تقارير

أزمة السيولة …. لم تراوح مكانها

رغم طرح الفئات الجديدة

الخرطوم ـ رقية أبوشوك
أزمة السيولة لا تزال قائمة ، بالرغم من طباعة فئات نقدية أكبر، من فئتي الـ(100) و(200) جنيه ، وطرحها للتداول منذ مطلع فبراير الجاري ،حيث كان الهدف منها ، توفير النقد وحل شح السيولة .. الآن الأزمة لا تزال ، تكشف عنها صفوف العملاء أمام الصرافات الآلية منذ الصباح الباكر إلى ساعات متأخرة من الليل.
كما أكد جمهور المتعاملين مع البنوك بأن قيمة السحب بالبنوك لازالت عند حاجز الـ(500) جنيه فقط .
إذاً لماذا استمرار الأزمة ؟؟ وهل الطباعة التي تمت لم تكن بإعداد كبيرة حتى تفي بالاحتياجات؟؟ أم أن هنالك سحباً دون إيداع مما فاقم من المشكلة؟؟
(المجهر) طرحت هذه الأسئلة على عدد من الخبراء الاقتصاديين، بداية قال الخبير الاقتصادي د. “عبد الله الرمادي” والذي أكد ضرورة أن تكون هنالك كميات كافية من النقود حتى يتم تعويض النقص أو الشح الموجود حالياً ،فالاقتصاد السوداني يعاني من شح مزمن في حجم الكتلة النقدية ،فالكتلة النقدية بمثابة فقر الدم عند الإنسان .. فالطبيب يتعرف على الشخص المريض بفقر الدم من النظرة الأولى ومن ثم يبدأ في علاجه وذلك في إشارة منه على أن الجهات المختصة في الاقتصاد من المفترض أن تتعرف على العلة خاصة وأن ملامح العلة واضحة ،وقال “الرمادي”: بسبب شح السيولة توقف أكثر من (80%) من القطاع الصناعي، وأصبح معطلاً ،مما أدى إلى خروج القطاعات الإنتاجية وأصبحت الدولة تستورد السلع التي كان يتم إنتاجها محلياً ،مشيراً إلى أن ذلك أثر على الاقتصاد.
الطباعة بنسبة(10%) لا ترفع من التضخم:
وحسب “الرمادي” فإن طباعة النقود لا تؤدي إلى ارتفاع التضخم وذلك عكس ما هو متداول الآن ،إلا أنه قال إذا تمت طباعتها بنسبة أكثر من (25%) فإن ذلك يؤثر على التضخم ، فحالياً تمت الطباعة بنسبة (10%) فقط وهذه نسبة قليلة ،لذا لابد من مضاعفة حجم الكتلة النقدية ،وقال إن زيادة الإنتاج تتطلب زيادة حجم الكتلة النقدية فكمية النقود المتوفرة حالياً لا تفي بالتوسع.
ضرورة زيادة الكتلة النقدية:
الباحث والمحلل الاقتصادي د. “هيثم محمد فتحي” أكد في حديثه لـ (المجهر) أن الفئات من العملة الجديدة ستساعد في حل أزمة نقص السيولة التي ألحقت في الشهور الماضية ضرراً كبيراً بالاقتصاد السوداني ،وعلى البنك المركزي زيادة الكتلة النقدية لتجاوز أزمة السيولة وإدخال هذه الفئات في حسابات الحكومة وتوجيهها نحو الإنتاج.
ووفقاً لدكتور “هيثم” فإن المعدل العالمي يقول إن الكميات التي تتم طباعتها يجب ألا تتجاوز نسبة الـ( 10%) من الناتج المحلي الإجمالي ، فالناتج الإجمالي الآن وفقاً لبعض التقديرات يبلغ نحو (177) مليار دولار في السنة ،وبالتالي فإن الحجم المطلوب من الأوراق النقدية نحو (17) مليار دولار أي نحو (800) مليار جنيه سوداني، إلا أن المطروح في السوق الآن نحو (200) مليار جنيه سوداني.فطبع فئات نقدية بأرقام كبيرة ــ والحديث لا زال لدكتور “هيثم” ــ تعكس ضمناً تراجع قيمة العملة السودانية تحت وطأة التضخم ، و(ليت) زاد تركيز الحكومة حالياً على دعم عملية الشمول المالي والتوسع في مجال التكنولوجيا المالية والمدفوعات الإلكترونية.
هناك عوامل أخرى تؤدي إلى تدهور قيمة العملة المحلية كانخفاض الاحتياطي النقدي وانخفاض معدلات التصدير مقابل الاستيراد ، واعتبر في حديثه أن الحل الوحيد لخروج الاقتصاد من عثرته هو زيادة الإنتاج وتنويع مصادر البلاد من العملات الحرة .
وأشار إلى أنه بعد رفع العقوبات الأمريكية، كان من المتوقع زيادة الاستثمارات الأجنبية في البلاد، إلا أن تقلبات العملة والمشاكل الهيكلية الموجودة بالسودان كانت من أهم أسباب عدم عودة الاستثمارات الأجنبية كما أنه رغم السقوط الحاد للعملة لم تعمل البلاد بما أوصى به صندوق النقد الدولي من ضرورة تعويم الجنيه.
وضع المصارف :
الخبير الاقتصادي د. “محمد الناير” قال : حتى الآن لم يكن هنالك أي أثر ملموس بالنسبة للجمهور ،كما أنه لم يتم ضخ الفئات الجديدة للمصارف، وبالتالي فإن الوضع في المصارف حتى الآن كما هو عليه من قبل ،فقضية حل السيولة والكاش تحديداً لن يتم فقط بطرح فئات جديدة في ظل الوضع الاقتصادي الراهن والحاجة الكبيرة جداً (للكاش) ما لم يكن هنالك عاملان ،العامل الأول :أن يتم إعادة بناء الثقة بين المصارف وعملائها وتفعيل مبادرة “إيداع” الخاصة بالقطاع الخاص والتي تمت لمرة واحدة فقط وتم الإعلان عن إيداع (500) مليون جنيه ومن ثم لم نسمع عن أي شيء بعد ذلك ،حتى أصبح الهدف منها هو عبارة عن رسالة تطمين ،فلابد من الاستمرارية لمبادرة “إيداع” ،وأن الاستمرارية تواجهها عدة صعوبات في ظل الظواهر التي ظهرت في الاقتصاد السوداني الآن ،كقضية المتاجرة في العملة بسعرين “الكاش والشيكات” والتي أصبحت تجارة رائجة ، فمعظم “الناس” الذين لديهم أموال بدلاً من توريدها للبنك أصبحوا يتعامون بها من خلال تجارة العملة ،وهذه ظاهرة سيئة جداً ظهرت حديثاً في الاقتصاد السوداني، العامل الثاني: لابد للدولة أن تفعل من منظومة الدفع الإلكتروني ،ليس على المؤسسات الحكومية فقط ،بل حتى على القطاع الخاص ،وذلك حتى يتم حل أزمة السيولة، هذا الأمر إذا لم يتم ولم تكن هنالك معالجة ،فالدولة كانت قد عزمت على تفعيل منظومة الدفع الإلكتروني مع بداية العام الجاري ، وأجيزت من مجلس الوزراء ،ولكن هذا لم يحدث، لماذا؟؟ أفتكر مجلس الوزراء يجيب على هذا السؤال .. ما الذي جعل أن يكون هنالك تراجع ولم يتم تنفيذه في الوقت المحدد؟؟
الأستاذ بمعهد الدراسات والبحوث الإنمائية جامعة الخرطوم الخبير الاقتصادي د. “عثمان البدري” أكد أن الفئات الجديدة هي لاستكمال منظومة الفئات المعروفة في العملات عالمياً كالدولار والريال السعودي واليورو والبيرة التركية والروبل الروسي وغيرها.
وأشار إلى أن أثرها على أزمة شٌح السيولة وهو ناتج عن تحديد سحوبات المودعين في المصارف بدون إعلان سقف لذلك بوضوح، وأضاف (عموماً إذا كانت المشكلة في ارتفاع التضخم نتيجة للسيولة الزائدة يمكن للبنك المركزي أن يواجه ذلك بعدد من السياسات منها:زيادة نسبة الاحتياطي القانوني لدى البنك المركزي من (10%) مثلا إلى (12%) أن يطلب من المصارف رفع نسبة السيولة Internal Liquidity
وتحديد نسبة استغلال الفائض المتاح لدى المصارف.
أهم من كل ذلك هو معيار القوة الشرائية للعملة ،فلا بد أن يكون لها قوة شراء حقيقية ،فالمحافظة على القوة الشرائية للعملة الوطنية وتحجيم نسب التضخم وبناء احتياطات العملات القابلة للتداول الحر والعمل على الحفاظ على نسبة نمو إيجابية في الناتج المحلي الإجمالي والرقابة على الجهاز المصرفي من أهم واجبات البنوك المركزية عالمياً على أن يتم ذلك بالتنسيق مع السياسات الكلية الأخرى والمؤسسات التي تديرها.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية