شعراء وفنانون في معركة الاستقلال!!
لم يأتِ الاستقلال الذي نرفل في ثوب حريته اليوم منحة أو هبة من المستعمر، الذي جثم على صدر الوطن لأكثر من (57) عاماً، عاث فيها بيمينه فساداً وبشماله جوراً وظلماً ما أزكى روح النضال وأشعل أوار الثورة في المجتمع، الذي هبَّ الكثير من رجاله ونسائه لدحر الغاصب الذي وجد نفسه بين مدافع جنود بواسل أمطرته بحممها، وشعراء أشعلوا جذوة الوطنية من خلال مفردات أشعارهم التي لم تكن أقل صلياً من نيران المدافع، وفنانون صدحوا بحناجرهم رافضين ذل الاستعمار. لذا لم يكن الشعراء والفنانون بمعزل عن الشعب وهو يخوض معركته من أجل الحرية والإنعتاق، بل وقف الشعراء بكلماتهم والفنانون بحناجرهم جنباً إلى جنب في مقدمة الطلائع في جميع المعارك.
ومن هؤلاء الفنان “حسن خليفة العطبراوي” الذي صدح برائعة الشاعر الكبير”يوسف مصطفى التني”:
يا غريب يلا لي بلدك… يلا يلا لي بلدك
يلا لي بلدك سوق معاك ولدك لملم عددك
انتهت مددك وعلم السودان يكفي لي سندك
و”التني” الذي لم يوارِ أو يرمز في كلماته التي ضمخها “العطبراوي” بنار الثورة، واصل الجهر بثورته الشعرية حتى بلغ مبلغاً حدد فيه المبتدأ والخبر في نضاله بالكلمة، فأشار إلى الوعود التي وضعها الحلفاء، وهي السماح للشعوب بتقرير مصيرها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية فيقول:
الشباب اليوم للجهاد نهضوا
طالبوا الأقطاب يوفوا ما وعدوا ذكروا تشرشل يحترم وعدو
قلتوا في الميثاق كل زول بلدو ديل بقاياكم لسه ليه قعدوا
و”التني”الذي لم يقف عند التذكير بوعد الأقطاب، بل استل غضبه في وجه الاستعمار، نابذاً له معلناً عن حرية وطنه حالاً مطالباً بإنزال أعلامه.
لرفعة السودان ديمة نحن نقول
بئس الاستعمار في شمس أو ضل
و”العطبراوي” الذي تغنى بـ(يا غريب بلدك) الذي تعرض للكثير من صنوف التعذيب والترهيب والاضطهاد على يد المستعمر، لم تخر عزيمته الوطنية، فالتقى أيضاً بالشاعر”محيي الدين فارس” في أنشودة وطنية أخرى بعنوان (لن أحيد) يقول فيها:
أنا لست رعديداً يكبل خطوه ثقل الحديد
وهناك أسراب الضحايا الكادحون
العائدون مع الظلام من المصانع والحقول
ملئوا الطريق
ويواصل “محيي الدين” ثورته و”العطبراوي” انفعاله.. فيقول:
وهناك قافلة تولول في متاهات الزمان
وبلا دليل دليل
عمياء فاقدة المصير
ويمزج “محيي الدين فارس” بين الضدين، الفقر الذي يعيش فيه المُستعمَر، والبحبوحة التي يعيش فيها المُستَّعمِر فيقول:
والجاز ملتهب يضج حياله نهد وجيد
موائد خضراء تطفح بالنبيذ والورود
لهف من الشهوات يجتاز المعابر والسدود
هل يسمعون؟
إلي أن يعلن عن يأسه وقنوطه من سماع المُستعمِر له:
صخب الرعود
صخب الملايين الجياع
يشق أسماع الوجود
ولكن “فارس” يعود لتفاؤله بغدٍ أفضل فيقو :
وغداً نعود حتماً نعود
للقرية الغناء للكوخ الموشح بالورود
وقبل “العطبراوي”، كان “خليل فرح” الذي جعل الكلمة في وجهة المستعمر أقوى من السلاح، حيث عمل على إزكاء جذوة الحماس في النفوس مستخدماً طريقته البارعة فيقول:
عزة في هواك… عزة نحن الجبال
و للبخوض صفاك … عزة نحن النبال
وينسل “الخليل” خلسةً من التورية التي استخدمها
عزة ما سليت وطن الجمــال
ولا ابتغيت بديل غير الكمــال
وليس بعيداً عن هذا، كان الصاغ “محمود أبو بكر” الذي كتب أنشودة ( صه يا كنار) التي تبناها الأستاذ “عبد الرحيم حسن علي”، فجعلها أنشودة الصباح للطلاب في المدارس حينه:
صه يا كنار وضع يمينك في يدي
ودع المزاح لذي الطلاقة والدد
صه غير مأمور وهات مدامعاً
ويناشد “أبو بكر” محذراً رفقاء السلاح وإخوة النضال فيقول:
فإذا رأيت من الطلاقة بارقاً
فابذل حياتك غير مغلول اليد
وخذ المآرب من زمانك عنوة
وفي مقام لا يقل عن الآخرين، وقف الشاعر”جعفر محمد حامد البشير” فكتب (نشيد الحرية) الذي يقول فيه:
هذا نشيدك قد تفجر في دمي
هيا نحو الكفاح الأعظم
وفي سياق ليس بعيداً يكتب “محمد عوض الكريم القرشي” في نهاية الأربعينيات (وطن الجدود)، التي جعلت الفنان “عثمان الشفيع” يقبع لفترات طويلة بين معتقلات وسجون المستعمر:
جنود الوطن لبوا النداء
خاضوا المعارك بالدماء
ثم يعلن “القرشي” عن نهاية الصمت.. فيقول:
آن الأوان أن نمتحن
في سبيلو لا نقبل ثمن
كما كتب “توفيق صالح جبريل” (عذاب المستعمر):
علمتنا الأيام ما جهلنا
فلسنا نطيق عبئاً ثقيلاً
وفي عام 1953م تغنى الفنان الشاب حينه “إبراهيم عوض” بأغنية (جنتي) والتي كانت من كلمات الشاعر “سيف الدين الدسوقي”:
أحب مكان وطني السودان
طيروا صوادح وروض وجنان
فيأتي الشاعر “محمد توم عبد الهادي” محيياً يوم الجلاء.. فيقول:
هنيئاً أيها الشعب ويوم النور يقترب
ونحن نصير أحرارا بوادينا كما يجب
ستجلو عن أراضينا جيوش سوف تنسحب
وكذلك كتب “أحمد محمد صالح” نشيد (وطني السودان)، والذي يعرف حالياً بنشيد العلم أو السلام الجمهوري:
نحن جند الله جند الوطن
إن دعا داعي الفداء لن نخن
والجزئية المعروفة باسم (السلام الجمهوري) أخذت من النشيد المذكور والذي يقول مطلعه:
نحن أسد الغاب أبناء الحروب
لا نهاب الموت أو نخشى الخطوب