حوارات

(المجهر) فى حوار الراهن السياسي مع الدكتور “محمد الأمين خليفة” القيادي بالمؤتمر الشعبي

السودان بتركيبته الحالية لن يحكمه حزب واحد

موقف المؤتمر الشعبي واضح منذ الراحل “الترابي” الحوار وليس إسقاط النظام
الاحتجاجات شارك فيه أبناء الإسلاميين واليساريين وشباب عامة الشعب بصوت واحد
بقاء رؤساء الأحزاب السياسية لفترات طويلة في سُدة الحُكم لم تجعل هناك أفق مفتوح للشباب
لم نشارك فى مسيرة الساحة الخضراء وأبلغنا الرئيس بذلك

حوار: صلاح حبيب
لزمت كثير من الأحزاب السياسية الصمت ولم تتضح رؤيتها حول الاحتجاجات التى انطلقت فى التاسع عشر من ديسمبر الماضي وإلى أي الأطراف تقف ومن خلال هذا الحوار الذي أجريناه مع الدكتور “محمد الأمين خليفة” القيادي بالمؤتمر الشعبي نائب رئيس مجلس الولايات سألناه حول موقف المؤتمر الشعبي من تلك الأحداث وما هي وجهة نظره في الحل إذا ما استمرت تلك المظاهرات وما حقيقة مرض الأمين العام للمؤتمر الشعبي الذي تزامن مع تلك الأحداث ولماذا لم يشاركوا في المسيرة التي نظمت بالساحة الخضراء والتي خاطبها رئيس الجمهورية تلك الأسئلة وأسئلة أخرى يجيب عليها الدكتور “محمد الأمين خليفة” في حوارنا هذا
*أهلاً سعادتك دكتور “محمد الأمين خليفة” في حوار من حواراتنا المتجددة ونتكلم في ما يجري الآن على الساحة السياسية من أحداث واحتجاجات وموقف المؤتمر الشعبي منها؟
ما يجري الآن في الشارع السوداني هو محاولة لحل قضية كانت معقدة وتوالى عليها الزمن، وبعد ذلك تلاحقت الأزمات، وفي اعتقادي أن الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي حدثت هي عبارة عن ثمرة مُرة من السياسات السابقة وليست بنت اليوم أو الغد، إنما لسنين سابقة.
ما السبب برأيك يا دكتور؟
والله يا أخي هي عدة أسباب وليست سبباً واحداً، أولاً منها أن السودان بتركيبته المختلفة لا تستطيع أن تحكمه جهة واحدة أو حزب واحد حتى الاستعمار كان استعمار مرة تركي مصري ومرة انجليزي مصري وحتى الحكومات المتعاقبة عبر الزمان يعني السودان القديم ولا الحديث كان هناك تحالفات بين الفونج والهمج والعبدلاب وبعد ذلك حتى الحكومات المتعاقبة لم يحكم حزب واحد والحزب الواحد دائما هو الذي يؤدى إلى بعض الاضطرابات حتى الاستقلال سبحان الله كان من داخل البرلمان وكان في غرفتين والغرفتان اشترك فيهم مجلس الشيوخ ومجلس النواب وليس مجلس الشيوخ فحسب أو مجلس النواب فحسب وحتى رفع العلم لم يكن من جهة واحدة كان بين الحكومة والمعارضة، “الأزهري” و”المحجوب” مع بعض رفعوا العلم، فهذه كلها مؤشرات تؤكد أن السودان لا تحكمه جهة واحدة لابد من إدارة الأزمة بتحالف أو بتكتل أو بلم شمل، فمن الأخطاء التي حدثت سابقا خلاف الإسلاميين كما ذكرت والأحزاب بدل ما تكون حزبا يراعي شريحة من المجتمع أصبحت عدة أحزاب، طبعاً حزب الأمة ليس حزبا واحدا هو عدة أحزاب كذلك الاتحادي الديمقراطي والشيوعي والإسلاميين وما شابه ذلك، وأخيراً جاءت الانتخابات وكأنما أراد المؤتمر الوطني ….
*مداخلة .. عفواً ولكن ماهو أصل الخلاف بين الأحزاب السياسية التي أدت إلى الانقسامات هذه، إلى ماذا تعزيها برأيك؟
أنا اعزيها تقريبا إلى بقاء رؤساء الأحزاب في سُدة السُلطة السياسية أو السُلطة الدينية وأن لا يكون هنالك أفق مفتوح للشباب الذين بدورهم رأوا أن الطريق مسدود أمامهم في الوصول إلى هذه المواقع إلا بتدافع الأمر الذي يؤدي بدوره إلى انشطارات أو إلى تكتلات داخل الحزب وتنشأ الأحزاب.
الآن الشباب هم من يقود الثورة؟
صدقت الحركة الآن هي حركة الشباب، وحتى الشباب الذي تحرك ليس من جهة واحدة، هناك شباب من الإسلاميين وشباب من اليساريين وشباب من عامة الناس فكلهم يتحدثون بصوت واحد ولكنهم اتوا من مشارب مختلفة.
*ما موقفكم من الأحداث الجارية؟
والله ما يجري ظاهرة صحية وظاهرة اعتبر أنها حميدة جدا لأنها انتقال حقيقي من حالة الركود والسكون إلى حالة الحركة، وكأنهم أي ـ الشباب ـ يطبقون ما جاء في الدستور وما جاء في القانون، بأن لهم الحق في الحُرية دون خوف ودون وجل وهذه محمدة، لكن فقط المؤشر الذي كنا نخاف منه هو (حكاية التخريب والمندسين).
*هل صحيح الآن كما تقول الحكومة أن هنالك مندسين ومخربين، أم تعتقد أنهم شباب فقط؟
التخريب الذي حدث في القضارف وفي بعض المناطق لابد أن يكون من ورائه مندسين، لذلك ما حدث في القضارف كان تخريبا كبيرا جدا وتحطيم لدار الحزب الحاكم فلا يمكن ما يكون هناك مندسون مخالفون أيدولوجيا للحزب الحاكم واعتقد أن هناك بعض المندسين وهذا شيء متوقع.
البعض يعتبر أن موقف المؤتمر الشعبي ضبابي من الأحداث، هل أنتم مع المتظاهرين أم مع الحكومة؟
لا لا نحن موقفنا ليس ضبابيا إطلاقا هذا الموقف اتخذ قبل أن نشترك في حكومة الوفاق الوطني في جلسة كانت عاصفة جدا ومحضورة اتخذنا فيها شورى واسعة لمدة (17) ساعة بحضور الراحل “الترابي”، كان الاجتماع في الهيئة القيادية للشورى واتخذنا قرار الحوار وليس قرار إسقاط النظام، (نحن سبقنا الآخرين في السابق بالدعوة لإسقاط النظام، لكن رأينا أن ذلك ليس هو الطريق السليم بعد أن وجدنا قبولا من الحكومة للحوار ولذلك أعددنا كل المشاركين في الوثبة الأولى من 2014 وبقينا في الحوار ولم ننكص عهدنا إلى يومنا هذا، لأننا نرى أن هذا الطريق السليم للخروج من المآزق الكثيرة الموجودة في السودان ولذلك نحن مع الحوار، أما التظاهر فهذا أمر مشروع، ونحن إطلاقا لا نأمر ولا ننهى شخصا آخر وهذا هو موقفنا ولكن نحن ضد التخريب وضد العنف من الطرفين.
*الناس يعتقدون أن دكتور “علي الحاج” ادعى المرض وترك البلاد عقب تأجج الأوضاع؟
هذا ليس صحيحا وسبحان الله من الشواهد التي يشهد عليها كل الناس أن دكتور “علي الحاج” عندما جاءته هذه الحالة المرضية كان في منزل عزاء الشيخ “جاويش” زعيم الإخوان المسلمين، فأصابته نوبة سُكري وأخذوه إلى المستشفى ويشهد عليه جميع الحاضرين في منزل العزاء، سبحان الله أن لم يصب بمرضه أمام الناس جميعا لشك الناس في ذلك، وهو الآن الحمد لله تماثل للشفاء وعاد من المانيا ونحن على تواصل به، وسيعود قريبا جدا إن شاء الله.
*هناك بعض الشباب من الحزب الشعبي قدموا استقالاتهم في ظل الظروف الحالية، إلى ماذا تعزيه؟
أغلب الذين قدموا استقالاتهم عقب أن اجتمع معهم الأمين السياسي “إدريس سليمان”، والأمين العام بالإنابة “الأمين عبد الرازق” خلال اجتماع اللجنة التنسيقية العليا وأبلغ السيد رئيس الجمهورية أننا لن نشارك في مسيرة الساحة الخضراء ليس رفضا ولكن هذا خط الحزب.
*لم تخرجوا في المظاهرات ؟
لم نخرج في المظاهرات ولم نخرج في دعوة الرئيس وأخذنا موقفا، هو موقف سليم بالنسبة للمؤتمر الشعبي.
*طيب فيما يتعلق بالاحتجاجات الأولية كانت المشكلة الأساسية هي اقتصادية تتعلق بأزمات الوقود والخبز والنقود، ثم تحولت بعد ذلك إلى عملية سياسية هل تعتقد أن هناك جهات تعمل في الخفاء وقامت بتحويل العمل من اقتصادي إلى سياسي؟
القضية ليست اقتصادية في المقام الأول رغم أن القضية الاقتصادية هي من الدوافع القوية التي أدت إلى هذه التظاهرات، لكن القضية في الأساس هي قضية سياسية، كما ذكرت لك في البداية والحالة الاقتصادية هي عبارة عن الثمار المُرة للأخطاء السياسية خلال السنوات الماضية، شح الوقود من الأخطاء السياسية والإدارية، شح السيولة أيضاً من أكبر الأخطاء السياسية والإدارية وكذلك شح الدقيق، فهذه أزمات أصبحت متراكمة ومتلازمة وأصبح المواطن السوداني على قدر صبره لم يستطع أن يحمل هذا العبء الثقيل الذي وقع على ظهره فتظاهر وانفجر في الشارع بشكل مشروع، أنا أقول بكل وضوح هذا أمر مشروع نعم هناك بعض الأحزاب السياسية تريد أن (تٌجير) هذه التظاهرات وتأخذها إلى منحى آخر مما أدى إلى بعد المشاهد التي نراها، لكن الحل هو الاعتراف إذا أردت أن تعالج القضية لابد أن تشخص الحالة وقبل التشخيص يجب الاعتراف وقد اعترفت الحكومة واعترف الشارع واعترف كل شخص مراقب للمشهد السياسي أن الوضع يحتاج لمخرج.
*مخرج بمعنى؟
المخرج هو الاعتراف بالمشكلة ومن ثم لم الشمل وأن يجلس الناس ويناقشون القضية بكل شفافية بدون أي (استهبال) لأن السودان الآن مريض وعندما يكون لديك مريض ليس من الحكمة أن تفر منه، يجب أن تكون بجواره وتعطيه الدواء حتى يتماثل للشفاء ويتعافى السودان من العلة التي أصابته، لابد من حل للقضية، يجب أن نبدأ بداية الاعتراف بالأزمة لأن الاعتراف يؤدي إلى الثقة يجب الاعتراف والمعالجة لداء عرفناه الآن، مخرجات الحوار الوطني التي وصلت إلى (994) توصية إذا طبقناها ستكون مخرجا من المخارج لأنه فيها قضايا سياسية واجتماعية وعلاقات خارجية وقضايا نظام الحُكم وكله موجود في المخرجات.
*هناك بعض الأصوات تنادي بحل الحكومة والولاة والبرلمان وتكوين حكومة رشيقة كما كانت في أكتوبر وأبريل ومن ثم عملية الانتخابات؟
مخرجات الحوار الوطني اقوى، لو نظرنا إلى هذه المخرجات نجد أن نظام الحكم فيه هيكلة واضحة جدا وضعناها بفضل السلطات الحقيقية (تنفيذية ـ قضائية ـ تشريعية) ولا بد من إزالة الترهل الموجود في الحكومة وكذلك في جانب السياسات الخارجية كانت السياسات واضحة جدا هناك سياسات رشيدة سياسية المصالح والمبادئ موجدات الاثنين جنبا إلى جنب بعض، وكذلك في قضايا السلام والوحدة وهي الأسبقية الأولى لكل الأحزاب لم يكن هناك حزب إلا وكانت أسبقيته الأولى هي السلام وتم تكوين مجلس أعلى للسلام والوحدة ويضم كل القضايا الأساسية التي تأتي منها ثغرات الحرب وما شابه ذلك مثل قضية الأرض والسلاح وقضية دارفور والنيل الأزرق وهكذا ثم يكون هناك هيكل وظيفي لهذا المجلس ثم يكون رئيس المجلس في القصر هو مستشار السلام الأخ رئيس الجمهورية، وكذلك قضية الهوية كما ذكرت، هذا السودان لابد من معرفة من نحن فإذا عرفنا من نحن نستطيع أن ندير هذا التنوع الموجود في السودان حتى كل المؤسسات تظهر هذا الوجه الجميل المتنوع بإدارة حكيمة حتى لا نقصي أحدا على أحد ولا نفضل شخصا على أحد هذا السودان لا يمكن أن يحكمه حزب واحد ولا يمكن أن يحكمه تيار واحد، لابد من إدارة التنوع الحقيقي وأن نكون كلنا مواطنين من الدرجة الأولى.
*نلاحظ أن موقف دول الخليج من السودان في ظل هذه الثورة هو موقف سلبي رغم أن السودان كان لديه مواقف إيجابية، كيف تنظر إلى العلاقات السودانية مع دول الخليج ومواقفها من السودان في تلك الظروف؟
والله كل له غرض يسعى ليدركه وبعض الدول العربية، يعني نحن لا يمكن أن ننكر مواقف بعض الدول العربية لعل في سياساتهم الخارجية هم ينظرون إلى المشهد ككل ولم يشخصوا التشخيص الدقيق يعني، بعض منهم يظن أنهم إذا وقفوا مع الحكومة قد تكون هنالك هبة تتعارض مع مصالحهم، لكن هذه قضية محلولة فحسن العلاقات الخارجية هي أنك لابد أن تجابه هذه القضايا التي تحدث في الدول خاصة الدول ذات البقاء الطويل في سُدة الحُكم لأن أنظمتهم أنظمة قد تكون شمولية أو ملكية تتخوف من الثورات أو الربيع العربي أن يكون عدوة تصيب شعوبهم، عموما لكل تقديراته، لكن أخلص وأقول إنه ليست كل الدول العربية مواقفها سالبة تجاه السودان، مثلا نرى في الدبلوماسية السودانية التي تحرك منها الأخ “البشير” أن هنالك قبولا وتجاوبا في المساعدة من الخروج من المأزق السياسي الذي نحن فيه.
*على الرغم من الاحتجاجات التي تخرج والتي تقول إنها سلمية وليس بها تخريب مثل ما حدث في احتجاجات سبتمبر 2013 لكن هناك إطلاق رصاص على المتظاهرين، كيف تنظر لهذا الأمر؟
نعم المظاهرات خرجت سلمية وستظل سلمية واعتقد أن المواطن ليس لديه سلاح إذاً السلاح هذا خرج من مكان آخر، وليس من مصلحة الحكومة أن تستخدم العنف بالقتل لأن هذا يتنافى مع الدساتير وكل الأعراف الدولية إذاً لابد من التركيز في لجنة التحقيق برئاسة الأخ وزير العدل ومع احترامي له لكن يا حبذا لو أن رئاسة اللجنة كانت بواسطة النائب العام، لأن النائب العام هو الذي يحمل حقيبة الشعب بعكس وزير العدل فهو يحمل حقيبة الحكومة، كنت اتمنى أن تكون برئاسة النائب العام وثم تكون هناك تحقيقات وأدلة واضحة والتقنية الآن يمكن عبرها الوصول إلى الجناة بعد ذلك يعرض للمحاكمة.
*طيب حال استمرار هذه الاحتجاجات اليومية كيف تنظر إلى المخرج الحكومة رافضة والثوار رافضون؟
المخرج اعتقد أنه لابد للحكومة أن تأتمر بأوامر الشعب لأنه السُلطة الحقيقية، هذا الشعب قد عبر وإذا الحكومة لابد أن تستجيب لهذا التعبير.
*كيف تستجيب؟
تستجيب للمطالب الحقيقية.
*كيف تتم الاستجابة للمطالب الحقيقية في ظل الشح والندرة التي تعيشها البلاد؟
لابد أن تستشير الآخرين ليس الحزب الحاكم فحسب بل كل الأحزاب الموالية والمعارضة وأن تناقش القضية بكل شفافية وأن تضع الأولويات متى ما أزالت هذه الأولويات وخاصة القضايا الحياتية الآنية اللحظية مثل الوقود والسيولة والخبز وما شاكل ذلك سيبعث الثقة بين الحكومة والشعب لأنه صاحب السُلطة الحقيقية ثم بعد ذلك تعود الدورة النقدية إلى مسارها ويعود الناس إلى عيش كريم وأكثر شيء أنا أراه هو جرح الكرامة السودانية هذا الشخص السوداني الإنسان الكريم الذي لا يريد أن يهان بأي حال من الأحوال، ويقف في الصفوف طويلا ليرى شيئا هو حقه الأساسي وليس منة من الحكومة، نريد لظاهرة الصفوف أن تزول قريباً، هذا السودان غني برجاله ونسائه وشبابه وشيبه، لكن علينا أن نتعظ من هذا الدرس أن لا يتكرر أبداً وأن نجعلها مثل العترة التي تصلح المشية.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية