الخرطوم : نجاة إدريس
في ظل جولات التفاوض المكوكية الدائرة على قدم وساق في عاصمة دولة جنوب السودان “جوبا” بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح، نفى الناطق الرسمي باسم وفد الحكومة، عضو مجلس السيادي “محمد حسن التعايشي” فشل التفاوض مع الجبهة الثورية، مضيفاً أن الحكومة قطعت (80%) في ملف السلام. وأشار “التعايشي” إلى اللجنة المشتركة التي تكونت بين وفدي الحكومة والجبهة الثورية لمناقشة أمر الولاة، مشيراً إلى أنهم لم يصلوا إلى نتائج بشأن هذا الأمر. وعلل “التعايشي” ذلك بتمسك الجبهة الثورية برأيها، واصفاً رأي الجبهة الثورية بأنه محل تقديرهم.
رؤية الحكومة
ولفت “التعايشي” إلى رغبة الحكومة في ملء الفراغ الإداري في الولايات بتكليف حكام مدنيين يقومون بواجباتهم بتسيير دولاب العمل، والقيام بواجباتهم تجاه المواطنين لحين الانتهاء من توقيع اتفاق السلام. وأوضح “التعايشي” أن الحكومة لا تتحدث عن تعيين ولاة، موضحاً أن الأمر لا يعدو كونه تكليفاً لحين توقيع اتفاق السلام النهائي، مؤكداً أن أمر التكليف ذاك للولاة المدنيين لا يتعارض مع السير في المفاوضات، حتى تصل لنهاياتها المنطقية، مضيفاً بأن تكليف الولاة المدنيين – في هذا الوقت- يخدم استقرار الفترة الانتقالية. ونفي “التعايشي” أن يخلق تكليف الولاة المدنيين واقعاً سياسياً لا يمكن تغييره؛ وذلك لأن الحكومة قد وصلت إلى اتفاق مع قوى الكفاح المسلح بأن اتفاق السلام الذي نأمل في الوصول إليه سيسود على الواقع السياسي القائم.
تنصل
وفي المقابل اعتبر الناطق باسم حركة العدل والمساواة، عضو الوفد المفاوض من مسار دارفور بالجبهة الثورية “معتصم أحمد صالح” إقدام الحكومة على تعيين الولاة وأعضاء المجلس التشريعي قبل توقيع اتفاق السلام تنصلاً عن (إعلان جوبا) لبناء الثقة، مؤكداً أن تلك الخطوات ستؤدي إلى فقدان الثقة بين الطرفين، لافتاً إلى أن تعيين الولاة وأعضاء المجلس التشريعي سيؤثر تأثيراً سلبياً على مجريات التفاوض، وسيزيد الشقة بين الحكومة والجبهة الثورية.
نتيجة
وأضاف “صالح” أنه إذا تأكد – جراء ذلك الوضع – أن الحكومة لا عهد لها ولا تحترم التزاماتها والاتفاقيات التي ستوقعها، فإن مخرجات المفاوضات ستذهب مع الريح وتنعدم أسباب الاستمرار في التفاوض مع الذين لا يحترمون وعودهم والتزاماتهم. وذكر “صالح” بأن انعدام الثقة كان من أسباب فشل التفاوض مع النظام البائد، لافتاً إلى أهمية أن تلتزم الحكومة الانتقالية بوعودها. وقال الناطق باسم حركة العدل والمساواة إذا كانت الحكومة تعتبر أن تعيين الولاة أكثر أهمية من اتفاق السلام، فهذا يعني بأن السلام لا قيمة له لدى الحكومة، وبالتالي فإنها لن تكون جادة في تحقيقه.
ضغوط ..
وتواجه الحكومة الانتقالية ضغوطاً من الشارع العام والثوار الذين يسيرون المواكب والمليونيات التي تنادي بضرورة الإسراع في تعيين الولاة المدنيين، لافتين إلى أن التغيير الذي أحدثته ثورة ديسمبر لم يصل إلى الولايات الأخرى؛ بسبب أن الولاة العسكريين لازالوا يديرون الولايات بذات رؤية النظام البائد، كما لا زال مسؤولو النظام البائد بالولايات ماكثين في مناصبهم، منادين بضرورة إزالة التمكين فوراً.
موفد آخر
وأرسلت الحكومة موفداً رفيعاً آخر من المجلس السيادي أمس الأول (الجمعة) هو الفريق أول ركن “شمس الدين كباشي” الذي أوفد من قبل “الحكومة الانتقالية” لينضم لوفد التفاوض، وذلك للإسراع في عملية التفاوض من أجل الوصول لاتفاق سلام سريع. ولفت المستشار الأمني للرئيس “سلفاكير ميارديت” إلى أن حضور “كباشي” في هذا التوقيت يمثل دفعة كبيرة للمفاوضات الجارية مع حركات الكفاح المسلح.
ونفت الوساطة الجنوبية في مفاوضات الحكومة والحركات بجوبا حدوث أي اختراق بسبب ملف تعيين الولاة والمجلس التشريعي. ولفت رئيس فريق الوساطة “ضيو مطوك” إلى أن اللجنة المختصة بملف الولاة والتشريعي لم ترفع تقريرها بعد.
انقسام
على الرغم من أن الجبهة الثورية هي التي ترفض تكليف الولاة المدنيين الآن، من بين مكونات الكفاح المسلح الآخرى، إلا أن عضوها القيادي بها “التوم هجو” يختلف معها في هذا الأمر، إذ يرى بأن الولاة العسكريين هم الأجدر بإدارة الولايات في هذه المرحلة، وأنّ جماهير الولايات تريد ولاة عسكريين. ورفض “هجو” اقتراح ترتيبات قوى الحرية والتغيير بتعيين ولاة مؤقتين لحين اكتمال عملية السلام.
رفض قاطع
رئيس حركة والمساواة بالداخل الناظر “إبراهيم أبكر هاشم” رفض أي تعيينات للولاة المدنيين في هذا التوقيت، مشيراً إلى أن ملء هذه المناصب الآن من شأنه أن يؤدي إلى تأجيل عملية السلام، مضيفاً أن الأوفق للحكومة ألا تستعجل في هذا الملف، حتى يتم الوصول إلى اتفاق سلام شامل. ولفت “هاشم” في حديثه لـ(المجهر) أمس، إلى أن النظام البائد سوَّف قضية السلام؛ لأن دوائره كانت مشغولة، مضيفاً بأنه إذا تم ملء هذه الأماكن الشاغرة فإنه سوف تكون قضية السلام معلقة، وإذا أصرت الحكومة على تعيين الولاة فسنرفض ذلك، لأن موقفنا هو تأجيل قضية تعيين الولاة لحين اكتمال ملف السلام. ولفت “هاشم” إلى أن هناك مكونات من (قوى الحرية والتغيير) تستعجل تعيين الولاة، لأنها لا ترغب في السلام، وبالتالي ستظل مشكلة السودان قائمة. وأكد “هاشم” ضرورة تأجيل الولاة لحين إنجاز عملية السلام، مضيفاً أنهم كأعضاء في الجبهة الثورية سيظل موقفهم رافضاً لقضية تعيين الولاة لحين اكتمال ملف السلام.
توفر الثقة
لفت المحلل السياسي “عبد الله آدم خاطر” إلى أنه ليس المهم في هذا التوقيت تعيين الولاة المدنيين من عدمه، بل المهم إيجاد القاعدة السليمة للسلام بتحويل القاعدة الشمولية للنظام المركزي إلى نظام فيدرالي ديمقراطي يسمح للأقاليم بثقافاتها المتنوعة بإيجاد موطئ قدم لها، مؤكداً أن واقع السودان لا زال مركزياً، وهو الشيء الذي أدى لحدوث النزاعات المسلحة. وأشار “خاطر” في حديثه لـ(المجهر) أمس، إلى أن تكليف الولاة المدنيين حاليا لن ينسف المفاوضات الجارية بجوبا باعتبار أن المفاوضين ليسوا جزءاً من الحكومة الحالية مضيفا بأن الحالة الاقتصادية والأمنية الآن هي مسؤولية الحكومة الانتقالية إلى حين الوصول لاتفاق السلام ، وأضاف خاطر بأنه لن يحدث أي انهيار للمفاوضات إذا تم تعيين الولاة المدنيين الآن وذلك لتوفر الثقة التي تأتي من الشعب وليس من المفاوضين ، مضيفا بأن الشعب السوداني الآن مع السلام واللامركزية ومع استقرار الأقاليم، والمسؤول عن كل هذا حتى اكتمال مفاوضات السلام هو الحكومة الانتقالية مستبعدا أن يحدث أي انهيار للمفاوضات إذا تم تعيين الولاة المدنيين مادامت المفاوضات مستمرة.