رأي

فنجان الصباح

أحمدعبد الوهاب

صبر غير جميل في خيمة القذافي بصبراته!

عشر سنوات خلت على أول زيارة لي لطرابلس مرافقاً للرئيس المخلوع لحضور قمة لا قيمة لها في مدينة صبراتة الليبية، وكان رفيقي في تلك الرحلة الزميل الأستاذ “كمال حسن بخيت” رئيس تحرير الرأي العام ، كان “طه عثمان” حديث عهد بمكتب ثم (مكاتب) الرئيس لاحقاً، وكان “محجوب فضل” يوشك أن يفقد وظيفته كسكرتير صحفي إلى الأبد ، كان كثير التدخين والحركة داخل الطائرة يدخل الجناح الرئاسي باسماً ويخرج ضاحكاً، بينما كان في صمت “طه عثمان” كلام أفصحت عنه الأيام لاحقاً، ضم وفد الرئيس “بكري حسن صالح” كالعادة و”صلاح قوش” ووزير الدولة بالخارجية الأسبق “السماني الوسيلة”، ووزير العدل الأسبق “سبدرات”، صنعت الطائرة الرئاسية نصف دائرة فوق المتوسط ثم هبطت في مطار طرابلس في نحو الثالثة بعد الظهر، وابتلعنا موكب رئاسي وراح ينهب الطريق الساحلي متجهاً صوب صبراتة في الشمال، ليبيا بلد هادئة وجميلة، لكنه بدا لي هدوء مريب وجمال مخيف، كما قال أحد نقاد (تي اس اليوت) عندما وصف شعره (بالجمال والغرابة)، الجو لطيف مقارنة بساونة الصيف الخرطومي في شهر مايو، ومع طول الطريق أحسست بأن أغلب أعضاء الوفد (حاقنين) وكان بعض رفاقي يعانون من السكر، وقد كان أغلب الطغاة يتلذّذون بتعذيب ضيوفهم بداية من “موسليني” مع “هتلر” والملك الشاب “فاروق” مع أعضاء البرلمان المصري وكلهم في عمر والده، وكان الرئيس الراحل “الأسد” كما في مذكرات “جيمس بيكر” وزير الخارجية الأمريكي الأسبق يجعل ضيفه يجلس في كرسي مجاور ويكون لزاماً على الضيف أن يلتفت مستمعاً لـ”الأسد” وهو يحكي في كل مرة تاريخ سوريا الحديث من أيام الانتداب الفرنسي مروراً بـ(سايكس بيكو) جالساً مثل أبو الهول عدة ساعات، يحتاج معها “بيكر” لجلسات مساج بعد كل لقاء مع “الأسد”، وكانت القاعة الضعيفة التكييف وعصير الليمون يجعل السفير “دجرجيان” يرفع الراية وينسحب لأقرب حمام، ويفسر “بيكر” تصرفات “الأسد” بقوله إنها (حيلة ذكية للفوز عن طريق الإنهاك)، وعلى نهج “الأسد” سار العقيد “القذافي” وأول ضحاياه كان الرئيس “السادات” عام71، دعا ضيفه الكبير لخيمة في الصحراء واعتذروا لـ”السادات” بأن السفر بالمروحية ليلاً غير آمن وأنه لا مناص من المبيت، وبمجرد إطفاء الكهرباء كان “السادات” ليلتها وجبة رئاسية لبعوض الصحراء والحشرات اللاسعة فيما دهن “القذافي” جسمه بدهان طارد، وبعيون محمرة من السهر والغضب غادر “السادات” بدون أن يودّع مضيفه وكانت تلك آخر زيارة له لطرابلس، وها هو اليوم يتلاعب برئيس سوداني كما تلاعب بكثيرين قبله وبعده، وبعدة مسير مرهق وصلنا صبراتة على مقربة من تونس، وخضعنا لعمليات تفتيش وإجراءات أمنية مشددة في محيط مقر إقامة العقيد، على شاطئ جميل برمال بيضاء رائعة نصبوا خيمة “القذافي”، كانت رياح شمالية باردة تهب من البحر، وكان العقيد الراحل بشعره المصبوغ وثيابه البيضاء يجلس مثل إمبراطور على كرسي ملكي فاخر وجلس “البشير” مثل تلميذ مؤدب على كرسي عادي، وكان المخلوع يحاول جعل البساط أحمدياً وشرع يتحدث عن تعدد الزوجات، وكانت مدفئة متحركة تشتعل بحطب موضب ومرصوص بعناية تكسب الخيمة الدفء اللازم في جلسة بدت لي غير ودّية ولا دافئة، وفي جمعة قادمة نواصل بإذنه تعالى.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية