حوارات

البرلمانية المستقلة القيادية بحزب الأمة الفيدرالي “حياة آدم” في أول حوار صحفي بعد استقالتها من المجلس الوطني

ولا أعتقد أن يصمد وزراؤها طويلاً

* حكومة الكفاءات جاءت خالية من الكفاءات مخيبة للآمال !
*توقعت حكومة جديدة مقبولة للشارع وليس بالضرورة أن يكون بيدها عصاة سحرية
* قياديو حزب المؤتمر الوطني لم يكونوا أمينين مع الرئيس وعتّموا على الحقائق حتى أصبحت الأوضاع آيلة للسقوط !

* حزبنا أصدر قراراً بالخروج عن الحكومة ولكن لم يخرج سوى شخصي ورئيس الحزب ، وأصحاب المناصب تشبّثوا بمناصبهم !

حوار : سوسن يس

توالت المشاهد والقرارات بخطى متسارعة ومرت أحداث عديدة من تحت جسر الاحتجاجات التي تفجرت في منتصف ديسمبر الماضي و كان آخرها الإعلان عن ( حكومة الكفاءات ) التي جوبهت بسيل من الانتقادات حيث رأى كثيرون أنها جاءت خالية من الكفاءات مخيبة للتوقعات التي كانت قد ارتفعت سقوفاتها بعد صدور القرارات الخاصة بالطوارئ وحل الحكومة القائمة وفك الارتباط بين السلطة وحزب المؤتمر الوطني، فتوقع الناس حينها الإعلان عن حكومة جديدة قادرة على تهدئة الأوضاع ومجابهة الأزمات التي تواجهها البلاد ..

الأستاذة حياة آدم القيادية بحزب الأمة الفيدرالي الذي أعلن انسحابه من الحكومة في أعقاب تفجر الاحتجاجات الجارية، قدّمت لـ(المجهر السياسي) في هذا الحوار قراءة للمشهد العام وتقييماً للحكومة الجديدة .. كما أجابت عن أسئلتنا حول التضارب الذي كان قد بدا في موقف الحزب بسبب مواقف وتصريحات بعض منسوبي الحزب الذين آثروا التشبث بالاستمرار في الحكومة السابقة على الالتزام بقرار الانسحاب. وبينت موقف الحزب الحقيقي والنهائي من المشاركة ومن الأحداث الجارية .. فإلى مضابط الحوار :

* أستاذة حياة آدم كيف تنظرين من على البعد وأنت الآن خارج السلطة ، للمشهد العام الآن بالبلاد .. ؟

— للأسف الآن لا يمكن لأي إنسان أو كائن من كان أن يقرأ المشهد السياسي للبلاد في ظل هذه الظروف والمعطيات التي أمامنا، لذلك أنا أنظر إليه بمنظار مشوش وضبابية قاتمة جداً ولا يمكن حتى التنبؤ بما قد يحدث بعد نصف ساعة بين مشهد أو آخر؛ ناهيك عن يوم لذلك فالسياسي والمحلل الحصيف لا يدلي بأي تصريح أو قراءة يمكن أن تغيرها وتبدلها أيّ من الظروف المحيطة بالبلاد الآن.

* بعد إعلان حالة الطوارئ وحل الحكومة ، ارتفعت سقوفات التوقعات لدى الكثيرين بتشكيل حكومة جديدة قادرة على إحداث تغيير .. في تقديرك هل الحكومة الجديدة جاءت بحجم التوقعات وما هو رأيك فيها ؟

— أولاً أنا في رأيي وبعد إعلان الطوارئ وغليان الشارع كانت الحكومة محتاجة لمعجزة حقيقة للخروج من هذه المشكلة وتطمين الشعب السوداني الثائر والذي ارتفع سقف مطالبه عالياً حتى وصل مطلبه الأساسي فقط إسقاط الحكومة من خلال انتهاج كلمتين قويتين ( تسقط بس) وكنت أتوقع كما يتوقع الكثيرون غيري أن تأتي حكومة جديدة مقبولة للشارع وليست بالضرورة أن تكون بيدها عصا سحرية، ولكن فقط أن تكون مقبولة لكي يطمئن الشعب بجدية الدولة في إيجاد الحلول وكانت هذه فرصة كبيرة للتخلص من الأحزاب و المحاصصات واعتماد حكومة وطنية ذات مهام خاصة ومحددة لهذه المرحلة، إلا أنه وللأسف تشكلت الحكومة من ذات الشخصيات التي مل الشعب السوداني سماع اسمها أو رؤيتها أمامه ، وأما رأيي فيها فإن المشكلة لا تكمن فقط في الشخصيات والتي أري أنها لا تصلح للمرحلة إطلاقاً ولكن أيضاً هناك مشكلة أخرى ظلت تحاصر أي حكومة تتشكل وهو سوء إدارة الموارد مع الندرة والشح وعدم المصداقية في خدمة مصالح البلاد حيث يغلب الطابع الشخصي أو الحزبي أكثر من الوطني ولا أعتقد أن هناك إنساناً عاقلاً الآن يقبل التكليف بأن يكون وزيراً في ظل هذه الظروف ليتم إعفاؤه بعد شهر أو شهرين، إلا إذا كان يريد فقط أن يكون وزيراً ليقال له سعادة الوزير !
يعني بصراحة يريد فقط التشبث بالكرسي .

* هناك من يرى أنها حكومة مخيبة للآمال و مستفزة للمحتجين .. ويتساءل عن دواعي و مبررات تشكيل حكومة كفاءات تخلو من الكفاءات .. فما هو رأيك ؟

— نعم (بالحيل) فهي كما ذكرت فعلاً حكومة مخيبة للآمال وبالفعل إعلانها استفز المحتجين لذلك نرى الاحتجاجات قد تواصلت وبكثافة أكثر رغم الطوارئ والمحاكم ، أما بالنسبة لتساؤل الشعب أو الناس عن مبررات تشكيل حكومة كفاءات جاءت خالية من الكفاءات، فهو للأسف الخطأ الذي وقع فيه النظام منذ بواكيره بعدم وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب استناداً على فقه التمكين فتعريف الكفاءة (efficiency) في العلوم الإدارية هو فعل الإنسان للأشياء الصحيحة في الوقت الصحيح بالطريقة الصحيحة وليس المقصود بها المؤهلات العلمية بالرغم من أن المؤهلات العلمية مطلوبة ، ولكي يتم أي عمل بفعالية يجب أن ترتبط هذه الكفاءة بالموارد وكيفية استغلالها، وكلما تم تحقيق أي هدف بأقل موارد زادت الكفاءة. لذلك المشكلة هنا قائمة لأن غالبية من أعيد تدويرهم الآن من الوزراء أتيحت لهم هذه الفرصة أكثر من ثلاث مرات ولم يظهروا أي كفاءة وظل الحال كما هو عليه ، وبالتالي لا أعتقد أنهم أهل لهذه المرحلة ولن يصمدوا طويلاً .. لذلك إعادة استوزارهم مرة أخرى خطأ كبير .

* أستاذة “حياة” إذا أوكل المحتجون إليك مهمة كتابة تصور أو تشكيل حكومة كفاءات حقيقية قادرة على إخراج البلاد من نفق الأزمة .. فكيف ستشكلينها ومن من الكفاءات ستختارين فيها ؟

— أولا أتمنى أن لا أجد نفسي يوماً في هذا الموقف، أقلاه في ظل الظروف الراهنة لأنه قد لا يقبل من يتم اختيارهم هذه المهمة الشاقة ولكن قبل الرد عن هذا السؤال، هناك سؤال كان دائماً يدور في رأسي – لماذا لم تحاول الحكومة طيلة هذه السنين اختيار وزراء كفاءات وكان دائماً الاعتماد على وزراء ضعاف يبحثون عن مصالحهم الضيقة ؟ أما الإجابة عن سؤالك فإن هذه المرحلة حقيقة تحتاج إلى كفاءات وطنية جادة لديها خبرات في كل المجالات الأكاديمية والسياسية والاجتماعية والثقافية، و تتمتع بقبول من الجميع وليس بالضرورة أن تكون منتمية لأحزاب مشاركة أو معارضة، أناس لديهم القدرة على العطاء من أجل خدمة شعبهم وبلدهم، لديهم إرادة حقيقية للخروج بالبلد إلى بر الأمان ولديهم علاقات دولية قوية وقنوات مفتوحة مع العالم الخارجي؛ لأن أزمة السودان تربطها مصالح سياسية وصراع دولي كما يجب أن يكون لديهم دعم داخلي قوي من كل مكونات المجتمع هدفهم الأول والأخير خدمة البلد ويتصفون بالنزاهة والأمانة ويحسنون التدبير في إدارة موارد البلاد حسب الأولويات الأهم ثم المهم وتوظيف تلك الموارد بالطريقة المثلى وصرفها بالطريقة الصحيحة وبفعالية، وأهم من كل هذا الابتعاد عن الفساد الإداري والمالي .
* و ما هو تصورك أو ما هي رؤيتك للخروج من الأزمة الراهنة .. ؟
— للخروج من الأزمة الراهنة لابد من إلغاء إعلان الطوارئ ووقف هذه المحاكمات ووقف القمع الذي يمارس ضد المواطنين أولاً.

*ما هو موقف حزبكم (الأمة الفدرالي) مما يحدث الآن بالبلاد ؟
— موقف حزبي الآن مما يحدث تم الإعلان عنه من يوم 26 يناير عند إعلان فض الشراكة بكل مستوياتها التنفيذية والتشريعية مع النظام، وذلك انحيازاً لمطالب الشعب السوداني ولا أعتقد أن حزبي أو غيره بإمكانه وحده معالجة مشكلة البلد الحالية فلابد من تضافر الجهود مع كل الاتجاهات للخروج بالبلد إلى بر الأمان وهذا أيضاً لن يتم ما لم تكن هناك إرادة حقيقية لكل الأطراف وهذه المشكلة يجب أن لا ينظر إليها الناس بأن حلها سيأتي من الخارج أبداً لأن حلها داخلي ولأننا دولة لديها موارد عظيمة لم نقم باستغلالها استغلالاً أمثل فتولدت أطماع داخلية وخارجية من نهب لثروات البلاد من أفراد في غياب قانون رادع فوق الجميع يحاسب كل من يفسد كما أن هناك أطماعاً دولية لدول بعينها مستفيدة من النظام الحالي وفقاً للاتفاقيات التي أبرمت بينهم لذلك، ترى في رحيل هذا النظام تبدد جميع آمالها بجانب الصراع الداخلي الذي يعيشه حزب المؤتمر الوطني مع نفسه والمشاكل الشخصية لبعض منسوبيه من الشخصيات البارزة والجماعات التي تتبع لها وفي النهاية جميعها صراعات مصالح أدت وتؤدي إلى انهيار الدولة.
* تصريحات حزبكم ومواقفه بخصوص الانسحاب من الحكومة جاءت متضاربة ، فقد أعلنتم الخروج من المشاركة في حين استمر أعضاء حزبكم في الحكومة،
ثم انسحبت أنت “حياة آدم” بصفة شخصية من المشاركة في الجهاز التشريعي ..
ما هو الموقف الحقيقي والنهائي للحزب ؟
— كان من المفترض بعد قرار المكتب القيادي للحزب أن يمتثل الجميع لأوامر الحزب، ولكن تمسك كل من لديه منصب سواء كان تنفيذياً أو تشريعياً ولم يلتزم بالقرار إلا شخصي ورئيس الحزب وآخرين. وبالتالي أنا لم أنسحب بصفتي الشخصية وإنما بصفتي الحزبية وبناء على قرار المكتب القيادي للحزب بفض الشراكة عوضاً عن رفضي التام لما يحدث في البلاد ومواقفي المعروفة للجميع داخل البرلمان ورفضي لكل ما هو مضر وغير ذي جدوى ولا يصب في مصلحة الشعب السوداني علاوة على عدم تفاعل البرلمان مع قضايا الشعب الذي فوضه واتباع سياسة تمرير القوانين بالأغلبية الميكانيكية ترهيباً وترغيباً للأحزاب الأخرى في بعض الأحيان ، وللأمانة أنا لا تهمني كثيراً المناصب ولا أمتهنها أو أعيش عليها وكرسي البرلمان الذي أجلس عليه أنا لم آت به من بيتي، إنما هو مقعد خاص بحزب الأمة الفيدرالي وأخلاقي ومبادئي في الحياة تحتم عليّ أن أتصرف بهذه الطريقة لذلك كان لابد من انسحابي ولو كان التزم الجميع بالقرار لتبعتنا أحزاب أخرى و لربما قد غير النظام حينها طريقته ولربما قبل الشارع حينها بالتسويات التي قد تنشأ في ذلك الوقت .
* خطاب الطوارئ الشهير كان قد اشتمل على عدد من القرارات .. أبرزها كان القرار الخاص بخروج الرئيس من حزب المؤتمر الوطني و إبعاد الحركة الإسلامية من دائرة الحكم .. كيف قرأت هذا القرار ؟
— أولاً قبل أن أشير إلى خطاب الطوارئ أود أن أؤكد أن الرئيس بشر مثل كل الناس يخطئ ويصيب، ولكن أعضاء حزبه خاصة الذين يتولون مناصب قيادية لم يكونوا أمينين معه البتة وإلا لما آلت الدولة إلى السقوط ، فهم يعتمون عنه الحقائق بافتراض محبة الشعب له وأنه رئيس مثالي و أن الدولة في أحسن حالاتها في حين أن هذا غير صحيح وفي الغالب أنهم كانوا يهابونه ويرتعبون منه خوفاً ورهبة من الإقصاء عن المناصب القيادية لأنهم أناس همهم الأول والأخير هذا الكرسي اللعين لذلك صار للأسف كل قيادي يحاول تجييش ضعاف النفوس من حوله لضمان بقائه لمدة أطول، وبالتالي تتوالى هذه الحلقات الضعيفة وبها كم هائل من المستضعفين والمؤلفة قلوبهم قليلي العطاء، مما أدى إلى إضعاف الوطني كحزب وبالتالي إضعاف النظام تدريجياً إلى أن آل إلى السقوط .. أما بخصوص خطاب الطوارئ فكان بالإمكان أن يكون خطاباً قوياً لو تم تنفيذ قراراته بجدية دون تحويله لآلية لقمع الاحتجاجات وتكميم الأفواه وسلب الحريات ومحاكمة المحتجين والبطش بهم .. فإذا كان السيد الرئيس التزم حقيقة بقراره بفك الارتباط عن الوطني والحركة الإسلامية وأحزاب التوالي وإبعاد عناصرهم عن الحكم واعتماد حكومة وطنية قومية، وأصبح بالتالي رئيساً لكل السودانيين بكل صدق لما شهدنا هذه الاحتجاجات ولنال احترام جميع الشعب السوداني، وبالذات إذا قام بتطبيق الجزئية الخاصة بمحاربة الفساد والمفسدين دون الالتفات لأحد، جاعلاً من القانون سيداً على الجميع. وهذه كانت فرصة ذهبية للتخلص من الجميع وإعادة هيكلة كل المؤسسات لينتهي بذلك نظام المحاصصات والترضيات التي لم تخدم الشعب والدولة في أي شيء فقط أنتجت انتهازيين بلا ضمير تكالبوا على البلاد وبددوا ثرواتها ولكن الآن مع وجود ضغط عال من كل الاتجاهات معارضة داخلية وخارجية وأحزاب متشظية ضعيفة تعتمد على أمزجة فردية غير قادرة على العطاء ومجتمع دولي وإقليمي اتخذ أعضاؤه من مقاعد الفرجة المجانية أماكن له كل يبحث عن مصالحه في انتظار الفرصة الذهبية للانقضاض ، مع اقتصاد منهار وشعب ثائر لا يقبل بأي طرف من الأطراف، رافعاً سقف مطالبه عالياً بمطلب وحيد وأساسي هو تنحي النظام بكل مكوناته متخذاً من ذلك شعاراً واحداً (تسقط بس) .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية