تقارير

الجنائية الدولية.. مأزق جرائم دارفور يلاحق رموز النظام البائد !

بعد مناقشتها في مجلس الأمن الدولي ومفاوضات جوبا
تقرير ـ محمد علي كدابة
باتت قضية المحكمة الجنائية الدولية ودورها في الجرائم التي ارتكبت في إقليم دارفور وإنشاء المحاكم الخاصة بالجرائم في دارفور تشكل قضية أساسية وجنداً رئيسياً في مفاوضات السلام التي تجري في العاصمة الجنوبية جوبا عبر مسار دارفور، بعد أن ناقشت ملف الجنائية في جلستها بالأمس، وقطعت فيها شوطاً كبيراً توصلت من خلال جلسه أمس الأول (السبت) إلى ما يقارب (50%) من الاتفاق بين الحكومة ومسار دارفور، لكن ثمة آراء قللت من هذه المفاوضات، واعتبرت أن ما تم من نقاش حول ملف المحكمة الجنائية الدولية في المفاوضات هروب من القضايا؛ لجهة أن قرار الجنائية بشأن قضية دارفور لا يخاطب المواطنين، وإنما مع الحكومة وهي المعنية بالأمر .
قرار أممي
الخبير في المحكمة الجنائية وقضية دارفور وعضو تنسيقية قوي الحرية والتغيير المركزية “مصطفى آدم حسين” اعتبر أن أكبر خطأ هو إدخال ملف المحكمة الجنائية في مفاوضات السلام بجوبا عبر مسار دارفور. وقال آدم لـ(المجهر) ليس من حق الحركات أو الحكومة الدخول في مناقشة ملف المحكمة الجنائية. وأشار إلى أن المحكمة الجنائية قرار أممي تمت إحالته من المحكمة الجنائية لمجلس الأمن، وأصبحت المطالبة موضوع دولة ليس من حق أي شخص يريد أن يتنازل، ولا يخضع للمساومات في جوبا أو أي مدينة أخرى، وهو يخضع للتعاون المباشر بين المحكمة وحكومة السودان، لأنه ليس هناك شخص من دارفور دوَّن بلاغاً في المحكمة الجنائية الدولية، وهو أصبح موضوعاً دولياً، حققت فيه المحكمة بنفسها وتوصلت إلى وجود جرائم انتهاكات في دارفور، وتمت الإحالة للمجلس، وأجرى تحقيقاً في السودان، وأصدرت بموجبه إدانة ووجهت الاتهامات، ويصبح إدخال هذا الملف في مفاوضات السلام الجارية بجوبا خطأ. وتساءل “مصطفى” لماذا لم يدخل في مفاوضات أبوجا والدوحة؟ ورأى إقحام ملف المحكمة الجنائية في مفاوضات جوبا ليس له قيمة.
ضرورة وجوده في المفاوضات
بينما خالف نائب رئيس حركة العدل والمساواة، رئيس وفد قناديل السلام “محمد آدم حسابو” حديث سابقه، وأكد ضرورة مناقشة ملف الجنائية في مفاوضات السلام. وطالب الحكومة الانتقالية بالتوقيع لانضمام السودان للمحكمة الجنائية الدولية. وبرر ذلك لحماية المدنيين من جرائم الانتهاكات ضد المواطنين من الحكومات في المستقبل. وقال حسابو لـ(المجهر) أمس، إن لحركته موقفاً واضحاً تجاه ملف الجنائية، لأن أسر الضحايا لا تقبل غير تحقيق العدالة في مرتكبي جرائم الحرب في دارفور. وأشار إلى أن جند العدالة الانتقالية والمصالحات أساسي في التفاوض، وهو تحت الطاولة ومتروك لما يقرر بشأنه المفاوضون. وأكد أن حركته مع مناقشة مسألة المحكمة الجنائية في مسار دارفور لتحقيق الرضاء وسط ذوي الضحايا وممكن للشخص إعفاء حقه الخاص، لكنه غير ممكن إعفاء الحق العام، وهو مطروح للعدالة الجنائية. وقال إن تدخل الجنائية كان عندما كان القانون السوداني غير منصف، ووفرت حماية لعدد من الضحايا في دارفور، وأصبح الملف لا يحتمل الجدال، ومن الضروري مناقشته في المفاوضات.
مأزق الجنائية
يبدو أن مأزق المحكمة الجنائية لا زال يلاحق الرئيس المخلوع “عمر البشير” وهو داخل سجن كوبر ونظامه السابق ، بعد الثورة والتغيير الذي حدث بالسودان، ويعد ملف علاقة المحكمة الجنائية بالسودان مثار اهتمام دولي كبير خاصة قضية دارفور التي شغلت حيزاً كبيراً من الرأي العام العالمي، وهي القضية الأولى التي يحيلها مجلس الأمن الدولي إلى المحكمة الجنائية الدولية، بعد تحقيقات جرت في جرائم في أوغندا وجمهورية الكونجو الديمقراطية، لاسيما الجدل الكثيف الذي يدور حول تدخل الجنائية في الشئون الداخلية للسودان الأمر الذي أدى إلى انقسام في عضوية مجلس الأمن الدولي في مداولات قضية دارفور ومحاكمة الجناة في محاكم داخلية أو تسليمهم للجنايات الدولية، وهذا الملف بات يشكل قضية أساسية لمجلس الأمن الدولي، وعقد بالأمس جلسة خاصة بشأن قضية دارفور، وتعتبر هي الأولى بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع “عمر البشير”، وهو ملف أصبح يمثل أهمية كبرى لحركات الكفاح المسلح لتحقيق العدالة الانتقالية، ولا يمكن إهماله، لذلك يجعل الحكومة الانتقالية تعتبره جنداً رئيساً في مسار دارفور في مفاوضات جوبا الجارية الآن، الذي عقدت بشأنه جلسه خاصة سمتها مسألة المحكمة الجنائية.
وفدا الحكومة الانتقالية، والجبهة الثورية في مسار دارفور، أعلنا إحراز تقدم في وثيقة العدالة الانتقالية المتعلقة بقضايا المساءلة والمصالحة، بعد نقاش في ملف المحكمة الجنائية الدولية. وأكد المتحدث الرسمي باسم وفد الوساطة لدولة جنوب السودان “ضيو مطوك”، في تصريحات صحفية أن “مسار دارفور قدم وثيقة العدالة الانتقالية، متعلقة بالمساءلة والمصالحة والقضاء في قضايا وجرائم دارفور، ويأتي الأمر متزامناً مع جلسة الأمن الدولي الخاصة بقضية دارفور. وأوضح أن الطرفين توصلا إلى كثير من التوافق حول هذه القضايا سواء كان إنشاء المحاكم على مستوى دارفور أو المحاكم التقليدية، التي يمكن أن تنظر في جرائم دارفور. وكشف عن اتفاق حول الآليات والمفوضية المعنية بالمصالحة في المنطقة، بينما تبقت بعض الجزئيات الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية وأضاف: (سنواصل هذا الملف اليوم (الاثنين) وبعدها سننتهي من ملف العدالة الانتقالية في دارفور.
انتهاكات جسيمة
أما المتحدث الرسمي باسم وفد الحكومة السودانية “محمد حسن التعايشي”، فقال إن الموقف في التفاوض تخطى كلياً احتمال فشل التفاوض أو انتهاء عمليه السلام إلى لا شيء. وأضاف: (تخطينا هذه المسألة نحن بشكل قوي ومتقدمون نحو الوصول إلى اتفاق سلام كامل). وأشار إلى أن الطرفين ناقشا ورقة العدالة الانتقالية والمصالحة. وأضاف: (هي إحدى القضايا المعقدة ومرتبطة بانتهاكات جسيمة بكل المستويات الجنائية وغير الجنائية لأعداد كبيرة من مواطني دارفور خلال فترة الحرب). ونوَّه إلى أنهم توصلوا إلى أكثر من (50%)‏ من اتفاق في جلسة، لتوفر إرادة الأطراف. وقال: (نحن نرغب أن تطال كل مرتكبي الجرائم الخاصة وغير الخاصة في دارفور المحاكمة).
شفافية مطلوبة
بدوره أشار كبير مفاوضي حركة تحرير السودان (المجلس الانتقالي) “نمر عبد الرحمن” إلى أن مناقشة ورقة العدالة الانتقالية بشفافية ووضوح، باعتبارها أحد الملفات المهمة لعملية التفاوض، بجانب ملف النازحين والأرض والحواكير والتعويضات، إضافة إلى الترتيبات الأمنية.
مذكرات التوقيف
من جهته أكد كبير مفاوضي حركة العدل والمساواة، “أحمد تقد لسان”، الوصول إلى اتفاق على جزء كبير من الآليات التي يمكن أن تحقق المساءلة والمصالحة، خاصة المحاكم الخاصة بجرائم دارفور والآليات التقليدية، التي تسهم في تعزيز التئام المجتمع بشكل إيجابي.
وبناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1593) في مارس من العام 2005م، الصادر تحت الباب السابع من ميثاق الأُمم المُتَّحدة، تمَّت إحالة قضية النزاع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت بدورها ـ عقب تحقيقات مُتتابعة – مذكرتي توقيف ضد الرئيس المخلوع “عمر البشير” في 2009م و2010م، ومذكرات توقيف أخرى ضد كلٍ من “عبد الرحيم محمد حسين” وزير دفاعه السابق، ووالي ولاية الخرطوم ــ حينها، و”أحمد هارون” والي ولاية شمال كردفان السابق، و”علي كوشيب”، بناءً على اتهامهم بارتكاب جرائم دولية في إقليم دارفور، وهو مأزقٌ كبير شغل بال “البشير” وجماعته ولا يزال حتَّى الآن.
/
م/ الصادق

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية