتهاء من الدراسات البيئية.
إلا أن وزارة الخزانة الأمريكية، قد أكدت في بيان صادر عقب انتهاء الجولة، على أهمية عدم البدء في ملء سد النهضة بدون إبرام اتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان.
وأعلنت أن الولايات المتحدة قامت بتسهيل إعداد اتفاق بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي بناءً على الأحكام التي اقترحتها الفرق القانونية والتقنية في مصر وإثيوبيا والسودان وبمساهمة فنية من البنك الدولي.
وأشارت إلى أن وزير الخزانة الأمريكي “ستيفن منوشين” شارك في اجتماعات ثنائية منفصلة مع وزيري الخارجية ووزيري الموارد المائية في مصر والسودان.. وتبادل الوزراء خلال اجتماعات ثنائية منفصلة، تعليقاتهم على الاتفاق.
وذكر بيان الخزانة الأمريكية ــ الذي تحصلت (المجهر) على نسخة منه ــ أن الاتفاقية بشكلها الحالي تضع حلولاً لكل القضايا العالقة حول ملء وتشغيل سد النهضة وتتأسس على المبادئ المتفق عليها بين الدول الثلاث في إعلان المبادئ الموقع في 23 مارس 2015، وبالأخص مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول، ومبدأ الالتزام بعدم إحداث ضرر جسيم، ومبدأ التعاون. وأضافت: (إننا ندرك أيضاً أن إثيوبيا تواصل مشاوراتها الوطنية، ونتطلع إلى اختتام عمليتها في أقرب وقت ممكن لتوفير توقيع الاتفاق في أقرب وقت ممكن). وزادت في بيانها” (إنه تماشياً مع المبادئ المنصوص عليها في اتفاقية إعلان المبادئ، ولا سيما مبادئ عدم التسبب في ضرر كبير لبلدي المصب، لا ينبغي إجراء الاختبار النهائي وملء دون اتفاق). وزاد البيان بالقول: (إننا نلاحظ أيضاً قلق سكان المصب في السودان ومصر بسبب العمل غير المكتمل على التشغيل الآمن للسد، والحاجة إلى تنفيذ جميع تدابير السلامة اللازمة للسدود وفقاً للمعايير الدولية قبل بدء الملء).
وحسب البيان فإن الولايات المتحدة تجدد التزامها بالبقاء على اتصال مع الدول الثلاث حتى توقيع الاتفاق النهائي. وأشارت الخزانة الأمريكية إلى أن توقيع الاتفاقية بشأن سد النهضة سيكون نقطة تحول للمنطقة، مما يؤدي إلى تعاون مهم عبر الحدود، وتنمية إقليمية وتكامل اقتصادي، وتحسين في حياة أكثر من (250) مليون شخص في مصر وإثيوبيا والسودان.
إلى ذلك تشير (المجهر) إلى أن جل الاجتماعات السابقة كانت قد ناقشت خطوات ملء السد، وخطوات ملء البحيرة التي تستغرق من (4ــ 7) سنوات، وذلك اعتماداً على السنة شحيحة الموارد أو الإيراد المائي أو مطرية، ،كما أن بناء السد يتم على مراحل في كل مرحلة يزيد ارتفاع السد، ووفقاً لذلك يتم التخزين والتوليد المائي. كما تشير (المجهر) إلى أن سد النهضة يمثل واحداً من أكبر السدود في القارة الإفريقية، وهو سد إثيوبي يقع على النيل الأزرق بإقليم “بني شنقول”، على مسافة (15) كيلومتر من الحدود الإثيوبية السودانية. ويتوقع أن ينتج (15) ألف ميقاواط ساعة في العام أي ما يعادل (6) أضعاف إنتاج سد مروي بحجم مياه بلغ (74) مليار متر مكعب، وبعمق بلغ (145) متراً مكعباً، وبلغت تكلفته الكلية (تسليم مفتاح) (4.6) مليارات دولار، وبعائد متوقع من الكهرباء مليار يورو في العام، مع توقعات بأن يتم استيراد تكلفته المالية في أقل من عام.
كما التأمت بالخرطوم أكثر من (8) جولات للتفاوض، وشهدت الخرطوم الحدث الأكبر بالتوقيع على وثيقة إعلان المبادئ بين السودان ومصر وإثيوبيا 2015م.