الإسلاميون..صناعة وتجديد الموديلات السياسية!!
تطوير الفعل السياسي سُنة مؤكدة في مفكرة الفصيل الإسلامي.
الانعتاق من الجمود والتحرك نحو التبادل السلمي الحُر للسُلطة!!
حكومة أيلا في مواجهة العاصفة!!
*وقف المسؤول الكبير يومذاك على الطرف القصي من المدينة الكبيرة، وهو يستعرض تشكيلات ضخمة من المجندين الذين تلقوا تدريبات عسكرية عالية، رسمت على وجوههم (صرامة مثيرة).. ولحظتها يسأله (الصحفي) عن هوية ذاك الحشد الممتليء حماسا وحيوية؟!، فيرد المسؤول قائلاً: (هم أبناء السودان وجزء من المظلة العسكرية الكلية التي يجري تشييدها لحراسة سيادة وأمان السودان وإرادة شعبه).. الصحفي يعلق بقوله: (إن كان هذا جزء من كل فكيف يكون الكل؟!)…!!
بعد مضي سنوات تكتمل عدة طوابق من (معمار) السيادة والأمن في إطار المشروع الوطني الكبير الذي يضمن لشعب السودان بسط (إرادته وحريته) فوق تراب وطنه وبين يديه دينه الإسلامي زاداً لا ينضب وقناعة لا تهتز!!
التجديد والتطوير لكل أنشطة الحياة يمثل (سُنة مؤكدة) من سُنن العمل العام عند الإسلاميين (وبناء القوة) يجيء ضمن منظومة صناعة الدولة السودانية الحديثة، وما نراه من طفرات في الخدمات العامة من صحة وتعليم واتصالات وبسط حُرية الأنشطة الاقتصادية والسياسية والثقافية والإعلامية، يعبر تعبيراً صادقاً عن (ديناميكية التفكير) لدى الإسلاميين، فالهم العام عندهم يطغي على ما عداه، وقد بذلوا كما قلنا من قبل، تضحيات جسام في سبيل ترسيخ المشروع الوطني وحراسة إرادة الأمة ومافتيء وماانفك (الثمن باهظاً) بذلوه لوجه الله، ولم يمتنوا على أحد ولم يطلبوا مدحاً ولا أهازيج صاخبة!!
*تطورات الراهن الوطني، لم تكن مباغتة للإسلاميين كما يظن البعض، بل هي متوقعة كمظهر ملازم للانفراج السياسي الكبير الذي بدأ مع دستور ١٩٩٨ واتسع أكثر مع انتظام الحوار الوطني الشامل، الذي يعتبر تطوراً طبيعياً لحوارات السنوات الأولى للحُكم حول مختلف قضايا وهموم الوطن وما تلاها من مفاوضات واتفاقيات السلام.. إذاً فإن مسيرة الحُكم كلها كانت (تجاوباً) مع نبض الشارع الوطني و(انسجاماً) مع تطلعات الشعب، ولم تكن (تكريساً) لسُلطة قابضة متعسفة وإلا لما كان هذا (التنازل) المستمر عن المواقع العليا لصالح آخرين اختاروا الشراكة في الحُكم!!
من الطبيعي أن تكون هنالك أخطاء وتجاوزات وإخفاقات خلال مسيرة الحُكم، فهذا شيء وارد الحدوث في مسيرة العمل العام والحكومات فليس كل الناس ملائكة أطهار، ولابد أن يحوي قفص الفاكهة حبات معطوبة.. والآن هاهم الإسلاميون يطرحون (نموذجاً جديداً) لإدارة السودان طابعه التنافس الحُر عبر صناديق الانتخابات وصولاً لمبدأ التداول السلمي للسُلطة، والآن أصبحت المسافة بينهم وبين الإدارة العليا للدولة، مساوية للمسافة بينها وبين الأحزاب والتنظيمات الأخرى!!
*الإسلاميون يقبلون (طواعية) وليس (كراهة)، بالانتقال لمرحلة جديدة مختلفة وبكامل وعيهم وإدراكهم ومسؤوليتهم الوطنية، وقد تزينوا لها بمفاهيم وأفكار جديدة متطورة تتواءم معها وتؤهلهم لخوض غمار المنافسة الحُرة نحو كرسي السُلطة.. لقد صارعوا وحدهم لترسيخ المشروع الوطني وحانت ساعة اختبار الآخرين ومعرفة مدى تحملهم للمشي فوق جمر الهموم الوطنية!!
حكومة أيلا في مواجهة العاصفة
*الدعاية الكثيفة لأي قادم جديد، سلاح ذو حدين فإما صدقت وأقنعت المتلقين وإما أخفقت وأصبتهم بالإحباط، وفي هذه الحالة يكون مصدر الدعاية هو (المتضرر الأول).. والشواهد والأمثلة كثيرة، فالحرب الكونية على ما يُسمى (الإرهاب) افتضح أمرها حينما علمت كل شعوب العالم أنها تستهدف أول ما تستهدف (الإسلام والمسلمين) وليس أدل على ذلك من جعل بلاد المسلمين ميدانها الأول، مع صرف النظر عن أي إرهاب حقيقي موجه ضد الإسلام والمسلمين..
الحرب التي حركتها أمريكا ومن حالفوها لتدمير ما سُمي (بأسلحة الدمار الشامل العراقية)، انكشف أمرها وفهم العالم أنها مجرد (أكذوبة) تخفي خلفها مؤامرة تدمير قدرات العراق لصالح ما يُسمى بأمن إسرائيل!!
*مجلس حقوق الإنسان الذي ينعقد بين الحين والآخر في جنيف، لا يعبر عن (اللافتة النبيلة) التي يرفعها، بل هو في كثير من الأحيان يعمل بانتقائية مفضوحة!!
حكومة السيد محمد طاهر أيلا التي أعلنت مساء الأربعاء المنصرم، يمكن
وصفها بأنها (مولود الدعاية الإعلامية)،تزينت بكريماتها وخرجت بها على
الناس ،فأصابتهم بالصدمة،إذ هي لا تحمل جديداً يذكر غير كونها (الخليفة )
لأخرى سبقتها وتحمل ذات الملامح والشبه..أما أن تكون هي الحكومة (المدهشة
بامتياز) وكاملة الدسم وفي أعلى مراتب الكفاءة، كما قيل قبل مجيئها، فهذا
بالطبع لم يكن، بل الصحيح أنها بنيت على المحاصصة ونقل البعض من مواقع
سابقة لأخرى جديدة، ما يعني أن التجديد الكامل المعلن والمرجو في الأشخاص
تم حذفه لحين إشعار آخر….!!
*الصدمة تعبر عن (أشواق مخفية) …لعهد ذهبي مضى كما قلنا من قبل،كان
الأداء العام فيه يرى كضوء الشمس. وقد تكفلت به (ثلة) من الأفراد اجتمعت
عندهم الكثير من ميزات (الإدارة الناجحة) وطرائق الإبداع المثيرة
والمنتجة حتى غدت مثل (النبع العذب) الذي لا ينضب، بل يخرج يومياً المزيد
من الأفعال الرفيعة التي لا تعرف المستحيل…
إذاً ، من هنا بمكن القول إن سنوات الحكم الأولى التي عبرت بالسودان نحو
العافية الوطنية ومنحته حق أن يجد مكانه وسط دول العالم، ترسخت في أذهان
الرأي العام السوداني،وأصبحت نموذجاً للقيادة المطلوبة لإدارة البلد، فكل
فعل جميل يبقى في ذاكرة الشعب وتمشي به الألسن ،تماماً كما يتحدث الناس
الآن بإعجاب عن أنظمة سبقت، رغم ما كان في يوم من الأيام من (سخط وبغض)
ضدها تراكم مع السنين فأسقطها من عروشها…فهذا هو الحال اليوم ،فرغم
الدعوات والتظاهر لإسقاط النظام،إلا أن ما يعتمل داخل نفوس الكثيرين، هو
أن يعود العمل العام للدولة كما كان في السنوات الأولى للحكم ،حينما كان
تمزيق فواتير السكر والقمح والعدس وبعض المستوردات ،ممكناً ناهيك عن تلك
(التضحيات) من أجل ترسيخ الأمن والسلام وحفظ سيادة البلد ،وغير ذلك من
(عبقرية) تمثلت في إدارة الحروب والاقتصاد الهزيل لاقتصاد، والإنتاج
بميزانية لم تتجاوز (المليار دولار) …فكل هذا الجهد الحكومي في الزمن
الصعب هو الذي يدخل الآن حكومة “أيلا” في امتحان صعب!!
عندما يسخط البعض ويسخرون من تشكيلة الحكومة،فهم في واقع الحال لا يبخسون
القادمين أشياءهم ولا أشخاصهم،بل الصحيح أنهم ينطلقون من (إشفاق) على
البلد ،ويرون أن الكثير من الأسماء التي حملها التشكيل الوزاري، غير
معروفين كأشخاص أو كسابق خبرات ،ويرون أن التشكيل جاء مستعجلاً وأن الظرف
الحرج الذي يحاصر الوطن ،كان يتطلب المزيد من التروي والتشاور حول من
تسند إليهم الحقائب الوزارية، لنضمن قيادات في حجم المسؤولية
الصعبة…وقد بدأ الأمر وسط قطاعات واسعة من الرأي العام ،وكأنه ملء.
فراغات وليس جذب كفاءات لها وقع ورنين!!*كابينة صناعة القرار، تعلم أن
هنالك رموزاً وقيادات قادوا العمل العام من قبل ومازالوا قادرين على
العطاء الثر، وكان من الممكن أن يكونوا داخل التشكيل الوزاري؛ ليس كأمر
مظهري، بل من أجل العبور بالسودان من هذه المرحلة الحرجة بما لديهم من
خبرات كبيرة وعلاقات خارجية، قادرة على حسم الكثير من الملفات الشائكة…
فهل يا ترى تستطيع ذلك حكومة “أيلا” أم نعود من جديد للتفكير في بديل حكومي
آخر أو على الأقل تغيير بعض الوجوه؟!