رحيل الإذاعي الرائد “هاشم ميرغني” مدير الإذاعات الولائية وراعي الشباب
يحتسب المدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون “إبراهيم البزعي” والعاملون بالهيئة عند الله تعالى زميلهم شيخ الإذاعيين المتخصصين في البرامج الخدمية والمجتمعية المباشرة مع المواطنين الأستاذ “هاشم ميرغني”.
وقد وجدت الطريقة الهاشمية الميرغنية التي يتزعمها شيخ الإذاعيين المتخصصين في البرامج الخدمية والمجتمعية المباشرة مع المواطنين الأستاذ الإذاعي “هاشم ميرغني” انتشاراً واسعاً وانضمت إليها مجموعة كبيرة من الأحباب والمريدين يشكرون صاحبها آناء الليل وأطراف النهار. واستطاع “هاشم ميرغني” أن يقدم رسالته الإعلامية الهادفة بصورة ميسرة وسهلة الهضم للمواطن البسيط، ويقوم بتوصيل المعلومة المفهومة للمستمعين بيت بيت.. ودار دار.. وشبر شبر.. وزنقة زنقة.
(ه )
“هاشم ميرغني” عشق الإذاعة والعمل الطوعي والسفر والترحال مبكراً حيث انتقل من مسقط رأسه قرية حجر العسل بولاية نهر النيل التي درس بها الابتدائية إلى مدرسة بحري الحكومية الوسطى ثم مدارس الكلية القبطية و”جمال عبد الناصر” وتخرج في كلية الآداب قسم الاجتماع بجامعة القاهرة وتعلم من أساتذته وزملائه في التعليم المصري المرونة في التعامل وسرعة البديهة وخفة الدم والخيال الواسع وكسب الصداقات عبر الابتسامات ورواية القصص الطريفة والمواقف المضحكة وإشاعة الفرح والسرور بين الناس، ثم انتقل إلى حوش الإذاعة السودانية في 1974 وتلقى تدريباً مكثفاً وأجاز صوته الخبير “محمد خوجلي صالحين” وتدرب على يد الأساتذة “عباس بانقا ويس معني وفهمي بدوي وعبد الوهاب محمد صالح” ووجد أمامه الكبار “علم الدين حامد وعبد الرحمن أحمد” وطاف بأقسام الإذاعة المختلفة من تنسيق وتقديم وتسجيل وإخراج، وظل كغيره من المتدربين وقتها مستمعاً لشهور داخل الاستديوهات، ثم منح فرصة ليقول هنا أم درمان والتقديم والتعقيب وقراءة نشرات الأخبار.
(أ)
أثارت الرسالة الإذاعية التي أطلقها “معمر القذافي” في الثمانينيات الفتن والنعرات القبلية بالسودان، حيث كانت موجهة للمستمعين في غرب البلاد، ولها مراسلون فأرسلت الإذاعة السودانية فريقاً إذاعياً برئاسة “ذو النون بشرى” ضم “هاشم ميرغني” لافتتاح محطة نيالا التي قدمت خدمات جليلة للوطن وربطت أبناء القبائل المختلفة وتصدت لهجمات كتائب “القذافي” التي كانت تبث السموم عبر الأثير بسبب علاقة “القذافي” السيئة مع النظام الحاكم وعرف الإذاعي بأنه هزم “معمر القذافي” بالقاضية، واشتهر “هاشم ميرغني” بتقديم برامج المنوعات الخفيفة والتي تستمع إلى شكاوى ومداخلات المواطنين ومن أشهرها حلقة عن الطائرة التي ضربت (حمار كلتوم ست اللبن) ووجدت قبولاً ورواجاً، ورجع بعدها للخرطوم ثم عاد إلى إذاعة نيالا مديراً للبرامج ثم مديراً لها وانتقل إلى محطة الأبيض التي أدارها عقب فترة رئاسة “إبراهيم البزعي” ثم انتقل “هاشم” شمالاً وأسس إذاعة عطبرة وأسس لاحقاً إذاعة حلفا القديمة وإلى الوسط مديراً لبرامج إذاعة مدني ثم شرقاً مديراً لإذاعة بورتسودان، وساهم “هاشم” بخبراته وحُسن تعامله وإدارته المتفردة في دفع مسيرة الإذاعات الولائية التي نجحت في تقريب المسافات بين أبناء السودان، وكانت برمجتها تعد على حسب طبيعة سكان الولاية، ونجحت في دعم حملات التطعيم ضد أمراض الطفولة وكانت تنضم إلى البرنامج العام لتقديم نشرات الأخبار الرئيسية، وكان إنشاؤها أولاً كمحطات تقوية ثم تحولت إلى إذاعات مكتملة ظلت إحدى ممسكات الوحدة الوطنية.
(ش )
شعر “هاشم ميرغني” خلال مشاركته في إدارة الإذاعات الولائية بأهمية العمل الموجه للإنسان البسيط في القرى والأرياف، وقرر أن يزور كل المناطق السودانية النائية وغير المعروفة ليتعرف على أسباب تسميتها والقبائل التي تسكنها وأهم حِرفهم وعاداتهم وتقاليدهم في الأفراح والأتراح وتراثهم المحلي وعكس كل ما يدور في الشرق والغرب والجنوب والشمال والوسط للمستمع عبر أثير هنا أم درمان، فكانت تجربته في سهرة (رياض البوادي) التي كانت تبث في الحادية عشرة مساء كل يوم (إثنين) بالإذاعة وقدم حلقات متنوعة ومثيرة وحافلة بالغرائب والعجائب، ووقف على حاضر ومستقبل قبائل شرق السودان في كسلا والقضارف والبحر الأحمر وقدم بطريقته المعهودة في السهل الممتنع أفضل السهرات الإذاعية وصارت سهرة (رياض البوادي) مرجعاً مهماً ووجه المدير العام للإذاعة بحفظها وأرشفتها.
(م )
مارس “هاشم ميرغني” هوايته المحببة في الجلوس إلى البسطاء في الأسواق والاستماع إليهم واستنطاقهم ومعرفة طرق تفكيرهم ووسائلهم في كسب العيش الحلال، وذلك من خلال فقرته المسموعة جداُ الاستديو المتحرك التي كان يقدمها على الهواء مباشرة عبر أثير الإذاعة السودانية يومياً خلال برنامج الصفحة الأولى، وبرع “هاشم ميرغني” بطريقته المحببة للضيوف والمستمعين في نقل إيقاع الحياة اليومي حيث ظل يقدم يومياً ضيفاً بطريقة عشوائية من السوق يوضح للمستمعين كيفية تسويق تجارته عبر حوار مباشر وصريح بلغة دارجية عادية ودون تكلف أو تلوين، وتبدأ الاستضافة بشراب الشاي أو الجبنة لكسر حاجز الخوف والرهبة لدى الباعة ثم الحديث حسب نوع السلعة، حيث تناول عبر الاستديو مناطق إنتاج الطماطم وأسعارها الحقيقية التي تصل للمستهلك، وظل الاستديو يجلس إلى بائعات الشاي والكسرة أو أصحاب دكاكين للتوابل وغيرهم، ثم ينتقل إلى مقابلة المسؤولين وإن كانت أحياناً تحتاج إلى وقت طويل وبروتوكولات تعيق سير الاستديو ويلجأ “هاشم ميرغني” في تحريكه للاستديو إلى بعض القفشات التي تجمل الاستديو ومن الطرائف التي يذكرها أنه كان يتحدث على الهواء مباشرة مع أحد مواطني مدينة الإنقاذ والتفت إليه ولم يجده وظل يتحدث لوحده إلى أن عاد المواطن الذي دخل إلى المنزل وأحضر له كباية ماء بارد، وواصل حديثه للاستديو المتحرك عبر برنامج الصفحة الأولى بالإذاعة القومية.
“هاشم ميرغني” نال تكريماً من رئاسة الجمهورية في الحوش عقب نزوله إلى المعاش ولا يزال يحتفظ بالحُب والتقدير للحوش الكبير.