حوارات

الخبير والمحلل الاقتصادي د. “محمد الناير” في حوار متطلبات المرحلة مع (المجهر)

*الاقتصاد السوداني يحتاج إلى إعادة هيكلة بالكامل ومشكلة الاقتصاد هي وفرة النقد الأجنبي

*على الحكومة القادمة أن لا تلجأ إلى الحلول الساهلة كرفع الدعم فالمواطن السوداني لن يتحمل أكثر مما تحمل  

*التحدي الأكبر نجاح حكومة الكفاءات مدعومة من المجلس السيادي في العمل على رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب

*لابد من حصول مجلس الوزراء على صلاحياته بالكامل حتى يكون أداء الحكومة في تناغم تام وفاعل لمعالجة الكثير من القضايا الاقتصادية

حوار ـ رقية أبو شوك

والبلاد على أعتاب مرحلة جديدة، يتطلع خلالها الشعب السوداني لسودان جديد بعيداً عن الأزمات التي تسببت في إحداث ثورة ديسمبر والتي كانت الأزمة الاقتصادية أحد مسبباتها
كان لابد لنا أن نشير إلى أهمية معالجة الأزمة الاقتصادية خاصة وأن الاقتصاد السوداني يمكن أن نصفه بأنه اقتصاد (أزمة) .. فالتصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء دكتور “عبدالله حمدوك”، بعد أدائه القسم رئيساً للوزراء وجدت صدى إيجابياً كبيراً في أوساط المجتمع السوداني خاصة وأنها وقفت على مكان العلة، نعم هنالك الكثير من التحديات والعقبات الاقتصادية التي تحتاج إلى ضرورة ترتيب أولويات المرحلة، ولوجاً إلى سودان مبني بموارده
(المجهر) وضعت العديد من الأسئلة أمام الخبير الاقتصادي د.”محمد الناير” لنقف على الأولويات الملحة خلال المرحلة القادمة، حيث ابتدر حديثه معلقاً أولاً على تصريحات رئيس مجلس الوزراء د. “عبدالله حمدوك” بعد أدائه القسم مباشرة .. كما تناول الكثير من المطلوبات الاقتصادية.. فكانت هذه الإفادات:
*أطلق “حمدوك” بعد أدائه القسم بشريات للسودان الجديد؟
أنا بفتكر أن حديث د. “حمدوك” حديث إيجابي كأول حديث له رسمياً بعد أداء القسم، حيث أكد أن السودان سيعتمد على نفسه ومن ثم التغلب على المشاكل الماثلة، كما أن حديثه عن (3) مرشحين لكل حقيبة وزارية وأنه بالإمكان رفضها إذا لم تكن بالمواصفات المطلوبة.. يعتبر هذا الحديث منهجاً جديداً ويؤكد أن السودان قد شهد تحولاً كبيراً جداً من منح المناصب للترضيات الحزبية والقبلية إلى منحها لمن يستحقها.
* ثم ماذا؟
نعم، ينبغي أن تكون حكومة كفاءات مقتدرة نستطيع عبرها أن نعبر ونتجاوز التحديات التي تواجه الاقتصاد السوداني، وهي تحديات كبيرة لذلك إذا اكتمل تكوين حكومة الكفاءات، نتمنى أن يكون المجلس السيادي متوافقاً فيما بينه وأن لا يكون هنالك تعارض في اتخاذ القرارات، طالما أن معظم القرارات التي ستتخذ ليست لمصالح حزبية وقبلية وشخصية، بل للمصلحة العامة، فالقضايا التي تعني بها المصلحة العامة لا يوجد خلاف حولها، وبالتالي نتمنى أن لا يكون هنالك تداخل في الاختصاصات أو تعارض بين المجلس السيادي ومجلس الوزراء وأن يحصل مجلس الوزراء على صلاحياته كاملة في المرحلة القادمة.
فهذه أشياء لابد من التنبيه لها  لأنها مهمة جداً حتى يكون أداء الحكومة في المرحلة القادمة في تناغم تام وأداء فاعل حتى تستطيع أن تعالج الكثير من قضايا الاقتصاد.
* هنالك توافق تام على شخصية “حمدوك” لقيادة المرحلة القادمة كرئيس للوزراء؟
اختيار دكتور “عبدالله حمدوك” رئيساً للوزراء مناسباً باعتبار أن د. “حمدوك” يتمتع بإمكانيات وقدرات اقتصادية عالية وكبيرة وخبرات واسعة في مؤسسات إقليمية ودولية، ولديه القدرة على إدارة مجلس الوزراء في المرحلة القادمة
كما أنه ملم على تجارب دول كثيرة جداً على مستوى العالم واكتسب خبرات كبيرة، إقليمية ودولية وبالتالي يتابع التطور الاقتصادي على مستوى العالم ودول العالم المتقدم بصورة كبيرة.
وأنا دائماً أفضل أن يكون لرئيس مجلس الوزراء البُعد الاقتصادي، وأن يكون داعماً للقطاع الاقتصادي بصورة كبيرة ولوزارة المالية وبنك السودان، على الأقل يدعم سياساتهم داخل مجلس الوزراء بصورة كبيرة، وذلك عكس الذين يرون أن رئيس الوزراء لابد أن يكون شخصية سياسية.
* ألا توافقني القول إن هنالك تحديات كبيرة في انتظار مجلس الوزراء؟
بالتأكيد، مسؤولية مجلس الوزراء في المرحلة القادمة مسؤولية كبيرة وتحديات كبيرة، على رأسها السعي عبر الدبلوماسية الرسمية ممثلة في وزارة الخارجية والشعبية في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لأن هذه القضية تشكل قضية أساسية، فرغم أن رفع الحظر الاقتصادي أتاح للسودان حسب ما ذكره وزير المالية الأسبق (إن للسودان خطاب من مكتب “مراقبة الأصول الأجنبية” بوزارة الخزانة الأمريكية)، يتيح للمصارف السودانية التعامل مع كل المصارف في دول العالم، للأسف لم تستطع المصارف السودانية حتى الآن التعامل مع المصارف بدول العالم بسبب تخوف هذه المصارف من بقاء اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب.
*إذاً التحدي الأكبر هو إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب؟
التحدي الأكبر الآن هو نجاح حكومة الكفاءات في المرحلة القادمة مدعومة بالمجلس السيادي في العمل على رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، خاصة وأن هناك تجاوباً كبيراً جداً من قبل المجتمع الإقليمي ممثلاً في الاتحاد الأفريقي، الذي كان له إسهام كبير في التوصل إلى التوافق في السودان والعبور إلى تكوين حكومة مدنية، وكذلك أيضاً التجاوب الإقليمي من خلال التأييد الأمريكي والأوروبي ومعظم دول العالم لما تم من تغيير في السودان
يجب أن نستفيد من هذا الأمر  في رفع اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب ليس فقط لسهولة التحويلات المصرفية التي ستساعد في تصحيح  مسار الاقتصاد وتحسن مستوى الاقتصاد السوداني ولكن لتمكين السودان من إعفاء كلي أو جزئي للديون الخارجية وفقاً لمبادرة إعفاء ديون الدول المثقلة بالديون وأيضاً حتى يستطيع السودان من الحصول على قروض بشروط ميسرة، فهذه قضية مهمة للاقتصاد السوداني وتحدي كبير للاقتصاد السوداني يجب التغلب عليه خلال المرحلة القادمة.
*وماذا عن إعادة هيكلة القطاع الاقتصادي؟
الاقتصاد السوداني يحتاج إلى إعادة هيكلة بالكامل، لأنه منذ انفصال جنوب السودان لم يعاد هيكلة الاقتصاد السوداني، رغم أن التغيرات التي حدثت في هيكلة موارد الدولة كبيرة، بمعنى كان يعتمد بأكثر من (90%) من النقد الأجنبي كانت تأتي عبر تصدير البترول الذي ينتج من دولة جنوب السودان، فقد هذه النسبة العالية والكبيرة، وكان يعتمد على (50%) من الإيرادات البترولية، فقدت هذه النسبة ولم يتم إعادة هيكلة الاقتصاد بصورة كبيرة منذ انفصال الجنوب حتى الآن.
*وماذا عن السياسات المالية والنقدية.. وهل تحتاج الموازنة الحالية إلى إعادة ترتيب؟
نحتاج أيضاً لإعادة النظر في مجمل السياسات المالية والنقدية وربما الموازنة التي لم نعرف حتى الآن أداءها، رغم أن النصف الأول من العام انتهى، ونحن الآن في النصف الثاني، لم تقدم تقارير الأداء للربع الأول والنصف الأول وبالتالي ربما يعاد النظر في الموازنة بعد أن تتضح الرؤية من خلال (هل الموازنة قادرة على أن تلبي التغيرات التي شهدتها البلاد حتى نهاية ديسمبر أم غير قادرة) فهذه تضح بعد تقديم تقارير أداء الموازنة للستة أشهر الأولى.
* المعالجات التي تتم نتمنى أن لا تشمل رفع الدعم؟
أنا اختلف كثيراً جداً مع الذين يتحدثون عن رفع الدعم، ويؤكدون لابد من رفع الدعم، ربما تكون هنالك ضغوط من صندوق النقد والبنك الدوليين في قضية رفع الدعم عن السلع الإستراتيجية وتحديداً (الوقود والقمح).
ولكن لا اتفق تماماً مع هذه الرؤية، لأن المواطن السوداني لا يتحمل أكثر مما تحمل، فهو قد تحمل الكثير ولا يستطيع أن يتحمل أي تعديل في أسعار هذه السلع الإستراتيجية على الإطلاق، فلا يمكن رفع الدعم في ظل عدم الاستقرار الاقتصادي، ففي رأيي على الدولة أن تعمل في البدء على تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتحقيق استقرار في سعر الصرف في المعدل الحقيقي لقيمة الجنيه السوداني أمام الدولار من خلال استقطاب موارد النقد الأجنبي المتاحة،
هذا هو الإجراء السليم وأنا ادعو الحكومة القادمة من اللجوء إلى الخانات الساهلة طبعاً قضية رفع الدعم من أسهل القضايا التي يمكن أن تنفذ وعائداتها تأتي في نفس اللحظة التي يتخذ فيها القرار لأن عائداتها من سلع عليها طلب عالٍ جداً كالوقود والخبز وغيره.
* كيف بالإمكان استقطاب موارد المغتربين؟
موارد المغتربين ما بين (6 إلى 8) مليارات دولار، فهذه الموارد لا تأتي عبر القنوات الرسمية، وما يأتي لا يتجاوز الـ(100) مليون دولار فقط سنوياً، هذه المبالغ الكبيرة إذا تم التوصل مع المغتربين على صيغة محددة وفق العدالة والقيمة العادلة للمغتربين وبجانب تحفيز إضافي للمغتربين سنضمن تدفقات للنقد الأجنبي.
فمشكلة الاقتصاد الأكبر هي وفرة النقد الأجنبي لمقابلة طلبات الاستيراد بصورة كبيرة وبالتالي يمكن تحقيق استقرار سعر الصرف من خلال هذه التدفقات النقدية التي يمكن أن تأتي للبلاد.
* الذهب.. الثروة الضائعة؟
لا يعقل أن يكون إنتاج السودان من الذهب حوالي (100) طن في المتوسط وتكون صادرات بنك السودان في النصف الأول في العام 2019م (6,6) أطنان، وهذه نسبة ضعيفة جداً لحصيلة لم تتجاوز الـ(280) مليون دولار، وكما أنه عائد ضعيف جداً للذهب، فلابد من السيطرة على هذا المعدن حتى لا تهدر موارد البلاد ويجب التعامل بحدة في هذا الأمر، وإيقاف كل الشركات الحكومية التي تعمل في هذا المجال، كما يجب أن تكون هنالك بورصة أو سوق منظم لتداول الذهب يعطي أسعاراً عادلة ويقلل من عملية التهريب، فلابد أن يكون هنالك حسم خلال الفترة القادمة حتى يستفيد منه السودان بصورة كبيرة.. فهذه كلها مصادر نقد أجنبي يمكن أن تعالج قضية سعر الصرف بصورة كبيرة حتى يتم تحقيق القيمة الفعلية للجنيه السوداني أمام الدولار.
* شهدت أسعار الدواء خلال الفترة الماضية ارتفاعاً غير مسبوق.. هل من رؤى للمعالجة؟
قضية الدواء تعتبر قضية جوهرية، نعم فقد شهدت الفترة الماضية انفلاتاً في أسعار الدواء بصورة غير مسبوقة، كما أن المواطن أكتوى بنار هذه الأشياء، فالدولة لابد أن تقوم بمسؤوليتها تجاه المواطن، وأن تكون أسعار الدواء في متناول اليد ولابد من معالجة هذا الأمر والمحافظة على استقرار إمداد الدواء بأسعار زهيدة.
* مشكلة السيولة.. كيف يمكن إعادة بناء الثقة مع المصارف؟
لابد من معالجة قضية السيولة المصرفية في المصارف وبناء الثقة بين المصارف وعملائها وتفعيل منظومة الدفع الإلكتروني، لأنها تعالج نقص “الكاش” بصورة جذرية وإزالة العقبات من أمام الصادرات غير البترولية حتى تنساب الصادرات غير البترولية، ولابد من الاهتمام بالإنتاج والإنتاجية والاهتمام بالبحث العلمي وتحويل الاقتصاد لاقتصاد قائم على المعرفة حتى نستفيد من القيمة المضافة، وإنشاء مشروعات ضخمة تعني بالقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني ومشروعات اقتصادية كبيرة زراعية، فهذه جلها أشياء يفترض أن تقوم بها الدولة خلال المرحلة القادمة.
* وأخيراً هل المرحلة بحاجة إلى تكوين مجلس خبراء اقتصاديين لتلاقح الأفكار؟
تكوين مجلس خبراء يعتبر مهماً خلال المرحلة القادمة، يشمل خبراء الخارج مع خبراء الداخل، فحتى خبراء الخارج الذين لم يعودوا إلى السودان أو لم يأتوا لوظيفة تنفيذية داخل البلاد فلتكن عبر وسائل التواصل المتاحة الآن، يمكن للشخص داخل الاجتماع أن يخاطب كل المجتمعين ويدلي برأيه وبالتالي يمكن لخبراء الخارج الذين يواصلون أعماله في المرحلة القادمة في مؤسساتهم الدولية أن يكونوا حضوراً من خلال اجتماعاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات لذا فإن تكوين مجلس خبراء الداخل والخارج مهماً، على الأقل يتم إيصال رؤية لإصحاح مسار الاقتصاد السوداني في المرحلة القادمة، وهذه تشكل أهمية كبيرة حتى تتلاقح الأفكار وصولاً لرؤية تعين الجهاز التنفيذي لمعالجة الكثير من القضايا.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية