تسويق التراث الشعبي.. زينة للعالمين وتجارة رابحة!!
وأنت تتجول بشارع الخرّاطين بسوق أم درمان تجذبك مجموعة أشياء تراثية كان الجيل السابق في عهد المهدية وإلى الآن يستخدمها في أشياء متنوعة، مثل (المندولة) التي يستخدمها أهلنا في ولايات (كردفان ودارفور) في عدة أغراض، منها (الزينة) في الصالونات الكبيرة التي تستقبل الضيوف في المدن الكبيرة والعاصمة، والبعض الآخر يستخدمها في تقديم الطعام خاصة (فطور العريس) وإكرام الضيوف، كما يحدث في الفاشر ونيالا والجنينة.
وفي كردفان تصنع (المندولة) بأحجام مختلفة وتستخدم عدة استخدامات بينها الزينة، كما تستخدمها بعض الفتيات لحفظ مقتنياتهن، وأدوات التجميل والإكسسوارات والزينة والماكياج الخاصة بهن.
{ جلود ومعادن وسعف
التاجر بشارع الخراطين “عبد الإله محمد”، الذي ينشط في الاتجار بالمقتنيات التراثية المُصنعة من الفخار والجلود والسعف والعظام الملون والسكسك، وحتى المسكوكات النقدية والنقود الورقية القديمة والآلات الموسيقية التراثية مثل الربابة، يقول إنهم يشترون (المندولة) ويجمعونها من بعض مواطني الأحياء العريقة مثل أبي روف وحي العرب وبيت المال والملازمين وهي من الأحياء التي نشأت إبان المهدية وسكانها هم أكثر من يمتلكون هذه الأشياء، نحن نشتريها منهم بأسعار (زهيدة) ثم نبيعها للأجانب ومحبي التراث بأسعار عالية، وأضاف: يوجد الكثيرون ممن يعشقون هذه الموروثات القديمة، بعضهم للزينة وآخرون بغرض التجارة أو كي يهدونها لمن يودون، خاصة من السودانيين المغتربين.
{ قدح العرسان
ويستطرد “عبد الإله” قائلاً: إن بعض الفتيات يفضلن شراء بعض الإكسسوارات القديمة ليمزجنها ببعض الأزياء الحديثة. وأضاف: هناك حركة دائبة في السوق لشراء القديم لأنه يمتاز بالأصالة والإتقان والجمال. وعن (المندولة) قال: أهل دارفور يضعون عليها (قدح الطعام) ويقومون بتغطيتها بغطاء منفصل عنها، وأضاف: تختلف (مندولة) العرسان عن (المندولات) العادية، حيث يتم تزيينها بالإكسسوارات بألوان وأشكال وأحجام مختلفة، ويمضي قائلاً: وعادة تتميز بها ولايات دارفور حتى الآن خاصة في مناسبات (الأعراس) أو عند حلول ضيوف.
{ الجمالية في الأعمال اليدوية
ولمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع التقت (المجهر) خبير التراث الشعبي الدكتور “صلاح الطيب” الذي أكد أن التراث السوداني يبرز الهوية السودانية في أشكالها وألوانها كافة بجانب القيم الجمالية الفنية من حيث الأسلوب والممارسة في استخدام الألوان والوحدات الزخرفية، وتأكيداً لعالميتها، فالأعمال اليدوية تلفت النظر لأهمية التراث السوداني والاستفادة منه في عملية تطوير التصميم، والتراث يعكس أيضاً روح الانتماء والأصالة السودانية، ويبرز الهوية السودانية بتطوير أعمال التصميم والطباعة بالمزيد من الوحدات الزخرفية وألوانها، التي تعدّ توثيقاً للموروثات والتقاليد السودانية التي تبث التراث، فلا شعب بلا تراث. ويمضي دكتور “صلاح الطيب” قائلاً: إن المصنوعات اليدوية السودانية تعدّ من المصادر التشكيلية المتنوعة فإنه يمكن الاستفادة من قيمها الجمالية ووحداتها الزخرفية في تطوير وإضافة بعض المظاهر كما جاء في رسالة الدكتوراه.
{ مهارة فطرية
ويستطرد د. “صلاح” قائلاً لـ(المجهر): (المندولة) موطنها الأصلي دارفور، وتستخدمها معظم القبائل في حمل قدح العصيدة في الأفراح وعند قدوم الضيوف وإكرامهم، وتصنع من سعف ملون ومزخرف بالودع والسكسك. ويمضي الخبير في التراث السوداني الدكتور “صلاح الطيب” في حديثه قائلاً: إن (المندولة) صنعت خصيصاً لوضع قدح الطعام الخاص بالعريس ووزيره، ويستطرد: من هنا نعلم أن هؤلاء الصناع يدركون تماماً وبحس عالٍ أن تلك المشغولات يجب أن ترتبط ألوانها وأشكالها ببعضها لكي تصبح جذابة وجميلة، وتشد الأنظار، وتؤدي وظيفتها النفعية والجمالية.
كما تستخدم (المندولة) كمنضدة يوضع عليها قدح فطور العريس كتقليد متوارث بمناطق غرب السودان، مع الأخذ في الاعتبار أن صانع (المندولة) لم يتلق تعليماً في الألوان وعلاقاتها، ولكن الفطرة السليمة التي يتمتع بها جعلته ذا فكر فني راقٍ في توزيع الوحدات الزخرفية، يضعها بعناية شديدة وبتوازن وبإيقاع جعل من التصميم أنموذجاً رائعاً يعكس المهارة والذوق والحس الفني الذي ينشأ عنده بالفطرة.