هيلا سلاسي..
في صباح يوم ١٢ سبتمبر ١٩٧٤م انطلقت سيارة (فولكسواجن) بيضاء صغيرة عبر حدائق واسعة من الأشجار العالية والأزهار الضخمة النادرة.. لتقف أمام مدخل رئيسي للقصر الإمبراطوري في أديس ابابا.. قلائل جداً الذين كانوا يعرفون أن ركاب تلك السيارة كانوا في طريقهم لاعتقال الإمبراطور “هيلا سلاسي” بعد نصف قرن من حكمه، كانت الصورة تبدو مفعمة بالظلال الأسطورية، فالرجل المعتقل ضعيف البنية قصير القامة، ولكن لفرط ما أحاط به نفسه من جبروت التسلط في بلد تخيم عليه الخرافات الممتدة، إلى أحاجي الجن في عهد “سليمان” الذي كان يدعي الإمبراطور وصلاً ونسباً بأسرته..
اسم الرجل في الأصل (تفري ماكونين) ولكن لأن كل ملك في إثيوبيا هو رئيس لكنيستها كما هو الحال لدى قياصرة روسيا، فقد اتخذ “تفري ماكونين” لنفسه حين التتويج اسم (هيلا سلاسي) وتعني قوة الثلاثة كما في الأقاليم الثلاثة في المسيحية.. فهيلي من الهول والقوة، و”سلاسي” من ثلاثة فاللغة الأمهرية في إثيوبياً هي من تفرعات اللغة العربية السبئية القديمة، التي كان عليها لسان الجنوب من الجزيرة العربية، فكافة الألفاظ الأمهرية هناك- مع قليل من التعديل- تعود لأصولها العربية القديمة..
إثيوبيا كما عبر عنها الملك “سيمون” ملك بلغاريا السابق حين رثى “هيلا سلاسي” على صفحات مجلة مدريد (AB C) هي البلد الوحيد الأسطوري ذو التاريخ الألفي تشهد على ذلك الآثار العديدة والأنصاب المنتشرة في مختلف أرجائها.. من منا لم يقرأ عن ملكة سبأ والملك سليمان؟ أو النفوذ البرتغالي في غوندار؟ أو الأنصاب والأديرة الصامتة الغريبة في أكسوم.. المدينة المقدسة للكنيسة القبطية الإثيوبية؟ هناك حيث الجبال المنيعة الشامخة إلى السماء، قمة راس. (داشان) التي أوحت للملك (ثيودور) أن يتوج نفسه فوقها، على ارتفاع (٥٩٠٠) م إمبراطوراً على العالم كله في القرن التاسع عشر..
من مقالة للراحل محمد أبو القاسم حاج حمد