حوارات

الخبير الدولي د. كامل إدريس:منبر أديس أبابا بطيء ولن يوصل إلى اتفاق!! (2-2)

{ ما تقييمك للمفاوضات التي تُعقّد بين حكومتي الشمال والجنوب بمنبر أديس أبابا؟
– أعتقد أن المنبر بطيء وليس له معالم طريق واضحة، ولا توجد خارطة لا من قبل إخواننا في حكومة الشمال أو إخواننا في  حكومة الجنوب. وفي تقديري أن هذه الخطة غير الموضوعية لن توصلنا إلى اتفاق إيجابي.
{ لماذا لم يتدخل “كامل إدريس” في ملف العلاقة بين الشمال والجنوب قبل الانفصال وبعده أو يزور جوبا؟
– تدخلت قبل الانفصال وزرت جوبا من قبل، وتربطني علائق قوية بإخواننا في دولة الجنوب وهم يعلمون ذلك جيداً، وعملت كل ما يمكن عمله مع الأطراف الدولية وإخواننا في حكومة الجنوب وحكومة الشمال لوقف كارثة الانفصال.
{ ماذا فعلت تحديداً؟
– حاولت التفاهم في بعض الأمور لتأجيل الاستفتاء، وعدد من المسؤولين في الدولتين يعلمون ذلك، لكن حدث ما حدث. وأنا متفائل ببناء علائق اقتصادية في المستقبل وتكتلات اقتصادية مع دولة الجنوب متى ما تمت حلحلة المسائل العالقة. وأقول إن الوساطة داخل البيت السوداني بين دولتي جنوب وشمال السودان أجدى وأنفع وأقوى من كل هذه الوساطات.
{ هل لديك فكرة للتوسط بين دولتي السودان وجنوب السودان؟
– لديّ فكرة ومسعى، وتحدثت مع بعض المسؤولين في البلدين، لكن لم أتلق حتى هذه اللحظة أية استجابة لهذه المبادرة.
{ في رأيك.. بماذا تصطدم هذه المبادرات والمساعي؟
– تصطدم بتعثر صناعة القرار السياسي. القرار السياسي المتين يحتاج إلى مواعين موضوعية وليست شخصية، كما ينبغي أن لا (يُشخصن). والسياسة كما ذكرت فن الممكن، وحينما تكثر الأيدي في (الحلة) تفسد الطبخة، لذلك يجب دراسة الملف بصورة موضوعية للمصلحة العامة. وأعتقد أن أهمية هذه المفاوضات ينبغي أن تُترجم في شعور الطرفين بالانتصار في أية جولة تُعقد بينهما.
{ لكن يبدو أن هناك مشكلة في قضايا أساسية؟
– المشكلة لا تكمن في القضايا الموضوعية، وإنما تصطدم ببعض المسائل السيكولوجية التي يجب أن تُدرس ابتداء قبل الجلوس في مائدة المفاوضات. أية مفاوضات تحتاج إلى ترتيبات نفسية وشخصية، ودراسة الشخصية، وكيفية انتقاء الكلمات، ووقت الجلوس. والحديث قبل بداية المفاوضات غير الرسمية أهم من الحديث داخل المفاوضات. التفاوض فن كبير وعلم واسع لا يمكن إضعافه بآلية مباشرة، لأن فيه جوانب مباشرة وأخرى غير مباشرة.
{ هل أنت مستعد للتوسط بين دولتي الشمال والجنوب؟
– أنا على استعداد للدخول في أية عملية تفاوضية متى ما طُلب مني ذلك.
{ بمعرفتك للغرب وعملك بجنيف.. هل تعتقد أنه جاد في إسقاط نظام الخرطوم؟
– لا أعتقد ذلك. ونحن لا يمكن أن نتحدث عن الغرب بصفة عامة، لأنه يشمل مجموعة من المؤسسات الرسمية والسياسية والأكاديمية ومراكز البحث، وفيه أحزاب ومنظمات المجتمع المدني. لكن إذا أخذنا هذا السؤال بعموميته، الإجابة ستكون لا، لأنه ليس من مصلحة الغرب أن يُحدث فوضى في السودان.
{ لماذا؟
– لأن الفوضى تنتقل إلى دول الجوار التي تربطها مصالح إستراتيجية مع السودان، أضف إلى ذلك أن السودان دولة مهمة مطلة على البحر الأحمر ولديها مصالح مع القرن الأفريقي، وهناك نهر النيل، وتجاور جنوب السودان، فإحداث فوضى في السودان ليس من مصلحة الغرب لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا حتى من ناحية اجتماعية. الغرب من مصلحته أن يُحدث هبوطاً آمناً، ويجب أن نشجع هذا الاتجاه.
{ بوصفك خبيراً في الشأن الدولي.. كيف تنظر للعداء الإسرائيلي لدولة شمال السودان الذي تمثل مؤخراً في ضرب مصنع (اليرموك)؟
– بداية لا بد أن نؤكد أن ضرب الصواريخ والهجوم على السودان جريمة بعيدة عن المنطق والإنسانية، وحتى من اللعبة السياسية، وهذا عمل مدان، لكن هناك انطباع في تقديري بأن دعم السودان لبعض الأطراف المعادية لإسرائيل يأتي بهذا الفعل، تحديداً (حماس)، وهذا انطباع سائد ليس في إسرائيل فقط وإنما في دول الغرب كذلك.
{ كيف يمكن تصحيح مثل هذه المفاهيم؟
– أعتقد أن الدبلوماسية النشطة ينبغي أن تتعامل مع هذا الملف بجدية حتى نتفادى أي مخاطر في المستقبل، ونركز على حلحلة مشاكل البيت السوداني في الداخل، ثم نخرج بانطباعاتنا وأولوياتنا وتحدياتنا إلى خارج الوطن.
{ كأنك تشير إلى تقصير من ناحية الدبلوماسية السوداني؟
– السيد وزير الخارجية “علي كرتي” يبذل مجهوداً مقدراً، ويقوم بجولات ماكوكية، ويفهم مغزى السياسة الدولية، لكن الدبلوماسية هي حصيلة لسياسات داخلية، ومن الخطأ أن يُلام وزير الخارجية أو وزارته على حدث معين، لأن قرارات سياسة السودان الخارجية لا تُبنى عن طريق فرد ولا وزارة، بل هي نتاج لتراكم سياسات كثيرة ومعقدة في صناعة وصياغة القرار الوطني.
{ لماذا تستمر يوغندا في مناصبة السودان العداء حتى بعد فصل الجنوب برأيك؟
– إذا قرأنا مواقف يوغندا منذ بداية الإنقاذ نجد أنها متسقة، فيها مشاحنات ونقاط خلاف كثيرة مع حكومة الخرطوم منذ اليوم الأول.
{ من أية خلفية تنطلق هذه الخلافات والمشاحنات؟
– هناك ثلاث مشاكل يجب أن ننتبه لها، دولة يوغندا في تحليلي الخاص تتهم السودان بضعف عمقه الأفريقي، وبغض النظر عن أن يوغندا محقة أو مخطئة أنا أوصي بتعميق نشاط السودان في القارة الأفريقية خاصة بعد انفصال الجنوب. كذلك يوغندا تربطها صلات تاريخية واقتصادية واجتماعية مع دولة الجنوب، وبالتالي ما يحدث بين الشمال والجنوب يؤثر سلباً وإيجاباً على دولة يوغندا. أيضاً يوغندا لها ترتيبات وعلاقات والتزامات دولية تستنبط منها مواقفها تجاه السودان.
{ هذا يعني أنه لا جدوى من التفكير في تحسين العلاقة؟
– رغم ما حدث ويحدث، أوصي بتنشيط العلاقات، خاصة على المستوى الشعبي، بين يوغندا والسودان.
{ نود التعرف على رأيك الشخصي في وثيقة (الفجر الجديد)؟
– وثيقة (الفجر الجديد) هي نتاج سياسي لحراك مستمر بين الجبهة الثورية والمعارضة بشكل عام، وتعبر عن حالة إحباط وفشل في صياغة مشروع وطني يجمع كل القوى. وأقول هذه الوثيقة تعبر عن من قاموا بصياغتها وهي الجبهة الثورية، والمعارضة قالت يمكن أن تتطور لكن هذه وثائق تاريخية، وفي كل دول العالم التي حدث فيها تمرد وانفلاتات أمنية ومعارضة نجد هذا الإرث التاريخي لمثل هذه الوثائق. والأهم أن يتم جمع كل هذه الأشياء في مشروع وطني يحفظ لكل أقاليم السودان حقها في المشاركة وفي السلطة والثروة. لا يمكن أن تُحل مشكلة الجبهة الثورية دون الحديث المباشر عن الثروة والسلطة كما ورد في اتفاقية نيفاشا بشكل مباشر.
{ في أي سياق فهمت انضمام رجال الدين إلى هذه الوثيقة؟
– الذين انضموا إلى الوثيقة من أهل الدين لديهم أسباب، ورسالتهم للناس هي عدم وجود صراع بين الدين والدولة، وهذا سيزيد من أهمية الحوار في المستقبل. وأعتقد أن الوثيقة التي وقعت بين دكتور “نافع” و”عقار” كانت أساساً طيباً لحل المشكلة منذ زمن بعيد.
{ في وقت سابق كنت تراهن على دور الشباب لكن لقاءك الأخير بالدكتور “الترابي” و”الصادق” يشير إلى تحولات.. هل أنت محبط من تجربة شباب الربيع العربي؟
– قناعتي ليست فقط بالشباب، والناس يقولون الشباب هم نصف الحاضر وكل المستقبل، وأنا أقول هم كل الحاضر والمستقبل،  وأعتقد حتى لو حدثت مصالحة وطنية ومشروع تراضٍ وطني لن تحدث نقلة اقتصادية ونوعية إلا عن طريق الشباب، فأنا قناعتي بالشباب مطلقة، ودور المرأة يجب أن يُمكّن وفق قناعة وليس بطريقة المجاملات. نحن نود أن تكون المرأة جزءاً من صناعة القرار السياسي والاقتصادي، والشباب هم العجلة التي ستُحدث النقلة النهضوية في السودان، ولا يوجد تناقض بين الشباب والشيخ “الترابي”، ولا حتى حكومة السودان أو الإمام “الصادق”، هما مكملان لبعضهما البعض.
{ طالما أنك بهذه القناعة لماذا لا تدير حواراً مفتوحاً مع الشباب مثلما يفعل “غازي صلاح الدين”؟
– لديّ حوار مستمر مع الشباب عبر الوسائط الإلكترونية، لكن ينبغي أن نتحدث عن الشباب وفق موجهات بعيدة عن العاطفة.. لا بد من تقديم موجهات واضحة حتى يعبروا، لأن في كثير من دول الربيع العربي هناك مغالطات حول دور الشباب، وليس هذا انتقاص لدورهم في دول الربيع، لكن في بعض الأحايين الحماس كان أكبر من الرؤية التخطيطية السليمة التي تعبر بكل الأمة بمن فيهم الشباب.
{ قلت إن علاقتك بالدكتور “الترابي” متميزة.. فما سر هذا الود؟
– أنا لا أنتمي لأي حزب، والكل يعرف، ولست طرفاً في الحركة الإسلامية التقليدية أو عضواً في حزب المؤتمر الشعبي، لكن “الترابي” مثله مثل المفكرين الوطنيين تربطني به علاقة تاريخية منذ سبعينيات القرن الماضي، فلسفية وفكرية وليست حزبية.
{ رغم خوضك الانتخابات الماضية مستقلاً إلا أن هناك تقارباً مع الأحزاب تظهر هنا وهناك.. أين يقف “كامل إدريس” من حيث القرب والبعد مما تطرحه القوى السياسية المختلفة؟
– أنا في الوسط وأقف على مسافة واحدة من كل الأحزاب.
{ أي برنامج يتوافق مع طرحك؟
– نحن نريد أن نتفق حول كيف يُحكم السودان وليس من يحكم السودان، وكثير من اللغط السياسي يدور حول من يحكم السودان، وهذا غير مهم، وإذا حدث هبوط آمن أنا سأتفرغ لمهام أخرى محصورة في البحث والنشر والعمل الطوعي. وأؤكد أنني لا أنحاز إلى طرف دون الآخر، لكن أؤمن بمبدأ الوسطية.
{ هل تعد نفسك للانتخابات القادمة؟
– هذه جزئية بسيطة، نحن الآن بصدد إطفاء الحرائق وحل مشاكل دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة بالتراضي وداخل البيت، هذا ما يشغلني. أما في المستقبل، أعاهد الله والأمة بأن أكون جندياً مخلصاً في أي موقع أجد نفسي فيه لمساعدة هذا البلد.
{ أخيراً.. هل من ضمن مساعيكم الترتيب للقاء بين الرئيس “البشير” وزعيم حزب المؤتمر الشعبي “حسن الترابي”؟
– نحن نرتب لجمع الشيخ “الترابي” والرئيس “عمر البشير” في لقاء مشترك في أقرب وقت ممكن، وسيأتي اللقاء ضمن سلسلة لقاءات مع القوى السياسية بغرض جمع الصف الوطني.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية