حوارات

المرشح الرئاسي السابق رئيس محكمة التحكيم الدولية د. "كامل إدريس" يفتح صدره لـ(المجهر)

في الوقت الذي يشهد فيه طقس السودان السياسي تقلبات استثنائية عقّدت من فرص الحل القومي عقب مصفوفة (الفجر الجديد)، توصل الخبير الدولي المعروف ومرشح الرئاسة الأسبق الدكتور “كامل إدريس” إلى وصفة يعتقد أنها تصلح كمدخل لتذويب جليد جمود الملفات السياسية التي ظلت لم تراوح مكانها رغم ما تشهده من حراك بعد أن طلب منه الزعيمان الدكتور “الترابي” والإمام “الصادق المهدي” الترتيب لزيارة بمنزله في الأيام الماضية. ويبدو أن هذه الوصفة أصبحت إطاراً يصلح كذلك لجذب قوى وقيادات أخرى، أو هكذا أكد “كامل” لـ(المجهر) حينما قال إن علاقته متميزة مع كل القوى السياسية حكومة ومعارضة، ويسعى للجمع بينها والرئيس “البشير”.
وفي السياق، أثار لقاء (الصادق- الترابي) بمنزل “كامل إدريس” ضجة كبيرة وأسئلة من شاكلة لماذا تم استثناء قوى الإجماع الأخرى؟ وماذا قصد “الترابي” و”الصادق” من اللقاء؟ وإلى ماذا توصلا؟ وفيما يفكر “كامل إدريس”؟ جمعنا هذه التساؤلات واتصلنا بدكتور “كامل إدريس” واعتذر بشدة في حينها، إلا أننا استضفناه في زيارة بـ(المجهر)، بدأت اجتماعية وانتهت بفتح ملفات السياسة، وكان في مقدمتها ملف الزيارة الأخيرة التي تمت بمنزله.. فماذا قال؟؟
{ بداية قبل الخوض في التفاصيل نود التعرف على خلفيات اللقاء الذي جمع بين دكتور “الترابي” والإمام “الصادق المهدي” بمنزلكم؟
– قبل الإجابة عن هذا السؤال، أريد توضيح مسألة مبدئية وهي أن “كامل إدريس” تربطه علاقات طيبة مع ألوان الطيف السياسي كافة في السودان سواء في الحكومة أو المعارضة، حيث تربطني علاقة طيبة بالدكتور “الترابي” والإمام “الصادق المهدي”، فلعبة شطرنج السياسة السودانية ليست جديدة على “كامل إدريس”.
{ إذن الخطوة تأتي في إطار التواصل لأدوار سابقة.. أليس كذلك؟
– الأمر يعود إلى خلفية العام 1999م، عندما حدث اللقاء التاريخي الشهير الذي أحدث اختراقات في السياسة السودانية وسُمي بلقاء جنيف، عندما بدأت بذرة المصالحة تظهر فيه لإطفاء الحريق، وهذا يعني أننا بدأنا إطفاء الحريق منذ ذلك الوقت.
{ كيف تم الترتيب لهذه الزيارة؟
– كانت زيارة اجتماعية بمبادرة من الشيخ “حسن الترابي” والإمام “الصادق المهدي” ولم يكن هناك طرف رابع، فقط “الترابي” و”الصادق” و”كامل إدريس”.
{ تقصد أن اللقاء لم يحضره أحد من منسوبي الحزبين؟
– نعم، لم يحضر اللقاء غير ثلاثتنا، وأقول هذا بطريقة مطلقة.
{ طالماً أن الزيارة كانت اجتماعية كيف أخذت الطابع السياسي؟
– كما أوضحت، الزيارة كانت اجتماعية لكن بطبيعة الحال الزيارات الاجتماعية…
{ مقاطعة.. هل كانت بمبادرة من أحدهما؟
– المبادرة كانت من الاثنين معاً، وفي وقت واحد وأنا تربطني صداقة بالطرفين.
{ هل كان كل طرف على علم بحضور الطرف الآخر؟
– نعم، كانا على علم، وعند حدوث الطلب قمت بإخطار الطرفين.
{ ماذا عن الروح التي سادت هذه الزيارة؟
– سادت اللقاء روح من الأريحية، شخصية واجتماعية وأخوية.
{ دأبت العادة أن يصطحب كل طرف منهما قيادات تمثل أحزابهما في مثل هكذا لقاءات.. ما تفسيركم لغياب مساعديهما؟
– اللقاء كان فردياً حتى نتحدث بشكل صريح، سواء كان الحديث في المسائل السياسية أو الاجتماعية، لذلك مساعدو الزعيمين لم يكونوا حضوراً في هذا الاجتماع.
{ ما هي الأجندة التي طُرحت للنقاش؟
– اللقاء لم تكن له أجندة تحضيرية.. لكن بعد الدردشة الاجتماعية في الهموم العامة، أود أن أوضح بما لا يدع مجالاً للشك، أنه لم يكن هناك أي حديث عن مؤامرة على الحكومة أو المعارضة.
{ إذن من أية زاوية تم تناول القضايا السياسية؟
– مجمل الحديث كان يدور حول الهمّ الوطني وكيفية صياغة مشروع وطني ينقذ السودان من الدولة الفاشلة.
{ صِف لنا الترحاب والشعور الذي بدر من الزعيمين تجاه  بعضهما البعض؟
– كان حاراً وعادياً في نفس الوقت، لم يكن هناك توتر أو حساسية أو اشمئزاز، وما لفتني وسعدت به أنهما كانا يفكران وفق رؤية قومية شاملة بعيدة عن إقصاء أية جهة أو طرف. كانا يتحدثان عن الهمّ القومي المشترك والمشروع الوطني، والفكرة كانت تتلخص في ضرورة تحكيم العقول لإنقاذ الوطن، وأعتقد أن هذه نقلة مهمة جداً.
{ هل تطرقا إلى ما ينبغي فعله على مستوى حزبيهما؟
– لم يتحدثا كممثلين لأحزاب أو في مصلحة خاصة، وإنما كانا يتحدثان عن كيفية إنقاذ الوطن وإحداث النقلة النهضوية لهذه الأمة العظيمة.
{ كم من الزمن استمر اللقاء؟
– حوالي ساعتين وربع الساعة.
{ حسب ما قيل من حديث.. ما تقييمك لما تم طرحه وملاحظاتك؟
– لاحظت أنهما كانا يتحدثان بلغة الكبار بعيداً عن الانهزامية، وكان إحساسي أنهما يريدان تجاوز طموحاتهما الشخصية والحزبية لمصلحة الوطن، وهذه حقيقة لا مراء فيها ولا جدال.
{ لكن بعض الصحف قالت إن اللقاء صاحبته تعليقات نسبت للسيد “الصادق” حول التحالف المعارض؟
– لاحظت أن هناك شخصيات صرّحت وكأنها حضرت الاجتماع، وهنا أؤكد للمرة الثالثة، أن الاجتماع لم يحضره أحد غير شخصي الضعيف، ودكتور “الترابي” والإمام “الصادق”.
{ ألم تكن هناك إشارات إلى مستوى أداء قوى التحالف المعارض؟
– لم تكن هناك روح إقصائية للأطراف الأخرى في تحالف قوى الاجتماع، ولم يتعرضا للتحالف بسوء أو انتقاد. وأقول هذا اللقاء لم يكن مستغرباً، فقبل عدة أشهر حضر إلى منزلي الإمام “الصادق المهدي” والشيخ “حسن الترابي” والأستاذان “فاروق أبو عيسى” و”محمد مختار الخطيب”، وتداولوا حول المشروع الوطني.
{ إلى ماذا انتهى الاجتماع؟
– أوصى بضرورة التركيز على رؤية قومية شاملة لإحداث مشروع وطني يعبر بالسودان إلى الأمام. وأنا أدعو الأطراف السياسية والرئيس “البشير” للالتقاء بهذه القوى السياسية والتحاور والتفاكر معهما، وأعتقد أنه قادر وراغب في ذلك فيجب أن نشجعه.
{ ما هي الآلية التي أمن عليها هذا الاجتماع وفي أي مسار كان يمضي التفكير.. في اتجاه المصالحة مع المؤتمر الوطني أم إسقاطه؟
– لم تكن هناك لغة مباشرة تنص على إسقاط النظام أو المصالحة. وفي تقديري أن الزعيمين وقوى الإجماع الوطني أولويتهم هي الهبوط الآمن، وأعتقد أن الهبوط الآمن والمصالحة وجهان لعملة واحدة.
{ إذن أنت تستبعد الخيارات الأخرى؟
– في أية تركيبة سياسية يكون هناك خيار آخر. في تقديري إذا فشل هذا فإن الخط المعلن للتحالف الوطني لتغيير النظام أو إسقاطه موجود في أدبياتهم ومعروف للجميع.
{ دكتور “الترابي” سبق أن تحدث عن أن أي تغيير عنيف سيحيل السودان إلى دويلات؟
– هذا خطر بالطبع، لذلك يجب الاستفادة من تجارب الربيع العربي التي تحتاج إلى دراسة متأنية لأن هناك مثالب كثيرة ودروس وعبر يجب الاستفادة منها حتى نكسب الزمن، فالتنمية لها عمر كعمر الإنسان، ونحن لا نريد إهدار الزمن في مسائل لا تهمّ الدولة والأمة وتنميتها، (يعني) أي تساؤلات شخصية ينبغي أن توضع جانباً ونترفع ونلتف حول جلباب الوطن الكبير.. إذن الهبوط الآمن هو أولوية الأولويات وفقاً لتقديري الخاص.
{ هل لديكم نية لتوسيع الدائرة وجمع القوى السياسية بالرئيسين؟
– لم يكن هناك مقترح مباشر حول هذا الأمر، لكن إذا كان هناك مشروع وطني له رؤية واضحة وآليات تتسم بالشفافية، في تقديري يمكن أن تجتمع حوله كل هذه الأطراف ويمكننا أن نضع بالون اختبار لهذا، بأن يكون الرئيس شخصياً طرفاً في هذه العملية.
{ هل لدى الدكتور “كامل” فكرة أو مسعى لجمع الزعيمين بالسيد الرئيس؟
– إذا كانت هناك رغبة وقبول فأنا على أتم الاستعداد.
{ قبول مِن من؟
– من الرئيس.. إذا كانت هناك رغبة من الرئيس فأنا مستعد للمّ الشمل وجمع الأطراف قريباً.. الرئيس مع الشيخ “الترابي”، والسيد “الصادق” و”الترابي” مع الرئيس، ونتوسع في هذا الاتجاه إلى لمّ الشمل داخل البيت السوداني دون حاجة إلى وساطة أجنبية أو تدويل. فإذا كنا على قلب رجل واحد سنوقف التدويل والوساطات الإقليمية والدولية، ونرفع العقوبات ونخرج إلى العالم بالقوة الحقيقية لهذا البلد.
{ هل أنت على اتصال بالسلطة؟
– أنا على اتصال دائم بالقوى السياسية كافة بما في ذلك الأخوة داخل الحكومة والمؤتمر الوطني، وتربطني علائق طيبة بقادة الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، وتربطني علاقة طيبة بالرئيس شخصياً وهو يعلم ذلك.
{ إلى أي مدى يمكن أن نتوقع عقد لقاءات تجمع بين قوى المعارضة وأهل السلطة؟
– نأمل ذلك إذا توفرت النوايا الحسنة ومُنحت ذلك التفويض، لأنني لا استطيع فرض نفسي كوسيط دون قبول الأطراف. وأعتقد أن بيت القصيد يكمن في قبول قادة المؤتمر الوطني بهذا الحوار الوطني حتى نصل إلى بر الأمان، لأن قطرة الماء التي تذهب لن تعود.
{ ألم تكن محرجاً من قوى التحالف الأخرى التي لم تجتمع بمنزلك مع “الصادق” و”الترابي”؟
– أنا غير محرج، لأنني في حالة لقاءات مستمرة مع أحزاب التحالف وقادة المؤتمر الوطني، وهذا واحد من سلسلة لقاءات. وفي حالة “الترابي” و”الصادق” لا يمكن أن أرفض طلب زيارتهما الاجتماعية، وبعدهما أتى أشخاص وقبلهم كذلك، وهذا يعني أنني على صلة بالقوى كافة.
{ من جاء بعدهما؟
– بعدهما جاءني في منزلي أنصار السنة المحمدية في نفس اليوم.
{ بجناحيها؟
– نعم.. لا يوجد انحياز لأي طرف، وتربطني علاقة طيبة بالأحزاب الممثلة داخل قوى الإجماع.
{ الإعلام حمل تفاسير مختلفة لاستقبالكم “الترابي” و”الصادق” دون بقية القوى الأخرى؟
– “فاروق أبو عيسى” صديق عزيز وأخ كريم وهو يعلم ذلك، ونلتقي دائماً، وكذلك الحزب الشيوعي والناصريون والبعثيون، وهذا يعني أنني ألتقي بشكل مستمر مع الأجنحة الممثلة لقوى التحالف الوطني.
{ رغم ذلك قيل هناك استفسارات أطلقتها القوى التي لم يشملها الاجتماع؟
– لم يستفسروا، لأنهم يعلمون أن هذا اللقاء يأتي في إطار سلسلة من اللقاءات التقليدية العادية، والزيارة في جوهرها كانت اجتماعية وليست سياسية، لكن تطرقت إلى السياسة بطبيعة الحال.
{ هل تعتقد أن مجرد لقاء “الترابي” بـ”الصادق” دون القوى الأخرى كافٍ لحلحلة المشاكل؟
– بطبيعة الحال غير كافٍ، وأعتقد أن الأمم التي عبرت إلى مصاف الدول المتقدمة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وعسكرياً هي الأمم التي احتفظت بحكومة قوية ومعارضة قوية. إضعاف أي طرف هو إضعاف للحالة العامة، ويضعف كذلك من معايير ومقاييس النجاح.. إذن ليس من المفيد أن تضعف الحكومة المعارضة أو تضعف المعارضة الحكومة. المهم استمرار هذا الحوار الحضاري لمصلحة البلد.
{ بالطبع كانت هناك إشارة إلى ميثاق (الفجر الجديد).. أليس كذلك؟
– تمت إشارة عارضة، تحدثت عن ضرورة تطوير هذا الميثاق، وهذه الكلمة تعني عدم النظر إلى الوثيقة باعتبارها كاملة، وأعتقد أن الزعيمين “الصادق” و”الترابي” سبق أن أشارا إلى هذا الحديث عبر الإعلام.
{ كيف نظرت أنت إلى هذه الإشارة؟
– الحلول الجزئية لا تنفع في السودان، سواء كانت جبهة ثورية أو قوى تحالف أو حكومة، نحن نحتاج إلى حل شامل يحدث مشروعاً وطنياً ينقذ هذه الأمة ويعبر بالسودان، بمقاييس وأزمنة محددة وفق رؤى وآليات إلى مصاف الدول التي عبرت، لا سيما أن السودان بعد انفصال الجنوب يساوي بلداً مثل سنغافورة (60) مرة، وسنغافورة لا تمتلك أي موارد ولا نفط، لكن أكبر مصفاة للنفط في العالم موجودة بها، لأن هذه الدولة الصغيرة فهمت معنى التعددية.. كل إثنية تحترم الأخرى، واستطاعوا تحويل هذا التنوع إلى قوة اقتصادية كبيرة، وبالتالي السودان يحتاج إلى وقفة مع النفس والحقيقة والمصارحة.
{ قيل إن “الصادق” تحدث عن التحالف المعارض و”الترابي” تحدث معه عن شخصك؟
– هذا غير صحيح. أنا قرأت ما كُتب في الصحف، وبعضها قالت، “الترابي” قال إن “الصادق” محتاج إلى هذا اللقاء لتقوية نفسه و”كامل إدريس” تربطه علاقة بالأمريكان والبريطانيين. وهذا كلام خاطئ وأنا لم أسمع به قط، وأعتقد أن هذا مجرد (تخريمات) وتحليلات ليست لها مصداقية، ومنطقياً لا يمكن أن يدور في هذا اللقاء الثلاثي مثل هذه الأحاديث الخارجة عن النص، ومن الخطورة بمكان إعطاء الأشياء كثافة وحجماً أكبر من حجمها الحقيقي.
{ لكن قد يكون اجتماع الزعيمين بمنزلك جاء بغرض الاستفادة من علاقاتك الدولية؟
– السياسة هي فن الممكن. وأكرر، لا الحكومة ولا المعارضة ولا شيخ “الترابي” والإمام “الصادق” محتاجون إلى “كامل إدريس”، لكن أنا أفهم لعبة السياسة الدولية بحكم أنني أدرت أكبر منظمات دولية في العالم، والآن أنا رئيس لمحكمة التحكيم والوساطة الدولية على مستوى العالم، وهذا يعني أنني لا أحتاج إلى توظيف علاقاتي من جديد، بل إنني طيلة الثلاث عقود الماضية وظفت هذه العلاقات لمصلحة السودان وإطفاء الحريق، والسياسيون في الحكومة والمعارضة يعلمون ذلك جيداً في الملفات كافة، وعدد كبير من الملفات الخطيرة كنت جزءاً منها بدون ضوضاء إعلامية.
{ مثل ماذا؟
– ملفات كثيرة، منها ملف دارفور على سبيل المثال لا الحصر.
{ تتحدث كثيراً عن علاقتك الطيبة مع دكتور “الترابي”.. فما هي المشتركات ومصدر هذا الود؟
– تربطني علاقة تاريخية بـ”الترابي”، هو مفكر وعالم، والخلاف السياسي لا ينبغي أن ينقص الناس أشياءهم، والعلاقة لها جذور تاريخية وقانونية وأكاديمية وفلسفية وليس حزبية.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية