كم كانت مؤلمة تلكم المشاهد التي انبثقت من المؤسسات التعليمية على خلفية الأوضاع السياسية التي تشهدها البلاد هذه الأيام، وقد ألقت بظلالها على كل مجريات الحياة، لكن أن تتأثر بها البيئات التعليمية التي من المفترض إنها فوق شبهات التدني الأخلاقي كونها تتعلمه وتعلمه للشارع وتعكسه على المجتمع. قلت قولي هذا على خلفية بعض الترهات التي وقعت ببعض مؤسسات التعليم العام والعالي ونقل ما يدور في الشارع بجهل أحياناً وتطبيقه عليها.
واستشهد هنا بموقفين الأول ذالكم الشعار الذي لقنه معلم أو ربما مدير واحدة من مدارس الأساس، وهو نفسه الذي يردده المتظاهرون في الشوارع وعنهم يردده الأطفال في البيوت بآلية طبعاً دون فهمه أو خلفيته وهم نفسهم الذين فرضتهم عليهم المدرسة على مرأى ومسمع من بقية معلميها،واستبداله بالنشيد المعروف والمتوارث وهو أيضاً ليس بمعزل عن الوطنية والوطن لكن يبدو ولمجرد أنه صنيعة النظام السابق أو من مخلفاته بفهمهم الضيق نزعوا لاستبداله.. حسناً يا هؤلاء فلنفترض أنكم تريدون تفصيل نشيد على مقاس الثورة، وعليه فمن باب أولى أن تنتظروا حتى تستوي الأمور وتترتب كيفما اتفقت الحكومة الجديدة ثم وبطريقة علمية وتربوية ووطنية خالصة بلا تحيز تعملوا على تغيير الأناشيد التي درج عليه الطلاب ورددوها أباً عن جد.. أيضاً فاتتكم نقطة هامة جداً هي أن ليس كل أسر الطلاب الصغار ينتمون إلى ملتكم السياسية وكان ينبغي عليكم استصحابهم في هذا الأمر الدقيق والذي تحسبونه هيناً (غايتو شفع ليكم إن البلد بلا حكومة) وإن كانت الحكومة ستسير البلد بمفاهيمها الحزبية وبالتالي الجهوية فعلى الدنيا السلام.
الموقف الثاني تبدى عبر ذلكم المقطع ومسرحه جامعة بحري وقد أظهر مجموعة من الشباب وهم يشيعون أحد أساتذة الجامعة ويهتفون خلفه بهتافات سطحية مكانها الشارع وليس حرم الجامعة بل ضد رجل ظل رمزاً للاحترام والتجلة على مر الأزمان والحقب، وكلنا يعلم مكانة المعلم في أي من المراحل. المشهد كان مؤذياً جداً للمشاعر كونه يلغي قيمة الاحترام ويهدد مكانة المعلم السامية، ومنظر الأستاذ الجامعي وهو محاط بشرذمة من الطلاب حتى عتبات الباب يدعو للشفقة ليس عليه بل على طلاب فقدوا أو لم يتعلموا كيف يوقرون من هو أكبر منهم. لم ينبس المستهدف ببنت شفة وظل صامتاً وهو يواصل طريقه، وحمدت الله أنهم لم يتمادوا في رعونتهم ويشتبكون معه. كذلك جريرة المعلم أنه وعلى ما يبدو ينتمي لحزب المؤتمر الوطني.
كنت أتوقع أن تتخذ إدارة الجامعة موقفاً حازماً حيال الطلاب ومعاقبتهم على تجاوزهم الأدب والذوق مع الزميل المنسوب إلى هياكلها لكن كل ما فعله أن علق الدراسة، ما يشي بأن إدارة الجامعات ومن خلال مواقف كثيرة إنها فقدت السيطرة عليها تماماً. لكنا نؤكد على ضرورة مراجعة هذه الحادثة وإن طال السفر، ونتمنى كذلك أن ينتبه أولياء الأمور لهذا التصرف الذي يعيبهم قبل أن يعيب أبناءهم فهم لم يمارسوا السياسة في حدودها بل تجاوزوها بما يحسب عليهم اجتماعياً، فالمعروف أن المنظومة التعليمية برمتها تكاملية.. (غايتو) ربنا يهدي (بعض) شبابنا الضالين عن سواء سبيل السياسة و(يحفظهم).