الخرطوم : فائز عبد الله
عدم توفر التمويل اللازم ، لتنفيذ اتفاقية السلام بدولة جنوب السودان، يترآى في الأفق، ويهدد الاتفاقية التي طوت (6) سنوات من الحرب بالفشل . بعد أن تجاوز فرقاء الجنوب غلواء الحرب ووقعوا على اتفاقية وجدت المقبولية من الأطراف الرئيسية في الصراع في سبتمبر الماضي برعاية الخرطوم ، ومباركة الاتحاد الأفريقي والإيقاد والمجتمع الدولي ، وبعد أن غادر الجميع إلى جوبا للمشاركة في احتفال كبير معلناً تجاوز المرارات ، تقف اليوم عقبة المال في إنزال الاتفاقية على الأرض لتمشي بين المواطنين سلاما وأمنًا وتنمية ، بعد مضي ونصف عام .
وكان وزير الكهرباء “ضيو مطوك ” في حفل عشاء بمنزل الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي ، قبيل شد الفرقاء الرحيل إلى جوبا ، قال: إن الإرادة السياسية متوفرة لتنفيذ الاتفاقية وإن هناك روحاً جديدة في جوبا ، بيد أنه قال إن الأمر الوحيد الذي يحول دون التنفيذ هو عدم توفر (المال).
دول الترويكا والمجتمع الدولي خاصة الولايات المتحدة التي ذهبت الأنظار إليها لتمويل الاتفاقية ، دفعت بشروط مسبقة ارتبطت بخلوص النية والجدية لدى الفرقاء ، وقالت إنها لن تمول التنفيذ ما لم تر الاتفاقية منفذة على الأرض.ورفضت دول الترويكا التوقيع كشاهد على الاتفاقية ، ولم تباركها.
وتتخوف قيادات الحركة الشعبية بالجنوب والتي سعت إلى جلب الدعم المالي من الخارج من تدخلات الولايات المتحدة الأمريكية التي رفضت بصورة قاطعة دفع دولار واحد لتنفيذ الاتفاقية ، وعاد نائب الرئيس “تعبان دينق” من واشنطون يجرجر أذيال الرفض ، بل تم زجره بسبب طلب التمويل .
فيممت جوبا صوب القاهرة ، وأبرمت نافذة جديدة مع دول شرق آسيا (اليابان والصين) وغيرهما لاسيما وأن الوعود التي قطعتها هذه الدول بدعم الاتفاقية بعد عجز قيادات جوبا وفشل علاقتها الدبلوماسية مع الدول الغربية وتخشى الحكومة والمعارضة من العودة إلى سيناريو العام (2013م) عام الحرب ، في ظل توقعات قيادات للأسوأ في حال عدم وجود التمويل المالي الخارجي للاتفاق .
وقال الناطق الرسمي باسم المعارضة “مبيور قرنق” ، إن تمويل الاتفاقية ومنذ نشأة قيادة الحركة الشعبية فشلت في توفير الأموال التي منحتها الدول المانحة لجنوب السودان وأضاف أن هذه الأموال تم توظيفها بطريقة سيئة جداً وتم نهبها. وأوضح أن الدول الغربية والترويكا وخاصة الولايات المتحدة فقدت الثقة في قيادات الحركة الشعبية. ووصف نظام “سلفاكير” بأنه نظام يشجع على الفساد ، والفاسدين ، وعدم المساءلة أفشلت الحركة في تقدير الحقائق المالية الجديدة.
وقال مستشار الشؤون الأمنية لـ”سلفاكير”، “توت قلواك” لـ(المجهر) إن جهود الأطراف الآن تجتمع في كيفية نجاح عملية السلام وعدم العودة إلى الحرب مرة أخرى عن طريق جلب الأموال وتوظيف الموارد الداخلية للجنوب، وأضاف إن قيادات الجنوب يدركون الوضع الاقتصادي مثل توفير الموارد التي تدعم الاتفاقية وإنجاحها، وقال إن الجنوب سيعمل على توفير وتوظيف الموارد القليلة المتوفرة لدعم السلام، لافتاً إلى أنه في حال أتى دعم خارجي يمكن توظيفه في الاتفاقية، وأوضح أن المجال متاح ليتحقق السلام بالرغم من صعوبة الدعم.
مؤكداً أن أصعب التحديات التي تواجه الاتفاقية مسألة ملف الترتيبات الأمنية وتمويل القوات وتأهيلها والذي يتطلب دعماً مالياً كبيراً.
وأشار إلى أن الجنوب يعتمد على توظيف أموال عائدات البترول في مسألة دعم المؤسسات لكي لا تكون هناك عقبات حقيقية تواجه الاتفاقية، وأن أصعب العقبات هي التحديات التي تواجه ملف الترتيبات الأمنية و التي تعيد الاتفاقية إلى الخلف، وقال إن هناك موارد إذا تم توظيفها جيداً فإن الجنوب لا يعتمد على الدعم الخارجي والتمويل، وأوضح أن الأطراف في الاتفاقية ناقشوا تحديات المرحلة المقبلة لعملية السلام.
أكد عضو المكتب السياسي بالمعارضة “أقوك مكواك” لـ(المجهر) أن التحديات المالية التي تواجه الاتفاقية ونجاحها وإنزالها إلى ارض الواقع تتطلب المساندة من المجتمع الدولي، وقال إن على قيادات الحركة الشعبية أن تساهم في عملية إيجاد الدعم المالي لتنفيذ الاتفاقية.
وأضاف إن أحد الأولويات والإرادة السياسية هي تحدٍ موضوعي حسب ما طلبته الاتفاقية بجانب التحديات الأمنية وتتطلب الوساطة السودانية واليوغندية في مسألة تدريب قوة جنوب السودان لإعادة الروح الوطنية وإنهاء النظرة القبلية عبر العقيدة العسكرية وحماية الدستور والاتفاقية وأيضاً كيفية ترجمة ما نص عليه الاتفاق على أن يلتزم جميع الموقعين بنشر ثقافة السلام وتوظيف الموارد واتصال “سلفاكير” على “مشار” يُعد جدية وبداية حقيقية للمضي في مسيرة السلام ونظرة الشعب لهذا التقارب بين الرئيس وزعيم المعارضة.
وأشار إلى أن أمريكا إذا شعرت بأن الجنوبيين أنفسهم التزموا يمكن أن يكون هناك التزام وشعور بدعم هذا الاتفاق وهناك عدد من المفوضيات تم تكوينها قبل تكوين الحكومة بجانب لجنة الدستور والقضاء ورصد الحدود، وتوقع أن يكون هناك حراك كبير، وأكد أن هناك اجتماعاً سيعقد لترجمة هذا الاتفاق والترويج إلى السلام في المرحلة المقبلة، وطالب بضرورة التزام وتوفير الموارد.
وقال مدير الإعلام والعلاقات الخارجية بالحركة الشعبية بالمعارضة “فوك بوث” لـ(المجهر) أمس ، إن الأموال أصبحت عصب الحياة وخاصة في الوقت الحالي للاتفاقية الحالية خاصة مسألة تكوين الجيش القومي والمعدات العسكرية لهذه القوات بجانب أن لجان مراقبة الاتفاقية تحتاج إلى تمويل ونشر ثقافة السلام أيضاً يحتاج إلى تمويل والاتفاقية، وأضاف أن التوجه إلى الدول الآسيوية مثل اليابان والصين وغيرهما هو خيار، ولكنه يعتمد على الإرادة الحقيقية في تكوين الآليات المتفق عليها، وأشار إلى إيجاد موارد وإدارة أموال النفط وبجانب استقطاب أصدقاء جنوب لتمويل الاتفاقية.
وأوضح أن هناك دولاً محددة في الاتحاد الأفريقي معنية بتمويل الاتفاقية، والاتحاد الأفريقي له دور في المساهمة ودول الترويكا والمجتمع الدولي بالتمويل، وقال إن تدريب الجيش الوطني يحتاج إلى تمويل في ظل رفض المجتمع الدولي دعم الاتفاقية، وأبان أن الاتفاق خاطب كيفية أن يكون هناك تمويل مالي للجان الاتفاقية في نشر برامج التوعية ودور اللجنة القومية المشرفة على توفير الموارد وإدارة عائدات البترول ومساهمتها في استقطاب أصدقاء الجنوب ، مضيفاً أن دول الاتحاد الأفريقي و(الإيقاد) تمتلك القدرة على تمويل الاتفاقية لإنزالها إلى أرض الواقع ومشاركة الاتحاد الأفريقي ضرورية، وأشار إلى أن الفرقاء لا يتحدثون في جانب من أين تأتي هذه الأموال بل في كيفية إنجاح الاتفاقية ، وقال “فوك” إن الاتحاد الأفريقي مثله مثل منظمة (الإيقاد).
وقال ممثل الأحزاب السياسية “فليب أقوير” لـ(المجهر)، إن التحديات في المرحلة المقبلة التي تواجه الاتفاقية كبيرة تتمثل في عدم وجود موارد زراعية بجانب التمويل ، وقال إن هناك دولاً آسيوية التزمت بإيداع مليار جنيه في خزينة الدولة، ولكن لم يتم تمويل الاتفاقية حتى الآن، وأشار إلى توقف المزارعين عن الزراعة بسبب الحرب، وأضاف “أقوير” إن الأموال التي أتت من المجتمع الخارجي في اتفاقية السلام بأديس أبابا تم توظيفها في الحرب مما أدى إلى تدمير الموارد البترولية ، وقال إن بعض الحقول النفطية أصبحت تالفة وتتطلب إعادة تأهيلها ، وأشار إلى أن الجيش القومي مؤسساته تفتقد إلى الأموال، وقال إن توقف أمريكا عن دعم الاتفاق كان بسبب عدم التزام الأطراف بعملية السلام.
وتوقع المصدر عدم نجاح الاتفاقية إلا في حال تنازل الأطراف عن عدد الولايات التي تتمسك بها بعض قيادات المعارضة والحكومة، مؤكداً أن الأطراف التي وقعت على الاتفاقية لابد من النظر إلى المواطنين أولاً قبل المصلحة الشخصية والمناصب، كاشفاً عن أن الحكومة سيطرت على (70%) من مؤسسات الدولة في الفترة الانتقالية، وقال إن هذا سيشكل إحدى العقبات على المؤسسات.
وطالب “أقوير” دول الاتحاد الأوروبي والترويكا (الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج)، بدعم اتفاق السلام الموقع مؤخراً في الخرطوم بين فرقاء جنوب السودان.