(إيقاعات) بداية المسؤولية
كنت فيما مضى من سنين وأنا استنشق عبير السعادة في أول أيام المرحلة الثانوية، كنت انتظر على الجمر وألسنة اللهب، وأفتش بين شوارع التوقع كلها عن أثير إذاعة (الخرطوم) مساء كل سبت، حتى إنني أجبرت أسرتي جميعاً على الإنصات لهذه اللحظات بمنتهى الاحترام، فأحبوا بلا استثناء برنامج (إيقاعات) الذي يعده ويقدمه الأستاذ “فتح الرحمن العبيد”، كان طموحي كله يدور حول يوم السبت، حتى إن حضوري للحلقة المباشرة يوم السبت لم يمنعني على الإطلاق من حضور إعادتها صباح الثلاثاء، آملة أن أكسر حاجز الصبر إلى يوم سبت آخر.
ثلاث سنوات تمضي وأنا على هذا الحال، استحلف الزمن العبور عشية كل جمعة وصباح كل يوم حتى السبت نفسه.
شاء الله أن أطل عبر إحدى حلقاته وأنا لا أزال في الخامسة عشر من عمري ولكن تلفونياً، حينها فرحت جداً حينما منحني الأستاذ “فتح الرحمن” فرصة لقراءة قصيدة أخرى، وفرحت أكثر بالإشادة التي سمعتها بعد انتهاء المكالمة.
وأكرمني الله بفرصة أخرى في بداية العام 2007م ولكن هذه المرة لأطل عبر الإذاعة في بث مباشر لبرنامج (إيقاعات) وأنا لا أزال بين البداية والترقب مثل جنين يتوق للخروج بحثاً عن الضوء.
مع كل ذلك كان الخوف يرسم ملامحاً تختلف عن ملامح البراءة التي كست ملامحي حينها.
الخوف من الشهرة والخوف من النقد والخوف من آراء أقاربي جميعاً حول ما قد يكون.
بحمد الله كانت نقطة انطلاق تفاءلت بها جداً، وزالت المخاوف بعد ذلك.
تذكرت كل هذا وأنا أبحث عن مثل هذه البرامج التي تفرد جناحاها وتفتح المداخل كلها في حضرة أولئك الذين لم يخلدوا أسماءهم في ذاكرة الجمهور بعد.
ربما ساهم الانترنت بصورة فعالة في نشر إبداعات هذا الجيل الذي أنا منه، ولكن لرهبة القنوات والمحطات الإذاعية نكهة تختلف.
لذا دعونا نخرج ما في الروح من ألق، ونمنح القادمين عبر رحلة الإبداع منابر غير تلك التي ألفتها الجامعات والكيبوردات.