لقاء الرئيس والصحافة (1)
لقاء السيد رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” مع قادة الصحافة والإعلام في بلادنا مساء أمس (الأربعاء) في بيت الضيافة ، كان مبادرة عظيمة من سيادته ، تستحق رد التحية بأحسن منها ، ولذا كنا سباقين وحريصين على تلبية هذه الدعوة الكريمة من رأس الدولة ، في وقت تمر فيه البلاد بظرف سياسي وأمني بالغ التعقيد .
ولقد ظللنا ندعو طيلة الأسابيع السبعة الماضية إلى ضرورة الحوار مع الأطراف السياسية المتخندقة في الضفة الأخرى من النهر ، بما فيها أحزاب (اليسار) السوداني ، وليس الشباب غير المنتمي وحده ، ندعوهم جميعاً إلى تحكيم العقل وإعلاء الشعور الوطني دون مزايدة وادعاءات ، دون استهداف وتصفيات ، مثلما دعونا الحكومة وأجهزتها الأمنية إلى ضبط النفس والتعامل مع الاحتجاجات بحكمة وبصيرة واحترام ، وتحليل دواعي تلك الهبة ، والسعي الجاد لمعالجة مسبباتها بقدر ما يتوفر للحكومة من إمكانيات للمعالجة المنهجية التي تحفظ للدولة استقرارها ، وللشعب أمانه .. ومعاشه الكريم .
ومِن هنا جاء حوار الرئيس “البشير” مع الوسط الصحفي ليل أمس ، بصدر متسع ، وقبول محترم للرأي المؤيد والمخالف ، في مظهر حضاري وديمقراطي سودانوي راقٍ ، وهذا هو المطلوب من القيادة الواعية الأمينة ، وهو المأمول والمُتوقع من قادة الرأي في بلادنا ، حملة الأقلام الذهبية الذين كانوا دروعاً فولاذية ساهمت في حماية وتأمين البلاد من الهزة الأمنية والسياسية التي كانت تحدق بها .
لقد تجلى الرئيس “البشير” ليل أمس في لقائه مع الصحافة والإعلام ، فأبدع في تقديم مرافعة عظيمة عن تجربة (الإنقاذ) في الحُكم خلال العقود الثلاثة الماضية ، أقر فيها بالأخطاء ، وسلّط الأضواء بكثافة وموضوعية على منجزات الدولة ، في كافة المجالات .
قال الرئيس : استلمنا الحكم يوم الجمعة 30 يونيو 1989 ، وجاءنا تقرير الأحداث صباح السبت ليكشف لنا أنه لا يوجد في خزينة بنك السودان غير (مائة ألف دولار لاغير) ، وأن احتياطي الوقود في البلاد يكفي ثلاثة أيام فقط، وأن مخزون القمح والدقيق كافٍ ليومين !! وقال “البشير” ساخراً : (قلت للجماعة شوفوا الصادق المهدي وين عشان نرجع ليهو أمانتو) !
طالب الرئيس بالموضوعية في تقييم منجزات وأخطاء الحكم ، وقال : ما عايزين الناس يشكرونا ، لكن يعدلوا في أحكامهم .
وجه الرئيس بإلغاء الرسوم والضرائب والجمارك على الصحف ومدخلات الطباعة من ورق وأحبار . وأمر بإطلاق سراح جميع المعتقلين من الصحفيين بمن فيهم المنتمون للحزب الشيوعي . وأكد أن باب الحوار مفتوح للجميع إلا من أبى ، وأثنى على سكرتير الحزب الشيوعي الراحل “محمد إبراهيم نقد”، و قال إنه جلس إليه عدة مرات وإنه كان مدرسة متفردة وإن الجلوس معه كان ممتعاً .
وأطلق الرئيس انتقادات لاذعة وغير مسبوقة لقانون النظام العام ، وقال إن تطبيقه مخالف تماماً للشريعة الإسلامية، وأعلن عن رفضه اقتحام بيوت المواطنين والتعدي على حرماتهم باسم قانون النظام العام .
قادة الصحافة تحدثوا فأجادوا ، وكانوا في غاية الشجاعة والصراحة والوضوح مع الرئيس في ما يتعلق بنقد التعامل العنيف مع الاحتجاجات ، أو تناول أخطاء الحكومة في مجال الاقتصاد ، ولذا جاءت إجابات وتعليقات الرئيس أكثر وضوحاً و قوةً وصراحةً .
لقد كانت حقاً ليلة سودانية خاصة .. لا تتوفر إلا في السودان .
لنا عودة .