المؤتمر الوطني والرئيس “البشير”.. مفاصلة أخرى أم تغيير واجهات؟
بعد إعلانه التنحي عن رئاسة الحزب وتكليف نائبه "أحمد هارون"..
تقرير: رشان أوشي
في خطوة تم التمهيد لها إبان تشكيل حكومة الطوارئ، سلم الرئيس “البشير”، (الخميس) قيادة الحزب الحاكم إلى نائبه الذي عينه مؤخراً مولانا “أحمد هارون”، وأفاد بيان حزب المؤتمر الوطني (قرر الرئيس “البشير” نقل سُلطاته في رئاسة الحزب إلى نائبه في الحزب “أحمد هارون”). وأشار إلى أن “هارون” سيقوم (بمهام رئيس الحزب إلى حين عقد الحزب مؤتمره العام وانتخاب قيادة جديدة). وقال “هارون” إن هذه الخطوة جاءت ليتفرغ الرئيس “البشير” لإدارة شؤون الدولة والقضايا القومية، وسبقت خطوة فك الارتباط بين رئاسة السُلطة التنفيذية والحزب، إعلان الرئيس “البشير” عسكرت الحكومات الولائية، وكان الوالي يشغل منصب رئيس الحزب بالولاية المعنية، مما يعني فصل مؤسسات الحزب عن الدولة، وهو أمر ظلت المعارضة تطالب به ردحاً من الزمن.
اعتبر مراقبون، أن فك الارتباط بين رئيس الجمهورية، وحزب المؤتمر الوطني، ما هو إلا مفاصلة جديدة، تمر على مسيرة الإسلاميين في السودان، بينما رأى آخرون أن ما يحدث الآن بين الحكومة والحزب ماهو إلا تغيير، واجهات، تماشياً مع المرحلة الحالية التي تعيشها البلاد، وخاصة بعد استمرار الاحتجاجات الشعبية التي تدخل في شهرها الثالث.
تغيير أسماء:
المتابع لمسيرة التنظيم الإسلامي، في السودان منذ تأسيسه، يجده مارس نشاطه، تحت عناوين مختلفة، في حقب تاريخية مختلفة، حيث ظهر باسم الحزب الاشتراكي الإسلامي 1949 – 1954: هو مجهود طلابي بحت (طلاب جامعة الخرطوم “بابكر عبد الله كرار وميرغني النصري” وغيرهم)، ثم جبهة الميثاق الإسلامي التي كانت عبارة عن تحالف إسلامي بين الإخوان المسلمين، السلفيون والطريقة التجانية الصوفية، وتكون هذا التحالف لخوض انتخابات ( 1968_1979) في العام 1969تم انتخاب د. “الترابي” أميناً عاماً للجبهة، ومع سقوط نظام الرئيس “نميري”، تم تغيير اسم التنظيم إلى الجبهة الإسلامية القومية 1986 – 1989، شكل الدكتور “حسن الترابي” الجبهة الإسلامية القومية، وأصبح أميناً عاماً لها لتصبح حزباً إسلامياً عصرياً، ثم أعلن عن حزب المؤتمر الوطني عام (1994 – حتى الآن)، الذي اعتبر وعاءً يضم جميع الطوائف والأديان السودانية وليس الإسلاميين فقط.
وهو ما رجح الرأي للذي يشير إلى أن ما يحدث حالياً من فك ارتباط ما هو إلا عودة حزب المؤتمر الوطني، إلى الحياة السياسية عبر واجهة جديدة تحت إشراف الرئيس “البشير”.
مفاصلة جديدة:
تفاقم الخلافات داخل الحزب ، فذهب “غازي صلاح الدين” مغاضباً، بعد خلاف واضح حول تصرف الحكومة الأمني مع الاحتجاجات التي اندلعت في أعقاب رفع الدعم عن المحروقات في العام 2013 وعرفت في الشارع بهبة سبتمبر، وكان الحزب سحب من “غازي” رئاسة كتلة نوابه من المجلس الوطني، بعد أن قال إن الدستور لا يسمح بإعادة ترشيح الرئيس “البشير”، ذات السيناريو يكرر مع القيادي “أمين حسن عمر” الذي قال طالب صراحة بعدم إعادة ترشيح الحزب لـ”البشير”، بيد أن “أمين” ظل عضواً بالحزب وبعد ما أخرج من المكتب القيادي عاد إليه مرة أخرى، والآن اختار التفرغ للعمل الأكاديمي.
الانتخابات الأخيرة، علت ذات النبرة، ورفض بعضا من رموز الإسلاميين وقيادات بالحزب الحاكم حينها، إعادة ترشح الرئيس “البشير” للرئاسة مرة أخرى، أوضحت بأن مياهاً كثيرة جرت تحت الجسر، وأن قيادات الحزب والدولة ليسوا على قلب رجل واحد، وهو ما جاهر به المفكر، والقيادي الإسلامي د. “أمين حسن عمر”، وقتها، وأكده قبل أيام بعد إعلان حكومة الطوارئ، قال “عمر”، في تصريح صحفي “جاهزون لاختيار بديل لـ”البشير” المؤتمر الوطني غير مفلس وغني بالقيادات، وألمح عضو المكتب القيادي، إلى إمكانية تأجيل المؤتمر العام للحزب إلى ما بعد رمضان، مشيرا إلى أن المكتب لن ينظر في الاستقالة المقدمة من الرئيس. وأكد “أمين حسن عمر”، أن “البشير” لم يتشاور مع الحزب بشأن اختيار النائب الأول للرئيس، أو رئيس الوزراء، أو الولاة.
ونافياً وقوع مشاحنات خلال اجتماعات المكتب القيادي الأخير برئاسة “البشير”، موضحا أن قرار فرض حالة الطوارئ دار حوله نقاش مطول، وأتم “أمين حسن عمر” حديثه، مشددا على أن الحزب يحتاج (استراحة محارب).
وهو ما يقود المحللين إلى المضي في طريق أنها مفاصلة جديدة، تشبه مفاصلة رمضان التي هزت التنظيم الإسلامي لعقود، ثم تلتها خطوة الرئيس “البشير”، بإبعاد رموز الإسلاميين عن السُلطة “علي عثمان محمد طه” النائب الأول، الأسبق، د. “نافع علي نافع”، مساعد رئيس الجمهورية الأسبق، وجاءت هذه الخطوات متفقة مع مطالب دول إقليمية ودولية بينها الإمارات والسعودية والولايات المتحدة الأميركية، التي وضعت شرطاً لانسياب العلاقات مع الخرطوم والتطبيع معها وتخفيف الخناق عنها، بإزاحة الإسلاميين وتخفيف سيطرتهم على السُلطة.
يشير المحلل السياسي والباحث الأكاديمي “النور آدم” في إفادته لـ(المجهر)، إلى أن الرئيس “البشير” قد أعلن طلاق بائن بينه وحزب المؤتمر الوطني، خاصة بعد تعالي الأصوات المطالبة بعدم ترشحه لانتخابات 2020م، وأضاف “آدم”، بأن أوضاع البلاد الاقتصادية المنهارة، والسياسية المحتقنة دفعت بـ”البشير” إلى الخيار الصعب، وهو اتخاذ موقف الحياد من الأحزاب، والاستعانة بالقوات المسلحة، بالتالي مسألة تأسيس حزب جديد مستبعدة حالياً، وربما ممكنة حال اقتربت الانتخابات..
وشهدت البلاد احتجاجات شعبية على الغلاء والتدهور الاقتصادي في ديسبمر2018م، تصاعدت المطالب إلى رحيل النظام مطلع 2019م.