رأي

على فكرة

كمال علي

إصلاح التربية والتعليم

أسوأ ما يمكن أن يواجه مجتمعاً أو دولة، عجزهما عن إدارة مشكلاتهما الداخلية، وتوفير الأسباب لحلها، بما يضمن الأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي وخاصة عندما تتفاقم المشكلات وتستنسخ مزيداً من المعضلات وبالتالي تستفحل تأثيراتها السلبية التي تصيب كل مناحي الحياة، فتنتهي الصيرورة إلى أزمات متفجرة، وصراعات متطورة تعيق خطوات البناء والتنمية، قد تكون أسباب هذه المشاكل عديدة و مترابطة أو متضافرة، بحيث يصعب تحديد الأكثر تأثيراً منها من غيره أو الانتباه إلى بعضها دون آخر، غير أن التحليل الموضوعي الدقيق للأزمات أنها ترتبط جميعها بالعامل السياسي، لذا كلما أمكن إحراز تقدم في حل المسألة السياسية أمكن معه تباعاً الخطو نحو استيعاب المشكلات المجتمعية من أي نوع كان، وما أكثر المشكلات التي أخطأت النخب في توفير أجوبة ناجعة لها، و تفادي ارتداداتها على المجتمع والدولة!!، لأن هذه النخب تحاشت تناولها سياساً فتعاملت معها وكأنها مشكلات قطاعية جزئية ( اقتصادية، اجتماعية، تعليمية، أمنية) حتى تبحث عن معالجة موضعية….
العودة إلى المدارس، هذا التعبير الرنان الذي يشير لعودة الطلاب إلى مقاعد الدراسة، فالتعليم ينقل الإنسان من البدائية و العشوائية إلى مجتمع العلم والتهذيب فيتحول الإنسان لمتعلم يدرك الأبعاد الإنسانية للعلوم التطبيقية والإنسانية، لذا نحاول أن نتحدث،عن التربية و التعليم بوصفهما جسماً واحداً لا يتجزأ ولا يمكن الفصل بينهما، فالتربية قبل التعليم لم تأت من فراغ، فالتربية تعليم والتعليم تربية، لكن هناك خطأ كبير بحيث ظلت التقسيمات الإدارية والمنهجية تركز على التعليم أكثر من التربية، وهذا ينقص من مفهوم وحدة وترابط التربية والتعليم مما أدى للتركيز على التعليم وإهمال التربية….
وبما أن الفصل بين التربية والتعليم لم يتحقق، فإن تحديد الأهداف من التربية ومن التعليم لم تنجز، فأهداف التربية تختلف عن أهداف التعليم، مما أدى إلى اختلاط المعايير، لأن التربية لا تنحصر في مادة، بل تتوزع على كافة المواد من منطلق أخلاقيات كل مادة دراسية كالرياضيات والفيزياء و التاريخ، وهنا نعني البعد الأخلاقي القيمي التربوي للمادة التعليمية، لذا فالمادة التعليمية عندما تفتقد البعد التربوي الأخلاقي، فإن هذا يعرض التعليم إلى فقدان الروح، فإذا حصل التلميذ على معدل٩٠٪، لكنه لم يكن لديه أي مشاركات أو تطوع في أعمال داخل المدرسة، يكون تخريجه ناقصاً، لأنه لا بد من ربط النجاح التربوي بالنجاح التعليمي….

التربية أولاً ثم التعليم، هي أساساً أخلاقيات تعامل الإنسان في مجتمعه والطبيعة وهذه هي المخرجات الحقيقية للعملية التربوية التعليمية لأنها تقترن بالقيم والأخلاق، وهذا ما يمكن تسميته الانسجام بين الأصالة والمعاصرة حيث تشير الأصالة إلى عراقة الأشياء، والمعاصرة هي التطور والتحديث المستمر وعند تطبيق هذا الانسجام في أرض الواقع نصل إلى تحقيق الأهداف من التربية و التعليم، التعليم هو أساس النهضة والعمران والتقدم في عصرنا هذا مع استصحاب القيم التربوية التي تنشئ الإنسان بصورة جيدة، في اليابان يركزون في السنوات الست الأولى للطفل على التربية أي تعامل التلميذ مع ما يحيط به في المجتمع والأسرة و المدرسة، وبعدها يزودونه بالعلوم بعد أن يصبح إنساناً صالحاً للعيش ضمن منظومة المجموعة.
لذا من الضروري أن يكون من أولويات الحكومة الجديدة إعادة النظر في المناهج التعليمية، لإضفاء الروح التربوية عليها، وهذا في حد ذاته يضيف الجانب الروحي والأخلاقي للتعليم لأن الإنسان المتعلم في أي مجال لا بد أن يكون لديه قيم تربوية فاضلة تغرس فيه منذ الطفولة حتى ينجح في وظيفته ويكون قد اكتسب الكفاءة المهنية المحمية بأخلاقيات المهنة، ويمكن مراجعة كل المناهج من قبل اختصاصيين في مجال التربية والتعليم حتى نضمن إخراج مناهج جديدة بصورة منقحة ومتطورة حتى تلبي الهدف من عملية التربية و التعليم….

نشاط الطيب همام
الإمارات العربية المتحدة

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية