تقارير

تسليم “البشير” وآخرين إلى الجنائية ..ما بين القبول والرفض

“التعايشي” أكد ضرورة مثول من صدرت في حقهم أوامر القبض أمام المحكمة

خطوط* “محمد حسن التعايشي”: لابد من مثول الذين صدرت في حقهم أوامر قبض أمام المحكمة الجنائية

  • “محمد علي المرضي”: الرئيس “البشير” قال: “عدد الضحايا (9000) ضحية”
    *”أوكامبو”: “البشير” قصد الإهلاك جزئياً لمجموعات الفور والزغاوة والمساليت
    “فتحي الضو”: المحكمة الجنائية الدولية ستظل السيف المسلط على رقبة أزلام النظام

  • الخرطوم : نجاة إدريس إسماعيل

قضية تسليم “البشير” ومسؤولين في حكومته ظلت “صداعاً دائماً للبشير وزمرته من المطلوبين للعدالة بشأن ضلوعهم في ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية تجاه المدنيين في إقليم دارفور. وأكد عضو مجلس السيادة الانتقالي “محمد حسن التعايشي” – لدى حديثه في منبر جوبا أمس – أن الاتفاق بينهم وبين قوى الكفاح المشترك خلص إلى ضرورة تطبيق العدالة في قضية دارفور، مؤكداً ضرورة مثول الذين صدرت في حقهم أوامر قبض أمام المحكمة الجنائية بدارفور، وآلية المحكمة الخاصة بجرائم دارفور، مشيراً إلى أن الأخيرة محكمة خاصة منوط بها تحقيق وإجراء محاكمات في القضايا، بما في ذلك قضايا المحكمة الجنائية الدولية، وآلية العدالة التقليدية، وآلية القضايا ذات العلاقة بالعدالة والمصالحة.
موافقة
ولفت “التعايشي” إلى أنه لا يمكن أن تحقق العدالة إلا إذا داوينا الجراح بالعدالة نفسها، مضيفاً بأنه لا يمكن الهروب منها؛ بسبب أنها جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب مورست ضد أبرياء في دارفور، لافتاً إلى قناعة الحكومة في أن الموافقة على مثول الذين صدرت في حقهم أوامر القبض أمام المحكمة الجنائية ناتج عن مبدأ أساسي مرتبط بالعدالة التي هي جزء أصيل في شعارات الثورة (حرية.. سلام.. وعدالة) ومرتبط بمبدأ عدم الإفلات من العقاب، مؤكداً بأنه لا يمكن أن تتداوى الجراح التي سببتها الحرب وآثارها المدمرة ما لم تتحقق العدالة .
ضغوط
جهات متعددة طالبت الحكومة الانتقالية بتسليم الرئيس المعزول والمطلوبين معه للمحكمة الدولية الجنائية. ودعا إمام الأنصار، رئيس حزب الأمة (القومي) “الصادق المهدي” – لدى لقائه جماهير حزبه بنيالا – إلى ضرورة تسليم “البشير” والمطلوبين معه للجنائية.. الجبهة الثورية أيضاً أشارت لتفاهماتها مع الحكومة الانتقالية حول تسليم “البشير” للجنائية، اللجنة العليا لإدارة أزمة دارفور طالبت أيضاً بتسليم المطلوبين للمحكمة الدولية الجنائية.. كل هذه الجهات شكلت ضغوطاً على الحكومة الانتقالية لتسليم المطلوبين لمحكمة “لاهاي” حتم يتم تحقيق مبدأ العدالة.
فلاش باك
صدر القرار (1593) في جلسة مجلس الأمن رقم (5158) بتاريخ 31 مارس 2005 في “لاهاي”، واحتوى بنوداً أهمها إحالة الوضع في دارفور إلى محكمة الجنايات الدولية في “لاهاي”. وطالب القرار حكومة السودان وجميع أطراف النزاع في دارفور بالتعاون التام، وتقديم المساعدات المطلوبة للمحكمة الجنائية الدولية والمدعي العام الدولي، مع الإقرار بأن الدول غير الأعضاء في اتفاقية روما التي شكلت على أساسها المحكمة الجنائية الدولية، ليست ملزمة بها. وطالب القرار جميع المنظمات والدول تقديم الدعم والمساندة لمحكمة الجنايات الدولية. ومن بعد ذلك توالى صدور القرارات من مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية ضد السودان .
اتهام “البشير”
وسبق توجيه الاتهام إلى الرئيس المخلوع “عمر البشير” مقدمات كان أبرزها محاولة القبض على والي شمال كردفان الأسبق “أحمد هارون” وآخرين، على خلفية اتهامهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور، ومن ثم تحول الملف إلى ورقة ضغط لحكومة المركز. وكان بيان المحكمة قد ذكر أن ممثل الادعاء في المحكمة الجنائية “لويس أوكامبو” سيقدم للقضاء أدلة على جرائم ارتكبت في دارفور في الفترة من (2002-2008)، وسيطلب توجيه الاتهام لأفراد .. وكان “أوكامبو” قد اتهم في يوليو قبل ذلك مباشرة جهاز الدولة كله بالضلوع في حملة منظمة لمهاجمة المدنيين، مؤكداً بأنه سيقدم للقضاة أدلة تدل على تورط مسؤولين كبار بالدولة. وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن المدعي العام سيطلب من القضاء إصدار مذكرة توقيف للرئيس السوداني بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور، وقد صدر القرار بالفعل في الثاني عشر من يوليو من العام 2010 .
رفض
رفضت حكومة النظام البائد القرارات التي صدرت، مؤكدة بأن مثل هذه القرارات تحول دون إحلال “سلام دارفور”، مؤكدة عزمها على عدم تسليم أي مسؤول للجنائية، معتبرة أن القرار (1593) جاء كحلقة من حلقات الضغط على النظام السوداني، حيث تدير هذه الحلقة كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. ووصف النظام البائد وقتها القرار بأنه قرار جائر وظالم، مضيفاً بأنه سيسعى للتوفيق بين رغبته في التعاون مع مجلس الأمن، وما بين الخط الأحمر الشعبي الرافض لمحاكمة سودانيين بالخارج، وتم تأكيد الرفض القاطع ذاك في قمة طرابلس التي أثيرت حول قضية دارفور في 17 مايو 2005، وتم فيها التأكيد على ضرورة تسوية القضية في الإطار الإفريقي، ومحاكمة مرتكبي الجرائم في دارفور في إطار النظم القانونية القضائية الدولية.
(10) اتهامات
وكان المدعي العام قد قدم عشرة اتهامات تقرر بأن “البشير” قصد الإهلاك جزئياً لمجموعات (الفور والزغاوة والمساليت) بصفتهم تلك، حيث جاء في تحريز التهمة الأولى (الإبادة الجماعية) والمتعلقة بقتل أفراد كل الجماعات المستهدفة.. ولفت المدعي العام بأن “البشير” من مارس 2003 وحتى تاريخ تقديم الطلب ارتكب – من خلال أشخاص آخرين- جرائم إبادة جماعية ضد المجموعات العرقية (الفور والمساليت والزغاوة) في إقليم دارفور، مستخدماً أجهزة الدولة و(مليشيا الجنجويد) لارتكاب فعل القتل بقصد إهلاك هذه المجموعات، أما التهمة الثانية فهي (الإبادة الجماعية بتسبب الأذى الجسماني والمعنوي الجسيم) ضد أفراد المجموعات المستهدفة، وتأتي التهمة الثالثة وهي (الإبادة الجماعية بإخضاع المجموعات المستهدفة عمداً لأحوال حياتية من شأنها القضاء عليها بدنياً)، وأما التهمة الرابعة فهي (القتل العمد للمدنيين في دارفور) بما يشكل جريمة ضد الإنسانية، والتهمة الخامسة هي (الإبادة بإلاخضاع لأحوال حياتية قصد منها إهلاك جزء من السكان المدنيين في دارفور)، بما يشكل جريمة ضد الإنسانية وقد رصد المدعي العام تهمة تحريز القتل العمد لمدنيين في كل من كودوم، بندسي، مكجار، أروالا، والتشاية، كيلك، برام، مهاجرية، سرف الجداد، سيلا وسريا، جبل مون وشقاق كرو بدارفور، وأما التهمة السادسة فهي (التهجير القسري للسكان في دارفور) بما يشكل جريمة ضد الإنسانية، والتهمة السابعة (تعذيب المدنيين في دارفور)، أما التهمة الثامنة فهي (اغتصاب المدنيين في دارفور) بما يشكل جريمة ضد الإنسانية، والتهمة التاسعة هي (الهجوم على السكان المدنيين في دارفور)، أما التهمة العاشرة فهي (نهب المدن والقرى بدارفور) بما يشكل جريمة ضد الإنسانية.
المتهمون
رصد مجلس النواب الأمريكي للكونجرس في أوائل أبريل من العام 2004 اثنتي عشرة شخصية متورطة في أنشطة تم وصفها بـالإرهابية. وذكر نائبان من الحزبين الجمهوري والديمقراطي هما “توماس تاكريندو” و”دونالد باين” أسماء (12) شخصية من كبار المسؤولين ومناصبهم، منهم النائب الأول للرئيس وقتئذ “علي عثمان محمد طه”، ومدير الأمن الخارجي وقتذاك “نافع علي نافع”، والمستشار الرئاسي “غازي صلاح الدين”، ووزير الطاقة والتعدين “عوض الجاز”، ومسؤول الأمن السابق “مطرف صديق”، ومدير الاستخبارات الخارجية “قطبي المهدي”، ومدير الأمن الداخلي “صلاح قوش”، ووزير شؤون مجلس الوزراء اللواء “الهادي عبد الله”، ومدير الأمن الخارجي اللواء “عماد الدين حسين”، بالإضافة لكل من “أحمد هارون” و”علي كوشيب”.
الاتهامات المباشرة ضد “البشير”
قدم المدعي العام لويس أوكامبو اتهامات مباشرة للبشير قدمها في 14 يوليو من العام 2008 أمام الدائرة التمهيدية والمكونة من القاضي “أكواكونيا” رئيساً، والقاضي “أنيتا أوسكا”، والقاضي “سلفا شنابيز”، ملخصاً لطلب الاتهام تحت المادة (58)، مستنداً إلى أنه قد توصل إلى أن هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن “عمر حسن أحمد البشير” المشار إليه باسم “البشير” يتحمل المسؤولية الجنائية في جرائم الإبادة الجماعية بموجب المادة (6 أ) من نظام روما الأساسي، كما يتحمل المسؤولية نتيجة قتل أفراد المجموعات العرقية التي تنتمي إلى جماعات (الفور والمساليت والزغاوة)، بالإضافة لإلحاق الضرر الجسدي والمعنوي لأفراد تلك المجموعات، إلى جانب إخضاع هذه الجماعات عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي جزئياً، وكذلك اتهامه بالجرائم الإنسانية بموجب المادة (7/1) من قانون روما الأساسي المرتكبة على السكان المدنيين بدافور ، وتشمل تلك الأفعال القتل العمد والإبادة، والإبعاد القسري للسكان، والتعذيب والاغتصاب.
اعتراف “البشير”
اعترف الرئيس “عمر البشير” بأن عدد الضحايا جراء الحرب الدائرة بين الحكومة والحركات المسلحة وبين القبائل فيما بينها (9) آلاف ضحية. وقد أشار لذلك “محمد علي المرضي” وزير العدل الأسبق أجرته معه صحيفة (الأحداث) بتاريخ 30 سبتمبر2007 في معرض أجابته عن السؤال.. لماذا قررتم في الحكومة فتح دعوى جنائية ضد (أمنستي انترناشوينال) ولم تكتفوا بتكذيب ما جاء في تقريرها كما جرت العادة؟ وأجاب “المرضي” يكفي أنها تتحدث منذ تلك الفترة بمقتل (200) ألف بشكل ببغاوي، وتقول إن الانتهاكات مستمرة، وأن التطهير العرقي مستمر، فكيف يظل الرقم كما هو منذ أربع سنوات؟، مؤكداً بأن القتلى لم يتجاوز عددهم (12) ألفاً في القتال الدائر، مستدركاً أن “الرئيس “البشير” قال عدد الضحايا (9000) ضحية؟ الرئيس قال بهذا الرقم في وقت معين ..إذن عدد الضحايا قد ارتفع من 9000 إلى (12000) خلال فترة لاتتجاوز خمسة أشهر فقط الآن؟ مضيفاً بأن المسألة تقديرية، وليس لديهم إحصاء بالفرد، والرقم لم يتجاوز الاثني عشر ألفاً ويمكن أن يقل عنه ..
“سبدرات” مترافعاً
قدم “عبد الباسط سبدرات” المحامي ووزير العدل والنائب العام الأسبق مرافعته عن الرئيس المخلوع “عمر البشير” مقدماً ما سمَّاه بعض الدفوعات القانونية البديهية ممثلة في أن القانون الدولي العرفي والاتفاقي لا يلزم الدول المستقلة ذات السيادة أو المنظمات الدولية بالالتزام باتفاقية تعاقدية أو تنفيذها إذا هي لم توافق وتصادق عليها. ولفت “سبدرات” إلى أن من حق مجلس الأمن في الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية وفق نص ملزم في النظام الأساسي هي المادة (13/ب) لها مما يعني إلزاميته للدول الأطراف فقط، لأنها هي التي أعطته هذا الحق وليس الدول غير الأطراف. وأكد سبدرات بأن مجلس الأمن لم يذكر المادة (13/ب) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية المخولة له كسند للإحالة في القرار (1593) ويعني ضعف السند أو عدم اقتناعه بصحة إحالة الدول غير الأطراف، مضيفاً بأن مجلس الأمن قد تحفظ عند قبوله للنظام الأساسي. وفسر المادة (13/ب) المخولة له على أنها لا تشمل الدول غير الأطراف.
سيف مسلط
ذكر “فتحي الضو” في كتابه (الطاعون..اختراق دولة جهاز الأمن والمخابرات في السودان) بأن قضية المحكمة الجنائية الدولية – حسب تقرير لجهاز الأمن والمخابرات- ستظل السيف المسلط على رقبة أزلام النظام الخمسة، وعلى رأسهم المشير “عمر حسن أحمد البشير”، فقد أجمعت المصادر بأنها تسبب له وللنظام ذعراً مستمراً .
إحالة
تحال المطالبات المستمرة بشأن تسليم المطلوبين للمحكمة الجنائية حتى تتحقق العدالة المنشودة من قبل الضحايا وذويهم الذين لسان حالهم يقول ما سطره الشاعر “عالم عباس” في ديوانه (أوراق سرية من وقائع ما بعد حرب البسوس)
التي أهداها إلى “فاطنة” و”عاشة” و”خدوج” وإلى “إساغة” و”أدومة” و”أبكر” :
لا سبيل سوى الموت
كل المشارب مسمومة
والخيارات محسومة
والديار خراب

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية