أسواق السلام بجنوب كردفان.. أجواء المحبة والوئام
ضمت فرقاء الحرب بالعناق والدموع
كادقلي ـ سيف جامع
في سوق السلام (كلولو) بمحلية البرام – ولاية جنوب كردفان أصبح السلام واقعاً معاشاً بين المواطنين، حيث يلتقي في السوق المقاتلون من جنود الجيش السوداني والحركة الشعبية في تآلف وانسجام تام، أسس السوق مؤخراً بهدف التعايش السلمي، وتحول إلى ملتقى العائلات التي فرقتها الحرب، في السوق تتعدد المشاهد الإنسانية المتمثلة في معاناة القادمين من منطقة التمرد الذين يبدو عليهم البؤس والعوز، بجانب مشاهد لقاء الأسر بأبنائها بالعناق والبكاء.
يبعد السوق عن كادقلي حوالي (30) كيلو متر جنوباً، يلتقي فيه كل أبناء الولاية الذين فرقتهم السياسة والحرب، ليلتقوا في السوق وسط أجواء المحبة والسلام. تتبع (كلولو) لإمارة ريفي البرام، وأقيم بها ذلك السوق بمبادرة من أبناء المنطقة المنتمين للحكومة والحركة الشعبية .وتشرف عليه لجنة أمنية من الجيش السوداني، بجانب أفراد من الحركة الشعبية، في السوق تُبادل السلع، يأتي المواطنون من مناطق الحركة الشعبية بالمنتجات الغابية والماشية والعسل، بينما يعرض للمواطنين من جانب الحكومة السودانية السلع الغذائية والملابس وغيرها.
وتقام أسواق السلام أسبوعياً في عدة مناطق من بينها (سوق الاثنين) بمنطقة السلامات، وسوق (فرندلة) بمحلية البرام، وسوق (التمداي) بمحلية تلودي، وسوق (السبت) بمنطقة حرنقلة.
ويقول منظمو سوق (كلولو) بمحلية البرام إن فكرة تأسيس أسواق السلام بهدف درء الآثار السالبة ما تسمى بـ(أسواق السمبك) التي كانت تقوم على تهربيب السلع عبر المواتر والحمير، وربما جاءت تماهياً مع الرغبة الجامحة لدى الجميع نحو السلام، ومنها (سوق السلام في كلولو) في محلية البرام في جنوب كردفان.
وترى حكومة الولاية أن مبادرة المواطنين بإنشاء أسواق السلام مبادرة جيدة، لا سيما في ولاية ظلت تعاني الحرب (35) عاماً، كما ظلت في حرب متصلة خلال التسع سنوات الأخيرة (9)، ألقت بظلال سالبة على مجمل الأوضاع الأمنية والتنموية والاجتماعية بالبلاد.
ويمر الطريق إلى من كادقلي إلى أسواق السلام بمناطق (السرف، تكو، دلوكا)، عبر ردمية متهالكة أعاقتها الحرب دون أن تكتمل، وأقيم السوق في ذات الردمية نسبة لسهولة الوصول إليه، فضلاً عن كونها منطقة تلاقي لكل القرى، وفي وقت مبكر من صباح (الجمعة) بدأ المواطنون في التدفق إلى سوق (كلولو) من كادقلي، بينما جاء آخرون من مناطق الحركة الشعبية من داخل الجبال بين منعرجات الوديان، وسفوح الصخور مشياً والمواتر والدواب، وآخرون على ظهور الجمال والثيران وبعضهم عبر اللواري والتاتشرات والتكاتك التي كسرت القيود وتجاوزت حدود الممنوع بسماحة السلام إلى (طروجي، الدار، التيس، شات، اللحيمر، أبو هشيم وغيرها) وليس ذلك فحسب، بل وقفنا دون بحث ودون عناء ومشقة أمام مشهد تلقائي يجسد أحد مكاسب وأهداف سوق السلام، لقاء جمع بسوق (كلولو) شقيقتين بشقيقيهما بعد (9) سنوات من الفراق، حيث تعانقت الأجساد وتساقطت الدموع وعلت الأصوات الحناجر، فانطلقت في الفضاء الواسع، بينما انحبس الأنين في الصدور، إنها مشاهد مؤثرة تحكي عظمة السلام، وتؤكد جميعها نجاح هذه الأسواق في تحقيق أهدافها.
ويحوي سوق السلام منتجات مختلفة بأسعار معقولة في متناول الجميع، حيث يعرض الباعة الضأن والماعز والبقر في مناطق مخصصة لها، وأيضاً منتجات الغابات من “النبق”، “اللالوب” ، “القنقليس”، “العرديب”، “الويكة” و”الشطة” والمصنوعات اليدوية المختلفة بجانب المأكولات والمشروبات.
ترعى حكومة جنوب كردفان أسواق السلام رعاية مباشرة حيث وفرت مياه الشرب وشكلت رعاية أمنية، كما أنها اتخذت تدابير لمنع الاحتكاك المسلح بالسوق، بمنع الدخول بالسلاح إلى السوق، وحددت مناطق لجمع السلام قبل الدخول.
ويقول والي الولاية المكلف اللواء ركن “رشاد عبد الحميد” إن الولاية تهتم بالسوق كثيراً، حيث كونت لجنة من الأهالي لتنظيمه تضم العمد، وسارعنا في إنشاء مستشفى ميداني لاستقبال الحالات التي تأتي من مناطق الحركة الشعبية. وأضاف: (لدينا مقترح بحفر بئر لتوفير مياه الشرب، أما لتنظيم السوق ودرء التفلتات فوضعنا إجراءات بأن يضع كل من الطرفين سلاحهم خارج السوق، والدخول إليه عزل، لأنه يمكن أن تحدث مشاجرات بين الأشخاص الذين لديهم خلافات شخصية سابقة.
ويؤكد اللواء “رشاد” أن السوق منذ تاسسيه مؤخراً شهد توسعاً كبيراً، حيث يحرص الموطنون على التردد عليه، نسبة لما حققه من منافع اقتصادية وتجارية للجانبين. وأشار الوالي إلى أن السوق أصبح ملتقى للأسر الذين فرقتهم الحرب. وأضاف: (بعض المواطنين العائدين من مناطق الحركة الشعبية وصلوا إلى مدينة كادقلي عبر السوق، ووفرنا للعمد دعماً لاستقبالهم وإعانتهم). وأشار إلى أنه حينما وصلوا إلى المنطقة قامت الفرقة 14 بتوفير بعض المعينات لهم. وأكد الوالي: (وضعنا ضوابط مشددة لمنع تهريب الوقود إلى الجانب الآخر إلا بتصديق، وكذلك وضعنا ضوابط أمنية على تهريب المخدرات والخمور). وشدد بأن القصد من السوق تواصل الأهل الذين يأتون من مناطق بعيدة وتعزيز السلام. وحذر الوالي من توغل سائقي التكاتك الى داخل المناطق التي شهدت نزاعات مسلحة خوفاً من تواجد ألغام تهدد حياتهم.