أخيره

"مستغانمي" .. الأسود يليق بنا!!

{ حتى الحب في نهاياته يحتاج إلى لون الحداد كـ (الموت).. لكن الكاتبة العربية “أحلام مستغانمي” لها رأي آخر، فالحب عندها ليس (المعجزة) التي بنهايتها ينتهي العالم.. وإنما المعجزة تكمن لديها في (النسيان) بعد الفراق، والمقدرة على العودة أفضل مما كنا عليه، سواء أكان الحب في بداياته أو نهاياته، فهو يعني لها (كرامة عاطفية) وكبرياء، وربما هذا ما جعل بطلات رواياتها وقصصها يأخذن عنها تلك الصفات ويتشبثن بها، فهن لسن كالنساء (العاديات)، وهذا ما دفع بطلة روايتها الأخيرة (الأسود يليق بك) – التي صدرت في بيروت أواخر العام المنصرم – أن تخلع (الأسود) في نهاية قصة حبها وترتدي لون العصيان (اللازوردي السماوي)!! وتقول “أحلام”: (ليدرك هو أنه من خلعت، وقد تركت له الأسود، فليرتدِ الحداد عليها).. وتستمر “مستغانمي” في جموحها الفكري، وبنظرة فلسفية ربما تكون أبعد من قصة حب بين عاشقين، لعلها تستشف من خلالها واقعنا العربي، لتقول: (إن الحداد ليس في ما نرتديه، بل في ما نراه.. إنه يكمن في نظرتنا للأشياء، بل بإمكان عيون قلوبنا أن تكون في حداد ولا أحد يدري)!!
{ وربما يبرر ذلك اعتذارها عن تسلم أية جائزة عن أعمالها الأدبية، وتقول “أحلام” في لقاء مع مجلة (سيدتي): (رغم الألوان المبهجة التي أرتديها عادة، فأنا في حداد على أوضاعنا في العالم العربي بدون استثناء، واشعر دائماً أن هناك شيئاً خطيراً سيحدث).
{ ولا تتوقف الكاتبة عند هذا الحد في روايتها الأخيرة، فنجدها قد منحت بطلتها مطلق الحرية في اختيار ما تقوله وما تفعله، لدرجة تصل إلى إباحة سرقة أسرار الرجل وتحويلها إلى شعار خاص بالمرأة، وتقول: (إن الرجل الذي لم يعطها شيئاً، وعلمها كل شيء.. تناسى أن يعلمها درسه الأهم وهو الإخلاص للحياة فقط).. فحتى الفراق لا يجعلها تحقد على من أصبح من الماضي، أو تتردد في خوض تجربة جديدة، ولذلك تغني “مستغانمي” في ختام روايتها (ارقصْ كما لو أن لا أحد يراك، غنِ كما لو أن لا أحد يسمعك، احبْ كما لو أن لا أحد سبق أن جرحك)..!!
{ و(الأسود يليق بك) رواية تستحق أن نبحر بين سطورها، حتى وإن كانت قد وُوجِهت بالنقد من البعض أو لاقت الاستحسان.. فهي برأيي جديرة بالإعجاب.. ولست عنصرية في عشقي للكاتبة “أحلام مستغانمي”، لكني متحيزة بشغف للإبداع النسائي العربي أينما كان، ربما لإدراكي أن المرأة سواء أكانت شاعرة أو أديبة أو كاتبة، وحدها من تستطيع التعبير عن ذاتها بصدق وشفافية ودون تزييف.
و(أحلام) من الروائيات القليلات جداً في عالمنا العربي اللائي لديهن القدرة على توضيح ذلك دون تجريح أو خدش للحياء، وفي روايتها تلك تنسج قصة عشق بعيداً عن الابتذال، بينما يجسد بقية أبطال الرواية الجوانب الأخرى المتطرفة من الحياة، ويصورون أوجاع العالم العربي المسلم بكل شوائبه وتناقضاته كـ (الإرهاب، البطالة، والهجرة غير الشرعية)، وضحاياها من الشباب، فكلماتها تقودك برفق وتبعث فيك مشاعر متجددة، ترتفع بك نحو السماء، لكنها لا تمهلك طويلاً..  كـ (الموسيقى) تبدأ هادئة ثم تتغير أنغامها فجأة كـ (فالس) محموم، لتمضي بك سريعاً كما الحياة أو كشلال هادر يلقي بك إلى المصب.. وبرغم المجازفة تحذرك “مستغانمي” من الانسحاب أو مغادرة حلبة الرقص (كي لا تغادرك الحياة).. بهذه الكلمات رسمت الكاتبة توقيعها على الغلاف الأخير لروايتها (الأسود يليق بك)، وقد ذكرت في لقاء صحافي أنها تهدي الرواية إلى الإنسان العربي عموماً والمرأة خصوصاً، فهي رواية تدافع عن البهجة والسعادة في الحياة، وتحمل الأوجاع العربية منذ منتصف خمسينيات القرن العشرين وحتى الآن.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية