أسباب الفشل
} ثلاثة أسباب أدت لفشل جولة التفاوض الأخيرة بين السودان وجنوب السودان حول تنفيذ مصفوفة الاتفاق الموقع بين الدولتين في (27) سبتمبر من العام الماضي.. والأسباب الثلاثة التي (أفشلت) جولة أديس أبابا ستؤدي لإفشال أي مفاوضات قادمة وإن تطاول الحوار حتى (ينقرض) الجيل الحالي ممن ساهموا بصورة مباشرة في فصل الجنوب عن الشمال من الجنوبيين والشماليين معاً.
} السبب الأول للفشل المستمر للتفاوض حتى بات الخبر أن تستمر المفاوضات يعود لطبيعة النظامين وانشغالاتهما وأولوياتهما.. بإعلاء الاعتبارات الأمنية على ما عداها من اعتبارات سياسية واقتصادية.. وفي كلا البلدين تشكل الأجندة الأمنية هاجساً يجعل الإرادة الأمنية تعلو على السياسية وتتداخل القضية الأمنية ما بين الخلافات الحدودية والمنطقتين والبترول وفك الارتباط.. والوصول لاتّفاق أمني وعسكري أولاً قبل الاتفاق السياسي يشكل ضرباً من المستحيلات حتى ولو انعقدت ألف جولة من التفاوض لن تبلغ المفاوضات متبغاها.. والأمل والرجاء الوحيد أن يتّخذ الرئيسان عمر البشير وسلفا كير قرارات حاسمة بشأن التفاوض بعيداً عن نقاط الكسب والخسارة الصغيرة والإقدام من أعلى الهرم على هدم الحائط الذي بدأ يتشكل بين الدولتين وإطلاق سراح الإرادة السياسية المعتقلة عند الملفات الأمنية.
} السبب الثاني لفشل التفاوض يعود للوسيط الأفريقي “ثامبو أمبيكي” والاتحاد الأفريقي الذي يتوسط بين دولتين لا يملك هو نفسه القدرة على فرض ضغوط جديدة ترغمهما على تقديم تنازلات حقيقية لمصلحة شعبيهما.. وفاقد الشيء لا يعطيه من عدم والاتحاد والمفوض “أمبيكي” يسألون الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة العون والمدد لعقد جولات التفاوض.. بل أرتضى مجلس الأمن والسلم الأفريقي لنفسه وظيفة الوكيل الذي ينوب عن مجلس الأمن والمجتمع الدولي وسابقة مفاوضات نيفاشا التي أدت لإنهاء الحرب الماضية لم تنجح إلا بعد تعيين الولايات المتحدة الأمريكية المبعوث “جون دانفورث” وتعيين بريطانيا المبعوث “الن فولتي” وتعيين النرويج المبعوثة “هيلدا جونسون” وحتى كندا عينت حينذاك مبعوثة من أصول لبنانية “موبينا جعفر” وتعرض الطرفان لضغوطات وتهديد بسيف العقوبات وإغراءات وحوافز أرغمتهما.. وحفزتهما على إيقاف الحرب.. وفي غياب الإرادة الدولية لن تحقق المفاوضات تقدماً حيث بات الطرفان (لا طامعين) ولا خائفين من عواقب حالة اللا اتفاق الحالية، وهناك استثمار لمستفيدين من تطاول المفاوضات.
السبب الثالث والأخير لفشل التفاوض يتمثل في قابلية الدولتين (للابتزازات) الداخلية وخوفهما من الإقدام على تنفيذ اتّفاق يثير عليهما سخط الداخل ويزحزح سلطتهما خاصة دولة جنوب السودان التي (تنامت) في أحضانها جيوب متطرفة ضد كل ما هو شمالي وقد واجه سلفا كير ميارديت غضبة عارمة وتظاهرات لرافضين لاتّفاق التعاون.. إضافة إلى ارتباط بعض المفاوضين بمناطق ربما ذهبت لشمال السودان مثل منطقة كاكا التي ينحدر منها رئيس التفاوض باقان أموم ومنطقة (14 ميل) التي تمثل مسقط رأس حاكم شمال بحر الغزال (مالونق).. وأبيي التي تمثل (كربلا) أبناء دينق مجوك وهي مناطق جميعها ربما أصبحت جزءًا من دولة الشمال.
الوفد السوداني معافى من الارتباط العاطفي بمناطق من المتنازع عليها كحال الجنوبيين ولكنه أيضاً (خائف) ومرعوب من تيار عريض ومتغلغل داخل بيوت السلطة متمثل في منبر السلام العادل الذي يتربص بأي اتفاق مع دولة الجنوب.. وقد أفلح منبر السلام في وضع المفاوضين تحت القصف و(الابتزاز) الشيء الذي يجعل التوقيع على أي اتفاق لا يحقق رضا هذا التيار من شأنه جر متاعب لفريق التفاوض الذي تأذى كثيراً من نيفاشا وتبعاتها.