1
أخيراً وبعد ستة أشهر أو يزيد، هي عمر الحراك الثوري الذي انتظم السودان وأدى لتغيير مفصلي وتأريخي بإسقاط نظام “البشير”، وبعد أن قدم الشعب وعلى رأسه الشباب ما قدم حتى بعد الإسقاط ، أخيراً تحقق المأمول بالاتفاق على حكومة انتقالية كانت محل جدل وصراع للحد الذي دفع بوسطاء أفارقة من أجل جز العقدة بمنشار التوافق بعد لا وتعنت من الطرفين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير.
2
فمبروك للشباب القائد الفعلي للحراك الذي قدم نفسه رخيصة من أجل هذا اليوم، صبر وصابر، نافح وكافح، ضحى بروحه وتعليمه، تلفح بهجير الشمس وهو يجوب المدن عبر التظاهرات السلمية دون كلل أو ملل أو خوف. شباب ضرب مثلاً في الثورية وأصبح نموذجاً ينبغي أن يحتذى به. ومبروك للمجلس العسكري الانتقالي الذي لولاه لما اكتملت أركان الثورة، وشكراً له وقد ظل حامياً لها وللشعب كافة ولأرض الوطن وهو يجنبه احتمالية انزلاقات عدة كان لها أن تلحقه بمصير بعض الدول التي ما زالت تعاني ويلات الربيع العربي الذي انخرطت فيه بعض الدول العربية.
3
وشكراً للجهات والقوى الأمنية كافة التي جافى النوم مآقي أفرادها كل تلكم المدة وهم يحرسون الثغور ويتصدون للمتربصين وقد تحملوا الإهانات والاستفزازات والتوريط والمؤامرات بصبر وجلد، اللهم إلا قلة منهم لا نعفيهم بقدر ما نتلمس لهم العذر كونهم بشر قبل أن يكونوا أفراداً نظاميين. وشكراً كثيرا ومبروك لكافة أفراد الشعب والمجتمع الذي احتمل مجريات تلكم الأيام من أدخنة ضارة واقتحام للمنازل وترويع أهلها، وللأسر المكلومة التي وبين طرفة عين وانتباهها فقدت فلذات أكبادها، وأولئك الذين احتسبوا وظائفهم جراء الإضراب وخلافه. مبروك لكل من راقت له أيلولة الوضع للحالي.
4
الآن وبحمد الله يمكن أن نقول إن الأحوال قد هدأت وانتظمت الشوارع فرحة عارمة وخرجت مهللة للمرة الثانية، رغم أن هذه المدنية كان متفقاً عليها فعلياً قبيل فض الاعتصام، وقد كادت أن تفلت منهم عندما تملص المجلس العسكري الانتقالي منها ونفض يده ما أدخل الرعب في قلوب قوى الحرية والتغيير، فنافحت مجدداً من أجل استعادتها، وقد كان بفضل الوساطة التي استجاب لها كلا الطرفين بل قدم كلاهما تنازلات قادت العملية للتوافق على تشكيل حكومة انتقالية وتوافق على مجلس السيادة ما أدخل السعادة والراحة النفسية على الجميع، فالمؤكد أن المسؤولية لم تكن بالهينة لهم.
5
والحمد لله كذلك أن انتهى الأمر بسلام وبخسائر أقل بكثير مما عاشته بعض الدول التي خاضت ما خضناه، وهذا إن دل إنما يدل على وعي ووطنية خالصة يتمتع بها الشعب السوداني. ورغم أن الخلاف ظاهرياً انتهى ومن المفترض طي صفحته، لكن ومع ذلك لابد من توخي الحذر من مآلات محتملة نوقن أن كل الأطراف تعلمها وربما ترقبها، وثقتنا في المجلس والجهات الأمنية كبيرة. ونتمنى أن يرتقي كل من في نفسه غرض للوطنية وأن ينخرط في الترتيبات القادمة بمجرد ذات.