تقارير

وصفه المراقبون بالتمثيلية: فك الارتباط… زرع ألغام جديدة في طريق السلام

يبلغ تعداد الفرقتين التاسعة والعاشرة(54) ألف جندي،وكان يُفترض أن يتزامن مع انسحاب الجيش السوداني من الجنوب، انسحاب الجيش الشعبي من الشمال،إلا أن ذلك لم يتم،وظلت حكومة الجنوب طيلة هذه الفترة تتحدث عن أن قضية قطاع الشمال والفرقتين مشكلة داخلية تخص حكومة الشمال،وفي خطوة مفاجئة التزم رئيس دولة الجنوب بفك ارتباط الفرقتين التاسعة والعاشرة وكان عضو وفد السودان في مفاوضات أديس أبابا الدكتور “سيد الخطيب”قال في مؤتمر صحفي عقب عودة الرئيس عمر البشير، ووفده بمطار الخرطوم أول أمس، إن رئيس حكومة الجنوب سلفا كير ميارديت تعهد للآلية الأفريقية بالتزام مكتوب بشأن الإجراءات التي تمت لفك الارتباط مع قطاع الشمال.
وأشار”الخطيب” إلى أن الرئيس “سلفا كير” أكد في اجتماع بحضور الرئيس “عمر البشير” ورعاة الاتفاقية، أن ما أصدره من قرارات بـ”فك الارتباط” بين قطاع الشمال والجيش الشعبي موضع التنفيذ، وأنه التزام من حكومة الجنوب بأن تقدم الأمر مكتوباً في خطاب رسمي للجنة الأفريقية، وأوضح أن الرئيسين اتفقا على أنّه في حال وجود شكاوي أو ملاحظات أو تحفظات سيحال الملف للآلية الأمنية المشتركة.
إلا أن مراقبين يرون أن مسألة فك الارتباط  ستكون مجرد حبر على ورق على  أرض الواقع،فبالنسبة للمسائل العسكرية والأمنية حسب رؤيتهم توجد حسابات أخرى ديمغرافية وجغرافية وجيوسياسية وأمنية تعمل على فرض وقائع معينة على الأرض،لا تلبي تطلعات الساسة وصانعي القرار، ومن ناحية أخرى فإن هذه المسألة خاصة لها وقائع غير مرئية وتحتاج إلى إثباتات لتدعم إدعاء طرف ضد الآخر بأنه يدعم مقاتلي الفرقتين بطريقة أو بأخرى، كما أن ضيق الأفق الإستراتيجي يمكن أن يعمي بصيرة صانع القرار لتصبح حساباته غير دقيقة ويمكن أن تفضي إلى عواقب كارثية.
وفقاً للخبير الأمني العميد أمن “م” “حسن بيومي” فإن مشكلة الفرقتين التاسعة والعاشرة بالجيش الشعبي لتحرير السودان-قطاع الشمال حدث بها خطأ استراتيجي حينما لم يتم ضم الفرقتين إلى قمة أديس أبابا والمفاوضات،وذلك لأن التفاوض جمع طرفين أساسيين هما الحكومة السودانية في الشمال وحكومة الجنوب، دون أن ينضم إليهما الطرف الثالث فالمهم هنا كان ضم الفرقتين العسكريتين التاسعة والعاشرة كطرف ثالث كان يجب ضمه وحلحلة المشكلة معه كطرف أساسي في هذه  القضية، ويقول “بيومي” إن الطرف القوي هنا هما الفرقتان،باعتبار أن مقاتليهما يحملون السلاح ويهددون الطرفين في الشمال والجنوب، وبالتالي لابد من الاتفاق معهما، وبالأخير يرى الخبير الأمني أن اتفاقية قمة أديس أبابا الأخيرة  ما هي إلا “تمثيلية” قام بها الطرفان الشمالي والجنوبي، خوفاً من وقوعهما تحت طائلة العقوبات الدولية، واصفاً ما حدث بـ”كبري عبور”،ويشير إلى عدم قبول عسكريي الفرقتين التاسعة والعاشرة بما صدر عن التزام “سلفا كير” بتقديم خطاب رسمي حول “فك الارتباط” للجيش الشعبي بجنوب كردفان والنيل الأزرق، حيث لن يقبل المقاتلون هناك بهذا الواقع، والنتيجة ستكون تفجر الأوضاع أكثر فأكثر وبصفة خاصة في الجنوب هذه المرة، والسبب هو إحساس هؤلاء المقاتلين المحترفين بأنّه تم الغدر بهم من طرف حكومة الجنوب، وبالتالي سيشكلون خطرًا عليها،ويستغرب “بيومي” أن تتم حلحلة القضايا بإضافة مشكلة أخرى جديدة، مع العلم بأن القمة نفسها كما يقول جاءت وفقاً لضغوط اقتصادية داخلية، وما حدث في هذا الأمر يعتبر خطأ إستراتيجياً،والخشية أن يبقى زمام المبادرة بيد هؤلاء المقاتلين، بدلاً من الحل السياسي الذي كان يفترض أن تقوم به القيادات السياسية بين البلدين، بحيث يتم دمج مقاتلي الفرقتين في الحياة المحلية في مناطقهم، خاصة بعد تعلية خزان الروصيرص الذي  يوفر أراضي زراعية خصبة كبيرة، ويمكن من خلال تمويل توفره دولة الجنوب أن يقوم هؤلاء المقاتلون المدمجون  بالزراعة فيما تقوم حكومة الشمال بشراء المنتجات وحل القضية من جذورها، ولكن يبقى الفشل السياسي قائمًا هنا لقضية أمنية خطيرة، ويذكر العميد “بيومي” أن مقاتلي الجيش الشعبي هم من حارب الجيش السوداني،وهم موجودون في مناطقه التي يعرفونها جيدًا،وبالتالي سيحيلونها إلى منطقة حرب عصابات حقيقية،ولن يقتصر الأمر على ذلك، بل سيتعداه إلى قيام مقاتلي الفرقتين باستهداف وتخريب منشآت البترول التي ستصبح أهدافًا مشروعة لهم، وفي هذه الحالة يمكن لدول خارجية أن تمدهم بالمال والسلاح، وبالنتيجة فإن اتّفاق الرئيسين زرع ألغاماً “ستنفجر في وجه حكومتي الشمال والجنوب، وسيحيل المناطق هناك إلى كتل من الحرائق.
وفي السياق يقول المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بروفيسور “الطيب زين العابدين” إن  حكومة الجنوب كانت تؤكد دائمًا أنها “فكت الارتباط” بالفرقتين، في حين تؤكد الحكومة هنا أن ذلك لم يحدث، ويعتبر أنه لا جديد فيما أعلن عنه بالأمس حول الاتفاقيات باستثناء مصفوفة الآلية الأفريقية الجديدة، ويشير إلى أن حكومة الجنوب تعاملت مع الفرقتين باعتبار أن هؤلاء المقاتلين إنما هم شماليون، وبالتالي فهم يعيشون في بلدهم، وفك الارتباط كما هو معروف يعني ألا يتم إيواء فصيل مسلح ضد الدولة الأخرى،وظلت حكومة الشمال تتطلع إلى أن يقوم الجنوب بنزع السلاح من الفرقتين الشماليتين، في حين أن الاتفاقية لم تنص على ذلك الأمر، والجنوبيون كانوا يقولون إنّهم لن يذهبوا إلى الشمال ويقوموا بنزع سلاح هؤلاء المقاتلين، باعتبارهم شماليين، ويرى “زين العابدين” أن تأكيدات الرئيس “سلفا كير” لا يمكن الاطمئنان إليها مع أنه قدم تأكيدات أقوى هذه المرة حتى لا يدعم ضباطه مقاتلي الفرقتين، ولكن تبقى المشكلة في التزام الرتب الأقل منه .ويرى مدير مركز الدراسات السودانية الدولية بجامعة الزعيم الأزهري د.”آدم محمد أحمد” أن تمسك الحكومة السودانية بمسألة “فك الارتباط” مع الفرقتين التاسعة والعاشرة لا معنى له،ويشير إلى أنّ مسائل الدعم المالي لمثل هذه الفصائل العسكرية لا يمكن معرفته، ويعتبر أن فك الارتباط من قبل الجنوب يعتبر مجرد استهلاك إعلامي.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية