الديوان

في بازار (البرنس) بسوق أم درمان… رائحة التحنيط في غابات المهوقني!!

اللافت في (دكان) العم “عبد الرحمن إسماعيل” الشهير بـ”البرنس”، والذي يحتل حيزاً في قلب سوق أم درمان احتشاده بالأناتيك والأشياء القديمة التي أضحت نادرة جداً، لا يمكن الحصول عليها بسهولة في الأسواق الراهنة، حيث نجد في بازار “البرنس” كل تفاصيل الماضي وعبقه جنباً إلى جنب قطع التحف والديكور والتراث الأصيل.
ضربة البداية
يقول “البرنس”، إنه افتتح دكانه في بداية الثمانينيات، حين تحولت هوايته في جمع المقتنيات القديمة والأناتيك المختلفة والمناظر والرسوم التي تحمل دلالات ثقافية ومعرفية إلى (بيزنس)، ويمضي “البرنس” قائلاً: زمان البلد دي كان فيها الكثير من الأجانب مثل الأتراك والانجليز والمصريين والإغريق (اليونانيين)، وهؤلاء جاءوا إبان الاستعمار حاملين ثقافاتهم ومقتنياتهم، واستطرد: دكاني هذا يعتبر إرثاً للثقافات القومية والأوروبية والآسيوية كافة، بجانب التراث السوداني المصنوع من السعف والجلود والنحاس والتحف المشغولة بالخزف وبعض الأحجار الكريمة والتماسيح المحنطة ورحط العرائس الذي كن يرقصن به يوم العرس.
“توت عنخ آمون” في أم درمان
ويضم دكان العم “البرنس” أعمال النحت والتقليد لتماثيل أشهر ملوك مصر أمثال (توت عنخ أمون، نفرتيتي، والإله آمون رع)، إضافة إلى مصنوعات الجلود السودانية كالهدايا التراثية منها المحافظ والشنط والأحذية التي هي من جلود النمور والتماسيح والماعز، بجانب منحوتات العاج ولوحات مختلفة لغابات المهوقني والسنط المنتشرة في دولة جنوب السودان وكينيا وأوغندا، إضافة إلى ذلك الأناتيك التي ترجع إلى الحضارات الإسلامية والفرعونية، فضلاً عن المقتنيات النوبية المدهشة والدارفورية الفريدة، كما لاحظنا إكسسوارات نسائية مختلفة من حجول وأساور.
أرى خلاخيل النساء تجول
وفي هذا السياق قال “البرنس” إن السودانيات قديماً كن يتزين بالحجول والأساور المصنعة من النحاس فقط، أما تلك المصنوعة من الذهب والفضة، فقد وفدت إلينا قريباً، واستطرد: كثير من النسوة يأتين إليّ لاقتناء الحجول النحاسية بجانب (المحافض) التي كانت الحبوبات يستخدمنها كحقيبة أو (محفظة) صغيرة للنقود، وهي تعلق على العنق مثل القلادة أو التميمة، وأضاف “البرنس” إن التمائم غالباً ما تكون في شكل حجبات، وكثيرون يعتقدون أنها جالبة للحظ وإبعاد الشرور عنهم، وكف الحسد والعين، والغريب أن تلك التمائم تجد إقبالاً كبيراً من الأجانب خاصة الأوروبيين باعتبارها تراثاً سودانياً مهماً.
خناجر وسيوف وأوانٍ نحاسية!!
 بجانب ذلك أشار إلى الدكان المكتظ بصواني النحاس والألمونيوم الإنجليزية الصنع التي كانت لدى أسر معروفة بالثراء أو الرقي والدلات العربية التي تصب فيها القهوة العربية، إضافة إلى قداحة وأواني النحاس كالصحون والكباكي والمزهريات، مبيناً أن السودانيين قديماً كانوا يأكلون في الأواني النحاسية خاصة القداحة، والآن يشتريها البعض كنوع من التراث يجب حفظه، كذلك الخناجر والسيوف والحراب، وقال إن حراب الثورة المهدية ما تزال موجودة عند بعض الأسر، وفي دكانه توجد بعضها التي خاض بها رجال المهدية معركة (كرري) الشهيرة.
شطرنج ودومينو
وعن الكيفية التي جمع بها كل هذا الإرث، يؤكد أنه يشتريه من بعض الذين يحبون التجديد بالأشياء الجديدة والحديثة، أو الذين ضاقت أحوالهم المالية واحتاجوا للمال، ثم من بعد ذلك يعتني بها وينظفها ويرمم التي تحتاج إلى الترميم، ويُعرض الرقيقة منها في فترينات الزجاج ويرص الأخرى في الرفوف لتبدو واضحة لعين الزبون، أما الذين يفضلون شراءها أغلبهم من السياح الأجانب والسودانيين المتعايشين معهم وقلدوهم في الاهتمام بهذه الأشياء، كما أن أكثر الذين يرتادون مكانه من تلك البلدان الأجنبية هم الألمان والروس والصينيون، ويستطيع أن يتحدث إليهم ويعرف طلبهم بالإنجليزية على الرغم من أنه لم يتعلمها، فقط اكتسبها بالخبرة والممارسة.
ومن الأشياء التي تحمل ذكريات لا تنسى بدكانه، أوضح أنه في نهاية السبعينيات كانت هناك مطاعم راقية تقدم وجباتها لزبائنها في النحاس لأن شكله جميل وصحي، لكنه يريد اهتماماً ونظافة ممتازة، كما أن الكثيرين من الرجال كانوا مولعين باقتناء وشراء ألعاب الأجانب خاصة الشطرنج والضمنة.
عم البرنس أكد أن دكانه يكاد يكون جامعاً للعديد من الأشياء النادرة، بجانب الأناتيك القديمة الصنع وكاميرات التصوير الفوتوغرافي أبيض وأسود، وأشياء من الماضي والزمن الجميل الذي ازدهرت فيه حياة الإنسان، لذلك فهو كثيراً ما يشارك في المعارض ليعرض ما لديه من إرث عظيم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية