بكرة نتعلم!!
عندما رفع “زين الدين زيدان” اللاعب الفرنسي الجنسية والجزائري الأصل، كأس العالم عام 1998م، في باريس بعد المباراة النهائية التي هزمت فيها فرنسا سحرة الأمازون وراقصي السامبا.. منتخب البرازيل.. ارتفعت أصوات اليمين (القومي) في فرنسا منتقدين تشكيلة المنتخب الوطني الفائز بأكبر بطولة عالمية وسخر المتعصب “لوبين” من سحنات المنتخب، وقال إن بعضهم لا يحفظ كلمات النشيد الوطني لدولة العلم والنور.. وكان منتخب فرنسا مزيج من المهاجرين والسكان الأصليين.. دافع “ديساية” من أصول غانية.. و”وليان ترام” من أصول تشادية و”زيدان” من أصول جزائرية جنباً إلى جنب دوغارية واللاعبين البيض.. وانتصرت فرنسا منذ تلك البطولة على عصبية الأعراق المتفشية في أوروبا حينذاك.. ولعب لمنتخب ألمانيا أول أسود في تاريخها عام 1999م.. وتبعتها إبطالها مهد العنصرية في الملاعب الأوروبية.. وفي بطولة كأس العالم الأخيرة أعادت فرنسا تقديم نفسها كدولة تنوع عرقي وثقافي وديني، والمنتخب الفرنسي الفائز بالكأس الأخيرة يضم لاعبين من أصول عربية وأفريقية، ومن القارة الصفراء وأمريكا الجنوبية.. حتى بلغ الأمر بأن رمانة وسط المنتخب الفرنسي “بول بوجيا” تتولى والدته منصب وزيرة الرياضة في بلدها غينيا وشقيقه الأكبر يلعب لوطنه الأصلي.. وسبق أن تقابل الأشقاء الغانيين بواتيخ الكبير والصغير في الملعب أحدهما يدافع عن ألوان المنتخب الألماني والثاني يدافع عن منتخب غانا!!
وبالأمس حصدت دولة قطر ثمرة استثمارها في التقنية والعلم.. وثمرة التنوع في المجتمع حيث انتهى عصر القبيلة والقومية الواحدة.. وأطل فجر التمازج والتصاهر للشعوب متعددة الثقافات والأعراق والديانات والهويات.. قطر التي فازت بكأس آسيا.. بعد أن قدمت نفسها في ثوب جديد كثمرة لأكاديمية (أسباير) التي أنفقت عليها الدولة القطرية مليارات الدولارات وتعاقدت مع نخبة مدربين من البرازيل وإيطاليا وأسبانيا.. وألمانيا من أجل غرس مبادئ كرة القدم في (أدمغة) الصغار قبل تعلم المهارات الأساسية.. ونظرت قطر لتجربة أكاديمية أياكسي أمسترام في هولندا وأكاديمية (ألماسيا) في برشلونة وأكاديمية ساحل العاج.. وجاءت قطر بأفضل اللاعبين الأوروبيين لإنهاء مسيرتهم الرياضية في الأندية القطرية مثل أفضل لاعب وسط في التاريخ.. “شافي هرنانديذ” ليتعلم الشباب القطري من أمثاله فنيات اللعبة.. ونظرت دولة قطر للمجتمع العريض.. بتنوعه وتعدده.. واستفادت من كل قطري بغض النظر عن أصوله المعرفية البعيدة أن القريبة.. وقدمت في بطولة آسيا بالأراضي الإماراتية كرة قدم من كوكب آخر كما يقول المعلق الشهير “رءوف خليف”.. وانتزعت إعجاب المشجعين من كل أركان الدنيا.. وفاز (المنتخب) الشهير بالعنابي على السعودية والإمارات واليابان.. وجميعها منتخبات بلغت نهائيات كأس العالم، ولكن قطر عرفت كيف تستثمر في التنوع وفي التقانة وفي كرة القدم كعلم يدرس وليس مهارات فطرية فقط.
متى نتعلم نحن هنا من تجارب الآخرين وآخرهم دولة قطر في الاستثمار في المتاح من القوة البشرية ونضع ربيعنا بيدنا.. ونتعافى من أمراضنا الاجتماعية وتدرك نخبنا أن التعدد نعمة وليس ضعفاً كما يخيل إلينا!!