الفولة الدامية!!
{ قبل إعلان عودة ولايات غرب كردفان بأيام معدودة، اختارت الفولة أن تصبغ وجهها بلون الدم وتقتل فلذات كبدها في رابعة النهار، حينما أصبح المواطن أقوى من الدولة، والولاء والعصبية للقبلية فوق الولاء للوطن وترابه!!
وحينما تتراكم أخطاء الدولة بتساهلها وغضها الطرف عن حمل السلاح، وامتلاك حتى أحدث ما تستخدمه الجيوش لأفراد ومجموعات، فإن النتيجة لا تقل بشاعة عن الذي حدث في الفولة أمس الأول من قتل وحرق وسحل وسط القبيلة الواحدة والعشيرة وأبناء العمومة!!
{ لماذا اندلعت المعركة بين بطون المسيرية بهذه الضراوة والوحشية في القتل؟.. هذا السؤال يجيب عنه البعض تبعاً لموقعه من الحدث السياسي، يستثمر حتى في جثث القتلى، والشريك في الحادث يبرر سلوكه بإدانة الآخر.. ولكن تبقى الحقيقة، وهي ابنة الضوء والنهار لا الليل والظلام.. إن أسباب الأحداث الحقيقية مغانم الدنيا والطمع في الثروة ومال البترول، الذي صدق من وصفه باللعنة.. ويكفي النفط أنه قسّم السودان إلى دولتين، وفرّق بين بطون القبيلة الواحدة إلى فئتين تقاتل بعضها البعض..
وتعود أسباب النزاع إلى تعويضات البترول، حيث يقيم في مناطق إنتاج البترول أحد بطون المسيرية منذ نحو ثلاثين عاماً.. حيث وفد هذا البطن أو الفرع من شرق المنطقة بسبب نزاع بين أبناء عمومة، وتبعاً للأعراف والتقاليد المجتمعية قررت الإدارة الأهلية في سبعينيات القرن الماضي ترحيل المجموعة المعتدية إلى خارج حدود كردفان غرباً إلى دارفور.. ولكن زعماء محليين من المسيرية (الفلايتة) قرروا استضافة المجموعة للحيلولة دون ترحيلهم إلى خارج حدود كردفان، ومنذ ذلك الحين (تساكنوا) وتعايشوا كأبناء عمومة في صفاء وود وتراحم حتى هبطت من السماء ثروة البترول وطالب السكان بنصيبهم من البترول كتعويضات عن المزارع والمراعي، ومنحتهم الدولة تعويضاً.. ولكن التعويض ذهب إلى غير أصحاب الأرض (فاشتجر) الطرفان، وسالت دماء، وعُقدت مؤتمرات للصلح، ولكن جميعها فشلت بسبب عجز الدولة عن إلقاء القبض على الجناة الذين قتلوا أنفساً بغير حق.. وأهملت الحكومة الولائية والحكومة الاتحادية ملف المصالحة والديات والتعويضات حتى انفجرت الأحداث الدامية قبل أسبوعين، بتبادل الاغتيالات والترصد حتى بلغت الأحداث مرحلة التصفيات داخل مدينة الفولة، والتخريب الذي طال منازل حتى الدستوريين مثل معتمد لقاوة.. ووجد مولانا “أحمد هارون” والي جنوب كردفان نفسه في مواجهة جبهة جديدة في قلب غرب كردفان ووسط العاصمة الفولة، لتصرفه عن جبهة قتال أخرى مع متمردي قطاع الشمال، حيث تخوض القوات المسلحة معركة تأمين مدينتي كادوقلي والدلنج.
{ أحداث الفولة الدامية تمثل إضافة أخرى لفشل الحكم اللا مركزي، فإذا كانت الصراعات القبلية تتجاوز القرى والفرقان وتنال من قلب عاصمة الولاية المرتقبة.. فماذا حقق الحكم اللا مركزي للسودان؟؟ وهل انفجار القتال العنيف بهذه البشاعة لا يستدعى تدخلاً من الحكومة الاتحادية؟ متى يتدخل المركز لإعادة الطمأنينة إلى نفوس بريئة وقد أزهقت الأرواح، وحتى كتابة هذه السطور تعذّر إحصاء الجرحى والقتلى بعد أن تمدد القتال خارج مدينة الفولة إلى القرى والفرقان.. وتقرأ الخرطوم أرقام الضحايا والأفواه (تمضغ) اللبان والموسيقى والأغاني تشنف الآذان، والحزن والدموع تجف من مقل ضحايا صراع الذات وقطع الأطراف.. وقد نهض الدكتور “عيسى بشرى” وزير العلوم والاتصالات بمحاولات لرتق الفتق ووقف نزيف الدم.. كما سارع مولانا “هارون” إلى مسرح الأحداث منذ اليوم الأول.. ولكن الجرح عميق، والأحداث كبيرة، والمصيبة قادمة إن لم تتداركها الدولة!!