الفريق أول ركن “عبدالفتاح البرهان”: القوات المسلحة كلها وطنية والسياسيون ليسوا كثيرين
في أول لقاء مع رئيس المجلس العسكري ورؤساء تحرير الصحف بمكتب القائد العام بوزارة الدفاع
طلبنا من “البشير” أن يحل الأحزاب بما فيها المؤتمر الوطني وإلغاء التعديلات الدستورية وإعلانه عدم الترشح في العام 2020
نأمل أن نصل إلى اتفاق ، ماعايزين نعمل برانا، وإذا رفضوه نجمع الأحزاب والإدارات الأهلية لترى الخطوة المقبلة
الخرطوم – طلال إسماعيل
في الطابق الثالث لمقر وزارة الدفاع، كان رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول ركن “عبدالفتاح البرهان” يستقبل رؤساء تحرير الصحف وكتاب الأعمدة عقب صلاة (الجمعة) أمس، في مكتب القائد العام، بينما انهمك بعض أعضاء المجلس الانتقالي في أمور أخرى لترتيب المشهد السياسي.
حرص “البرهان” على إلقاء التحية والسلام لقادة الرأي العام كل على حده، بعد أن ترك مقعده في المنصة خلافاً للبرتوكول الرسمي، وبدأ اللقاء الذي استمر لأكثر من ثلاث ساعات بتعريف نفسه بأنه “ود مزارع” نشأ في بيت صوفي، وقال: (أسرتنا من الختمية الأدارسة، ليس لدي طريقة صوفية، دخلت القوات المسلحة في 7 يونيو 1980 ، والتحقت في العام 1982 بقوات حرس الحدود، عملت (12) عاماً في دارفور، و(8) سنوات في الجنوب، و(7) سنوات في شرق السودان، و(7) سنوات ملحقاً عسكرياً، ما جيت للخرطوم إلا برتبة اللواء، كل عمري المهني خارج الخرطوم، تأهلت في الجيش بمعظم الدورات وكنت محظوظاً في أنني نلت (14) دورة ، نلت درجة البكالوريوس في الإدارة، والماجستير والدراسات الإستراتيجية من جامعة كرري، جئت للخرطوم (4) مرات، (3) شهور في العام 1999 و2006 و 2012 و2019).
ورحب “البرهان” بضيوفه، قائلاً: ( عارفين دور الصحافة وتأثيرها، البلد شايفين حالتها ولا نشك في مهنية الصحافة ولا وطنيتها، نتمنى أن تطلع البلد لبر الأمان ونعيش في حرية وسلام وعدالة).
وأشار “البرهان” إلى أن القوات المسلحة تعمل بتجرد ومهنية، مضيفاً بالقول : ( القوات المسلحة كلها وطنية والسياسيون ليسوا كثيرين، ومن سنين دخلت الأيدلوجيات، ونحن نعرف الحزبيين داخل الجيش، ونعرف إذا كانوا ناشطين أو غير ناشطين).
ونبه رئيس المجلس العسكري إلى ضرورة الحفاظ على أمن وسلامة الوطن، موضحاً بأن الاحتجاجات الشعبية دفعت القوات المسلحة للقيام بأدوار رئيسة قامت بها.
“البرهان” يحكي عن عزل “البشير”
سرد رئيس المجلس العسكري تطورات الأوضاع داخل القوات النظامية وتفاعلها مع الاحتجاجات التي بدأت في ديسمبر من العام الماضي، وقال: (الرئيس السابق “عمر البشير” كان بجينا مرتين ، وقيادات القوات المسلحة كانوا يتشاورون حول تطورات الأوضاع في الشارع السياسي ولابد أن يكون للقوات المسلحة رأي بعد أن تظاهر الشعب من الدمازين إلى عطبرة).
وأشار “البرهان” إلى أنهم سلموا “البشير” – القائد العام آنذاك – رؤية حول ضرورة أن يتوقف عن قيادة السودان، والبلد ماشية لهاوية خطرة، وكنا منتظرين منه الرد بعد إبلاغه بواسطة وزير الدفاع السابق الفريق أول “عوض ابن عوف”).
وأضاف “البرهان” : ( طلبنا منه أن يحل الأحزاب بما فيها المؤتمر الوطني، وإلغاء التعديلات الدستورية، وإعلانه عدم الترشح في العام 2020، لكن يبدو أن هنالك من تدخل وقام بإجراء تعديلات في خطاب “البشير” في 22 فبراير بالقصر الجمهوري، كان خطابه بالقصر الجمهوري مختلفاً).
وأشار إلى أن ذلك جعل قادة القوات المسلحة يرون ضرورة القيام بالتغيير، وزاد : ( القوات المسلحة تعبر عن حلم الشعب السوداني، والشعب لم يطلع من أجل الرغيف، عايزين يغيروا لوضع أفضل).
وكشف عن اجتماعات متعددة لقيادات الجيش لاختيار الرجل المناسب لقيادة المرحلة، وقال : (القوات المسلحة انحازت للمواطن وليس لجهة أو حزب محدد أو مجموعة بعينها).
“البرهان” والمفاوضات مع قوى التغيير
وكشف رئيس المجلس العسكري الانتقالي عن تفاصيل لأول مرة بخصوص المفاوضات مع قوى إعلان الحرية والتغيير بعد عزل الرئيس الأسبق “عمر البشير”، وقال : ( قعدنا هنا – يقصد مكتب القائد العام – مع سبعة أشخاص من مجموعة إعلان الحرية والتغيير، وطلبوا مننا أن نكون شركاء ، والتزمنا بمبدأ الشراكة، واجتمعنا أكثر من مرة، كنا نجتمع في بيوتنا أو بيوتهم، لم نكن نفكر في (67%)، عندما بدأت المشاورات الرسمية والمفاوضات ظهرت مطامع حزبية وجهات حاولت أن تكسب، حضرت جلسة خاصة وسمعت لأول مرة بعد التغيير أحدهم يقول : (نحن كسبنا)، فأدركت بأن المصالح الحزبية قد ظهرت ، وليس العمل من أجل الوطن، نحن نعتبر أنه ليس هناك اختلاف كبير، ولكن الفترة الطويلة للمفاوضات جعلت أحزاباً أخرى تدخل، ودخل كل من لديه أطماع ، وأعضاء الحزب الحاكم شعروا بأنهم يمكن أن يجدوا موطأ قدم ، لو كان الناس هموا بأمر الوطن لخرجنا إلى بر الأمان).
وقال : ( لم يكن في حساباتنا أن نتفاوض لتشكيل حكومة مدنية، كان همنا تحقيق السلام مع المجموعات المسلحة، وتوفير وتنظيم معاش الناس، والانتخابات، لا نريد في الفترة الانتقالية أن نتطرق لموضوعات هيكلة القوات النظامية أو إعادة الخدمة المدنية، هذه قضايا نتركها للمنتخبين، ونحن نخشى أن ينزلق المجلس التشريعي الانتقالي في أمور تضر بالأمن الوطني، وينحرفوا عن مهام الفترة الانتقالية).
وزاد: ( هنالك مشاكل في تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي، اتفقنا أن تكون من الكفاءات الوطنية، غير حزبية، في فترة الشراكة لما كنا شركاء قبل أن يدخل الشيطان بيننا).
وقال : ( اشترطنا أي زول يشارك في الفترة الانتقالية ما يشارك لقدام، عايزين فترة تأسيسية لمستقبل السودان وتبني الوطن).
وأشار “البرهان” إلى تدخل الوساطة من خلال تقديمها لرؤية حل خلال المفاوضات، بينما طلبوا منها ورقة تفاوضية، وكشف عن مقترح تلقاه من رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” بأن تكون الشخصية المدنية المتوافق عليها في المجلس السيادي “غازي صلاح الدين” أو “علي الحاج”، وقال إن رئيس الوزراء الإثيوبي أشاد بالتعامل السياسي للأحزاب الأخرى غير المشاركة في إعلان قوى التغيير التي وصفها بأنهم ناشطون وليسوا سياسيين.
ورأى رئيس المجلس العسكري، أنه من الصعوبة تحقيق توافق بنسبة(100%)، لكنه قال : ( يكون الحد الأدنى للاتفاق أن يجد درجة من المقبولية عالية جداً، حتى لا تقوم أحزاب الفكة بمظاهرات واعتصامات، حال البلد واقف ليهو كم شهر، نحن نريد معارضة ولكن ما تكون معارضة خشنة).
وأشار “البرهان” إلى أنهم طلبوا من قوى إعلان الحرية والتغيير بث التفاوض على الهواء مباشرة، وقال : ( أراؤهم وطنية في المفاوضات، وعندما يخرجون خارج قاعات التفاوض يعلون من مصالحهم الحزبية).
وحول احتمال أن يتوصلوا معهم إلى اتفاق بعد دراسة المقترحات الجديدة للوساطة المشتركة الإثيوبية – الأفريقية، قال رئيس المجلس العسكري : ( نأمل أن نصل إلى اتفاق، ماعايزين نعمل برانا، وإذا رفضوه نجمع الأحزاب والإدارات الأهلية لترى الخطوة المقبلة، ولكن لا أعتقد أنهم سيرفضون).
وطلب رئيس المجلس العسكري من رؤساء التحرير وكتاب الأعمدة أن يعملوا من أجل تحقيق شعارات الثورة في الحرية والسلام والعدالة، وقال: ( نريد أن تكون السلطة الرابعة سلطة حقيقيةـ يغيروا حياة الشعب إلى الأفضل، نريد أن نعيد النظر في تجاربنا السابقة ، والشباب عايزين فهماً جديداً يعبر عن ثورتهم، أحزابنا التاريخية عندها إرث وهي أحزاب عريقة يجب أن يغيروا نظرتهم ويستصحبوا نظرة الشباب).
ولم ينس “البرهان” أن يذكّر الصحفيين بتضحيات القوات المسلحة وذودها والدفاع عن الوطن، وقال: ( أصبت ثلاث مرات في جسدي، ونحن عساكر خرجنا للموت، وشغالين من أجل السودان، وليس لدينا أي مانع أن نموت من أجل الدفاع عن الوطن).
وضرب جرس التنبيه بضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار خلال الفترة الحالية التي يمر بها السودان، وزاد بالقول، دون أن يكمل بقية الجملة ليتركها للخيال: ( إذا رفعت القوات المسلحة يدها بتحصل….).
وأشار “البرهان” إلى معرفتهم بمقدرات المؤتمر الوطني وتنظيمه، والحركات المسلحة والأحزاب ، مؤكداً بأنهم محتاطون بكل الاحتياطات اللازمة، وقال : (نعمل في ظل بيئة أمنية تحتاج منا أن نكون حذرين وأعيننا مفتوحة ولا نمشي جنب الحيطة، نريد أن نعمل في الفترة الانتقالية فترة تأسيسية للسودان الجديد).
واتهم المؤتمر الوطني بأنه قدم ولاءه للحركة الإسلامية على ولائهم للسودان.
فض الاعتصام…في انتظار لجنة التحقيق
قال رئيس المجلس العسكري بأنهم ينتظرون نتائج التحقيق في فض الاعتصام، مؤكداً بأن القوات النظامية قامت بحماية المعتصمين، وتعمل من أجل الشعب السوداني، وقال : ( لدي ولدان في ميدان الاعتصام، وكان هو وجدان الشعب).
وأشار “البرهان” إلى أن قيادات المجلس العسكري اجتمعت مع قوى إعلان الحرية والتغيير واتفقت معهم على تنظيف منطقة كولمبيا).
وقال “البرهان” بأن هنالك (14) من القوات النظامية قتلوا أثناء فض منطقة كولمبيا وقد مثلوا بجثة شرطي، مؤكداً بأنه”لو مات زول واحد له الأثر النفسي).
وأشار “البرهان” إلى أن المجلس العسكري تسلم خراباً لا يعلم به إلا الله، منبهاً إلى أنهم يقومون بإغلاق منافذ الفساد في المال العام، وضرب مثلا بعائدات النفط من جنوب السودان التي يتحصل عليها السودان.
وقال: ( الدولة كانت ستنهار في عهد النظام السابق، القوات المسلحة كلها توحدت وقررنا التغيير قبل 3 أيام من 11 أبريل).
وقال “البرهان” إنه رفض الدخول في عضوية المجلس العسكري برئاسة “عوض ابن عوف” ومعه رئيس الأركان المشتركة الفريق أول ركن “هاشم عبدالمطلب” وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول “محمد حمدان دقلو حميدتي”.
وأشار إلى أن ذلك انحياز ثانٍ من القوات المسلحة لرغبات الشعب، وكان الانحياز الثالث بتقدم الفريق أول “عمر زين العابدين محمد أحمد”، والفريق أول “جلال الطيب”، والفريق أول شرطة “الطيب بابكر” استقالاتهم).
ملابسات إقالة النائب العام
قال “البرهان” إن سبب إقالة المجلس العسكري للنائب العام المكلف “الوليد سيدأحمد” لأنه تباطأ في تنفيذ العدالة وعدم تقديم رموز النظام السابق إلى المحاكمات.
وطلب بعض رؤساء تحرير الصحف في أول لقاء لهم مع رئيس المجلس العسكري، النظر في قرار إغلاق مكتب قناة الجزيرة بالخرطوم، وأشار “البرهان” إلى أن هنالك “لجنة مختصة” تدرس ذلك.
وقال رئيس المجلس العسكري، إن المدير العام السابق لجهاز الأمن والمخابرات السوداني الفريق أول “صلاح عبدالله قوش” له دور كبير في التغيير، وكان صاحب مقترح كتابة “مذكرة ” من قيادات القوات المسلحة السودانية للرئيس السابق “عمر البشير” قبل عزله.
وأشار “البرهان” إلى أن مغادرة “صلاح قوش” مقر إقامته الجبرية بالخرطوم كانت من دون إذن المجلس العسكري.
وكشف رئيس المجلس العسكري عن جهود تبذلها دولتا تشاد وجنوب السودان لتحقيق السلام في السودان، وقال كل الحركات لدينا تواصل معها سواء كانت في تشاد أو جنوب السودان، ولدينا لجنة مختصة برئاسة الفريق أول “محمد حمدان دقلو” للتواصل معهم.