أخبار

بعد الغياب

سنوات طويلة من الانقطاع بين الإعلام السوداني والقيادة العليا في البلاد، ممثلة في الرئيس “عمر البشير” سنوات والرئيس لم يتحدث مباشرة للإعلام السوداني باستثناء الإطلالة العامة واللقاءات الجماهيرية المفتوحة التي لا تشبع بطبيعة الحال رغبات أهل الإعلام في الحوار المفتوح وتبادل الرأي والمشورة.. والأخذ والرد في قضايا الشأن العام.. والصحافة السودانية كانت تشكل في بواكير أيام الإنقاذ أهمية كبيرة لصناع الثورة ويعقد الرئيس أسبوعياً لقاءً برؤساء تحرير الصحف الحكومية الثلاث وقادة الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء الرسمية وبعض القيادات.. ويستمع الرئيس لكل رأي مهما كان مخالفاً لتوجهات الثورة المعلنة والمسكوت عنه.. ويتحدث الرئيس للصحافة وأجهزة الإعلام دون قيود حديدية، واستثمرت الإنقاذ في الإعلام حتى قوى عودها.. ونضجت ثمرتها.. وشيئاً فشيئاً أخذت الإنقاذ تنأى بنفسها عن الحديث للإعلام.. وأحيط الرئيس بسياج حديدي من الشخصيات التي تعتبر إبعاد الرئيس من الشعب يمثل نجاحاً لها رغم شخصية الرئيس المحببة للصحافيين بتواضعه وحديثه المباشر ولغته العميقة.. وقدرته المدهشة في التعبير عن نفسه وعن حكومته.. الرئيس ينادي أغلب الصحافيين بأسمائهم ويقرأ الصحف بنفسه ولا يقبل أن يتولى القراءة نيابة عنه آخرين، مثل أغلب رؤساء المنطقة العربية والأفريقية.. اليوم الأربعاء يلتقي الرئيس بعد كل هذه القطيعة الطويلة بالصحافيين في بيت الضيافة.. في أول مبادرة من اتحاد الصحافيين لتجسير المسافة بين القيادة العليا والقاعدة.. وفي ظروف سياسية معلومة للجميع بعد انقشاع غمة الاحتجاجات وعودة الحياة لطبيعتها وسريان الخدمات الأساسية من وقود وخبز.. وأهمية لقاء الرئيس اليوم في أنها تمثل بداية تواصل كما أكد ذلك مسؤول سياسي كبير في القصر برغبة الرئيس في التواصل مع الإعلام شريك نجاح الإنقاذ وشريك إخفاقاتها في ذات الوقت، وإذا كان الرئيس “البشير” قد قاد بنفسه حملة التنويرات السياسية والطواف على الولايات والحديث لساعات وساعات مع الصوفية والعلماء.. والقوات النظامية بأذرعها الأربعة جيش وشرطة وأمن دعم سريع فإن حديث الرئيس للصحافة اليوم بعد اعترافاً بأهميتها ودورها الكبير في بث رسالتها القيمة والثقافية والتنويرية.. وبعيداً عن النمطية والانحراف عن الأهداف التي جاء من أجلها اللقاء، فإن الرئيس عندما يفتح قلبه وبيته لأهل الرأي ومشاعل الفكر لا ينتظر منهم.. الشكاوى ونقد الماضي.. بقدر ما ينتظر الرئيس رؤى وأفكار ومبادرات في الشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي وآراء لم يجدها عند وزراء حكومته أو مكونات المجتمع الأخرى.. صحيح قضايا الإعلام والحريات وإطلاق سراح الصحافيين المعتقلين ضرورة عاجلة ولكن الصحافيين مرآة الشعب كله.. وضمير الأمة المعبر عنها.. والمنشغل بهمومها.. ولذلك لقاء الصحافيين بالرئيس اليوم له أهميته الكبيرة.. في مثل هذه الظروف بالغة التعقيد.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية