الديوان

عادة قديمة تصمد أمام موجات الحداثة!!

التطير عادة قديمة، لكنها ما زالت متأصلة لدى كثير من الشعوب، فالتطير الذي ينجم عنه التشاؤم، مبدأ وحالة نفسية يعتنقها الكثيرون في كل أنحاء العالم، وكذلك يفعل عدد مقدر من السودانيين الذين يصرون عليه ويولونه عناية فائقة، ولا يتنازلون عنه أبداً، أصبح كالدفة التي تتحكم في مجريات حياتهم، يوجهها كيفما شاء كبار العائلة، الذين درجوا على التشاؤم والتطير من أشياء بعينها، اتفقوا عليها جميعاً مثقفهم وجاهلهم، ولم تستطع التقنية والعولمة دك حصونها. وفي الغالب، فإن التشاؤم تعاني منه السيدات ويشاركهن بعض الرجال هذه الخزعبلات، والدليل على ذلك الإقبال الشديد على صفحة الأبراج التي تحظى بمتابعة كبيرة في الصحف، ويبني عليها كثيرون ترتيب يومهم، إما أن تصيبهم كارثة أو خبر سار، وهكذا تهيؤات وتنبؤات.
مصائر الناس في أوكار الطير 
وعادة التطير بحسب التاريخ القديم، هي عادة موغلة في القدم، استخدمها أعداء الأنبياء والرسل في رد دعوة الحق والهدى بدعوة أنها سبب لحلول المصائب والبلايا، وملخصها أن المشرك إذا أراد السفر بكَّر إلى أوكار الطير فهيجها، فإن ذهبت عن يمينه تيمن واستبشر ومضى في سفره، وإن ذهبت عن شماله رده ذلك عن إمضاء أمره، ولاحقاً أطلق اللفظ على كل أمر يتوهم أنه سبب لجلب الشرور، وأصبح التشاؤم يلتصق بعدد من الأمور، كالتشاؤم من أيام بعينها أو أرقام وغيرها، وها نحن نحاول إيراد بعضها ما استطعنا:
 الحاجة “أم سلمى علي” أقرت بأنهم كانوا وما زالوا يتشاءمون من بعض الأشياء رسخت تماماً في أذهانهم، ولا يمكن التراجع عنها لأن شواهد ومواقف كثيرة حدثت لهم وفقاً لترك هذه الأشياء (حسب اعتقادها) ،مضيفة (دي عادات أهلنا ورثناها عنهم أباً عن جد عيب نتخلى عنها)، ومن هذه الأشياء التي يتطيرون منها مثلاً عقد القران في أيام بعينها على اعتبار أنها نذير شؤم عليهم، وقد تفضي إلى كارثة حتى لو بعد سنة من ذلك، كذلك فإنهم يخشون (رفة العين) الشمال أعلى الجفن، لأنها تنبئهم بوفاة أحدهم أو حدوث مكروه لهم، لذا بمجرد حدوث ذلك يرددون (اللهم أجعله خيراً)، لكنهم يعتقدون في (رفة اليمين) جلب الخير وسماع البشريات.
ومنه ما طفش العرسان
وزادت على ذلك الخالة “رقية محمدين”، قائلة: إنهن كن في عهدهن، خاصة في مسألة (النفاس يخضعن (النفساء) إلى طقوس قاسية لا تقل عن تلك التي تمارس على الأرملة في حبسها)، فقد كانت توضع في (الكُجرة)، وهي حجاب من قماش مثل (الهودج أو الناموسية)، يحيط بسريرها فيحجبها عن رؤية من هم حولها، ويمنع دخول أي شخص شاهد جنازة للتو إليها، وأن لا تكشف عن رأسها مطلقاً خشية أن يتسرب إليه الهواء، فيؤثر على صحتها – بحسب الاعتقاد السائد – وتلبس خاتم (جنيه) طيلة (40) يوماً تمنع خلالها من الثرثرة. أما الأرملة، فقد كان يضرب عليها سياجاً منيعاً من الممنوعات منها على سبيل المثال، إنه إذا أزف الغروب عليها أن تيمم وجهها شطر الحائط ولا تتحدث، وأن تلتزم وجهة بعينها، واستطردت الخالة “رقية” أن الأخيرة ما زالت باقية، بيد أن كثيراً من العادات تم إسقاطها بعد أن وعى الناس عدم جدواها.
أما الطالبة “سمر عثمان” قالت بحسرة إنها عادات متخلفة، حيث تسببت في فسخ خطبتها من الشخص الذي أحبته وما زالت حتى اللحظة تسعى لإعادته، وكشفت “سمر” عن أنه وبعد إكمالها كافة الاستعدادات هي وخطيبها وشروعهما في إتمام الزيجة، وقام خطيبها وأهله بتحديد يوم العقد، تنصلت والدتها منه بحجة أنه يوافق شهر (الوحيد) وهذا ما لا يمكن أبداً، ومن أجل عيوني وافق خطيبي بعد أن لاقى صعوبة في إقناع أهله الذين حضر بعضهم من الخارج، وفي المرة الثانية ونسبة لحضور شقيقات خطيبي لحضور المناسبة مستفيدين من عطلة العيد، رفضت والدتي مجدداً بحجة أنها لا يمكن إتمام الزواج بين العيدين، فما كان من خطيبي وأهله إلا أن رفضوا الزواج مني وفسخوا الخطبة.
من أحاديث العلماء
وفي أحاديث العلماء عن التطير، قال بعضهم إن من تشاءم بمرئي أو مسموع كأن سمع خبراً غير سار، فرجع بسببه عن سفر أو تجارة، فقد برئ من التوكل على الله سبحانه وتعالى، وقد أُمر المؤمن بحسن الظن بالله تعالى والتوكل عليه فهو حسبه، وذلك لقوله تعالى (إن الله يحب المتوكلين) مستشهدين بعدد الأمم التي تضررت وخسرت بلادهم وتجارتهم ودورهم بسبب التطير، حيث وصل التطير عند البعض، بأن قسموا الأيام والساعات إلى أيام نحس وأيام سعود، بل ادعوا أن القرآن أرشد إلى مثل هذه المقولة بقوله تعالى في وصف العذاب الذي نزل بقوم عاد (فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات). وأضافت الدراسات الإسلامية أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) وقف من عادة التطير موقفاً حاسماً ونفى وجود أي تأثير لحركة الطير في فعل الإنسان سلباً أو إيجاباً، فقال عليه أفضل الصلوات (لا طيرة) أي لا حقيقة لما يعتقده المشركون من أن لحركة الطير تأثيراً، فكل ذلك من خرافات الجاهلية وأوهامها)، وقال أيضاً (من ردته الطيرة عن حاجة فقد أشرك).

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية