أكذب – والله – لو قلت إنني لم أتوسد الحزن، عندما علمت بموت رئيس مصر الأسبق “محمد حسني مبارك” فقد عرفت الرجل عن قرب، وكلما اقتربت منه يزيد احترامي له.. ففي العام 1992م، قدمني له وزير إعلامه “صفوت الشريف”، وقال له هذا هو وزير إعلام أفريقيا!.. وضحك الرئيس معلقاً: أفريقيا حتة واحدة؟ وكأنما أراد “صفوت” تذكير رئيسه بواقعة معينة تخصني قبل ذلك التاريخ بعام أو عامين حين رشح وزير خارجية مصر، د.”عصمت عبد المجيد” دبلوماسياً مصرياً قبالتي كناطق رسمي باسم منظمة الوحدة الأفريقية، دون استشارة وزارة الإعلام، وتظلم “صفوت الشريف” للرئيس من ذلك التصرف ووجهه بمخاطبة وزير الخارجية – لسحب مرشحه.. وفعلاً تذكر الرئيس، وقال لوزيره: مش هو دا السوداني الذي قلت فيه الشعر؟. وعندما تولى “حسني مبارك” رئاسة المنظمة الأفريقية الدورية في 1993م، كنت التقيه يومياً قبل الجلسة الصباحية في مكتبه بقاعة المؤتمرات بمدينة مصر وأقوم بتنويره إعلامياً في حضور وزير إعلامه، ولاحظ أنني لا أقرأ من ورقة أمامي، فسألني: أنت بتحفظ الكلام ده كله؟.. ويضحك الرجل من قلبه عندما رددت عليه: يا ريس أنا بس بذاكر كويس!.. وعندما أدرت له مؤتمراً صحافياً، وجدني إلى شماله، ووزير إعلامه في آخر الطاولة، فتبرعت بإخباره بأن المؤتمر الصحفي (أفريقي) وليس مصرياً.. وبعد انفضاض المؤتمر رويت له قصة عن رئيس دولة نيجيريا “إبراهيم بانقيدا” عندما احتج لدى الأمين العام في 1992م، في (أبوجا) بأن أحد مواطنيه (ويقصدني أنا) قد غطى عليه في بلده إعلامياً أيام القمة، وفهم الإشارة، وقال لي: أنت هنا غطيت على صديقك “صفوت” مش علي أنا!!
ومن الوقائع التي لا أنساها في 1994م، أني كنت في معية الأمين العام “سالم أحمد سالم” وقابلت معه الرئيس “مبارك” في القاهرة وكادت مشكلة جبل (أبو غنيم) الفلسطيني أن تنسف جهود السلام القائمة، فقال الرئيس “مبارك” لـ”سالم” بإنجليزية سليمة (هذه مجرد قطعة أرض لا ينبغي أن تبدد جهود السلام) ثم التفت لي قائلاً: قل له يا “إبراهيم” إنه هذه (حتة) أرض لا هنا ولا هناك!
وبعد خروجنا نادى عليَّ رئيس اتحاد الصحافيين الأفارقة المرحوم “صلاح جلال” يا دكتور.. فتصدى له رئيس ديوان الرئيس “مبارك”، “زكريا عزمي” وقال له في حدة: أنت سامع الرئيس بيقول له يا “إبراهيم” تقوم أنت تقول له يا دكتور؟
إحساسي دائماً وأنا أشاهد الرئيس “محمد حسني مبارك” أنه رئيس محترم وملء هدومه.. وزاد إعجابي به أيام محنة الربيع العربي في مصر حينما وقف قائلاً: لن أغادر مصر إلى أي جهة أو بلد آخر، بل سأبقى هنا.. وأموت هنا، وأدفن هنا!
وحفظ الرجل وعده وأوفى.. فمات في بلده ودفن في أرضه عن (93) عاماً.. وأعلنت مصر الرسمية الحداد عليه لثلاثة أيام، لكن الحداد الشعبي سيستمر لثلاث سنوات!