أسى "كرتي"!!
نبرة الأسى التي تخيم على أحاديث وزير الخارجية الصحافية والانتقادات العلنية التي وجهها لأداء أجهزة الدولة، تضع الرجل أمام استفهامات عديدة!! إما أن يكون مغلوباً على أمره إزاء ما يحدث في الساحة السياسية، وإما تبدلت قناعات الرجل من سياسي مسنود بنفوذ واسع داخل الدولة، وأصولية ممزوجة بمدرسة عسكرية صارمة في التعاطي من الشأن السياسي.. وإما أن يكون الرجل قد بات أقرب للقارئ من سفينة يراها غارقة بعد أن كثرت ثقوبها وتعددت عثراتها.
{ الوزير “علي كرتي” شخصيته الخارجية ومظهره لا يعبر عن جوهره.. فالرجل أضفت عليه سنوات مسؤوليته عن الدفاع الشعبي والشأن العسكري صورة زائفة لا تمثل جوهره البسيط وتواضعه حد التصوف وقدرته على الحوار وصبره على الإصغاء للآخرين، وهي صفات قلّ أن تجتمع في سياسي واقعي لا يراقب أداءه برلمان ولا يخضع لمحاسبة علنية أو سرية بطبيعة تركيبة الحكم التي يشكل فيها “كرتي” أحد الطلائع المتقدمة.. بل يصفه البعض من المتربصين به أو المحببين بـ (الطامح) في ما هو أكبر من منصب وزير خارجية.. لكن “كرتي” الذي (يفترض) أن يمسك بملف التفاوض مع دولة الجنوب وجد مشاركته هامشية في الملف لا تمثل الخارجية إلا ببعض السفراء من (التكنقراط) ووزير دولة تقتضي طبيعة الولاء التنظيمي أن يصغى لمن هم في مقام (شيوخه) ليسدوا له النصح، لا أن يقود هو كممثل للوزارة السيادية الأولى دفة الحوار.
{ وفي حديثه لـ (مؤتمر إذاعي) اعتصر الوزير “كرتي” الكلمات حتى لا يخرج عن (سياق) عام وينزلق لسانه في فضاء لزج ما أكثر المتربصين بما فيه.. وقال لا بد من الصبر على الحوار مع دولة جنوب السودان والإقبال على تسوية النزاع في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.. و”كرتي” ينظر بعيداً للمستقبل وتحت بصره أيضاً بدأت تلوح في الأفق من بوادر أزمة بين السودان والمجتمع الدولي، وما زيارة منسق الشؤون الإنسانية السابق “كابيلا” لمناطق تحت سيطرة قطاع الشمال إلا مؤشراً لمعركة قادمة.. وقد (بعثت) الأزمة الحالية “البارونة كوكس” من مرقدها القديم.. والبارونة البريطانية التي شكلت حضوراً كثيفاً في أدبيات الإعلام السوداني في التسعينيات نهضت من جديد.. وقد ظن البعض أنها ماتت أو تقاعدت، ولكن الأزمات تحيي العظام وهي رميم..
وحينما ينظر وزير الخارجية إلى الأفق البعيد ينبغي أن تحترم تقديراته ويؤخذ ما يقوله بجدية.. وقد طرد السودان في أهم (محفل) دولي الشهر الماضي وحرم من حقوقه لفشله في سداد رسوم اشتراك بسبب الأزمة المالية، وفي الأخبار المؤسفة و(المربكة) أن بعض السفارات في الخارج غير قادرة على أداء وظائفها لقلة المال.. كيف نحارب.. وكيف نجذب الاستثمار وكيف يعلو صوت السودان إذا كان هذا واقعه؟!
{ لا يبدو السيد علي “كرتي” هارباً مع معركة (يراها) قريبة ويراها آخرون مستحيلة.. ولا منجاة له إذا غرقت سفينة الحكم حتى لو استعصم بجبل شاهق، ولكن حينما يغيب (الصوت الناصح) ويمارس البرلمان (مسح الجوخ) ولا تنهض الأحزاب بمسؤوليتها ويؤثر كل صاحب رأي السلامة.. (يضطر) صانع القرار أن يقول ما في جعبته.. وهذا ما ذهب إليه “علي كرتي” حينما تحدث بنبرة اكتست بالحسرة والأسى في شأن يفترض أن يأسى له الآخرون.. لا هو صانع أحداثه.!!