تقارير

هل تصلح الوجوه الجديدة ما أفسدته الاحتجاجات؟

حكومة الولاية الجديدة

القضارف : سليمان مختار 
أجرى والي القضارف، عميد أمن “مبارك محمد شمت”، الذي سمي واليا على الولاية، خلفا للوالي الراحل “ميرغني صالح”، أجرى تعديلات على الحكومة لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية التي خيمت على المشهد السياسي بالولاية جراء الاحتجاجات المتتالية التي شهدتها القضارف، وفشل الجهاز التنفيذي السابق في معالجة مسببات الأزمة.
اعتبر مراقبون الخطوة جاءت لامتصاص موجة الغضب الشعبي، وكسب ثقة الشارع، وإيقاف الاحتجاجات التي توسعت دائرتها، واكتسبت مدا شعبيا جديدا، علاوة على سعي الوالي لتخفيف ضغط الرأي العام، حيال المطالب بتغيير حكومة الولاية الحالية، أو إعفاء عدد من الوزراء يعتقد أنهم سبب الأزمة الحالية، فضلاً عن التعامل مع الواقع الجديد الذي أفرزته الاحتجاجات.
برزت عدد من الاستفهامات حول الوزراء والمعتمدين الذين غادروا مواقعهم في الجهاز التنفيذي، من منسوبي المؤتمر الوطني الأسماء الجديدة التي تم الدفع بها لشغل الوزارات، وتعهد الوالي بإجراء تعديلات لاحقا في صفوف معتمدي المحليات، فيما برزت توقعات بمغادرة عدد من المعتمدين لأسباب تعلقت بضعف الأداء والإخفاقات التي صاحبت فترة عملهم، فيما يرى مراقبون تعاطي الوالي مع تلك الفرضيات أفضت إلى تلك التغيرات، وضخ دماء جديدة تتمتع بالكفاءة والتأهيل، بعيدا عن الترضيات والمحاصصات السياسية والقبلية، تفضي إلى انهاء حالة السخط والتذمر المزمن، وتجنب الكلفة السياسية الناجمة من إفرازات الاحتجاجات، التي سوف تؤثر حتما على مسيرة الحزب السياسية بالوﻻية عاجلاً أم آجلاً.
ما شهدته الوﻻية من إخفاقات في مختلف المجاﻻت، أكد بجلاء أوجه القصور الذي ﻻزم فترة أداء الحكومة الحالية والذي انعكس على مجمل الخدمات التنموية المقدمة، التي اعتراها التدهور وينظر إليها كثير من المراقبين بأنها لم تلامس احتياجات المواطنين الضرورية وتلبي أشواقهم وتطلعاتهم التنموية.
الإخفاقات على الصعيد التنموي امتدت إلى البراحات السياسية الواسعة إذا فجرت موجات متتالية من الاحتجاجات التي شهدتها الولاية مؤخرا ولازالت شعلتها مستمرة خاصة بعد فشل سياسة التعاطي الأمني مع تلك الاحتجاجات التي شهدتها مؤخرا الولاية، إذ لم تأتِ ثمارها، وكان لابد من حلول سياسية تتبعها حلول اقتصادية لتجاوز الأزمة، يرى مراقبون أن أزمة الاحتجاجات الحالية رغم أن أسباب عامة بكافة أنحاء البلاد والتي تمثلت في الضائقة المعيشية وانعدام السلع الضرورية مثل الخبز والسيولة والوقود إلا أن هنالك أسباب ولائية لتلك الأزمات لا يمكن تجاوزها تمثلت في الضعف البائن لأداء الجهازين السياسي والتنفيذي، الأمر الذي يتطلب من الوالي إجراء إصلاحات ومراجعات، وتعديلات واسعة على الحكومة الحالية، ويستطيع أن يتجاوز بها الأزمة الحالية، وإن الإصلاحات تعتبر المخرج الوحيد لتجاوزها، وأحداث مقاربة بين الحكومة والمواطن، والتي مافتئ الشارع يوجه رسائلها للحكومة.
ويرى مراقبون أن مغادرة وزير المالية والاقتصاد بالوﻻية “عمر محمد نور” الذي دفع باستقالته إلى الوالي مؤخرا، كانت متوقعة لجملة من اﻻعتبارات أولها أن الرجل ضعيف في أدائه لقلة خبراته في مجال العمل التنفيذي، إلى جانب عجزه وفشله في إدارة مشروع الحل الجذري لمياه القضارف الذي دخل عامه الرابع ولم يرَ النور إلى اليوم . فضلا عن انعدام الشفافية حول مآلات مسار المشروع الذي راهنت الولاية على إنجازه في الموعد المضروب، إلى جانب فشله في مشروعات تخفيف أعباء المعيشة التي هدفت إلى توفير الاحتياجات الضرورية للمواطنين، خاصة فيما يتعلق بانعدام توفر سلعة الغاز لأكثر من عام بالرغم من وفرته بصورة عامة في الولايات الأخرى، إلى جانب تراجع مراكز البيع المخفض في تقديم وتوزيع سلعة السكر وتكدسه في المخازن الأمر أدى إلى إحراقه من قبل المحتجين. بجانب تراجع المشروعات التنموية ذات الأثر الاقتصادي، واضمحلال المشروعات في مجال البنية التحتية خاصة في مجال الطرق كلها عجلت بمغادرة وزير المالية، ويرى مراقبون أن مغادرته وجدت مقبولية واسعة من الرأي العام بالولاية، وكانت التغيرات خالفت توقعات تعيين وزير المالية السابق “معتصم هارون” للذين طالبوا بعودته، ولفتوا إلى أن الرجل كان يمثل إضافة حقيقية للجهاز التنفيذي، لجهة قدراته وكفاءته المالية والإدارية وعفة يده فضلا عن البصمات الواضحة التي وضعها في الملفات التنموية بالوﻻية خلال فترته السابقة.
فيما رشحت أنباء عن اعتذاره ليتم تسمية “عز الدين حمودة محمد” القادم من وزارة التعدين، والتي كان يشغل فيها مديرا للشؤون المالية بعد أن عمل منسقا للخدمة الوطنية بعدد من الولايات، ارجع مراقبون تعيينه لإتاحة الفرص لأبناء الولاية في المواقع التنفيذية، وبات تعيينه يمثل تحديا كبيرا لحكومة الولاية بسبب الملفات الشائكة المعقدة التي تعج بها الوزارة خاصة استكمال مشروع الحل الجذري لمياه القضارف إلى جانب توقف عمليات تنفيذ المشروعات التنموية الخدمية ومعوقات قضية معاش الناس في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، وقالوا إن ذلك يتطلب منه بذل كثير من الجهد ودعم من المركز لتنفيذ تلك الملفات، في الوقت الذي أكد مراقبون ضرورة تحويل ملف مشروع الحل الجذري للمياه إلى وزير البنى التحتية والتخطيط العمراني العقيد بحري “عبد القادر محمود شاذلي” على خلفية اختصاص الوزارة في الوقت الذي اتفق مراقبون مع قرار إعفاء وزير الصحة والتنمية الاجتماعية، “عواطف محمد علي الجعلي” لجهة ضعف الأداء الذي ﻻزم فترة عملها بالوزارة إذ إن الوزيرة لم تضع أي بصمات في تحريك الملفات بالوزارة وفشلت إحداث اختراق خاصة في ملف الفقر الذي توسعت رقعته والتي تبدت تجلياتها خلال الاحتجاجات الأخيرة وإن الوزارة شهدت في عهدها تدهورا واضحا في برامج مكافحة الفقر، إلى جانب فشل مشروع الشامل للضمان الاجتماعي الذي نفذ في عدد من المحليات بفعل ضعف آليات المتابعة للمشاريع الإنتاجية، التي تم تمليكها للفقراء، وإن الوزيرة لم تستطع إيجاد الحلول الجذرية للكثير من المعضلات في الملفات الصحية وترقية وتطوير القطاع الصحي من حيث الكم والكيف بسبب الخلافات بينها ومنسوبي القطاع الصحي خاصة بعد تمسكها بتعيين مدير عام للوزارة من خارج القطاع الصحي واستقوائها بالوالي الراحل، من جانبه اتفق المحلل السياسي “محمد خالد” في حديثه لـ(المجهر) لاستجابة الوالي مع مطالب الشارع لتشكيل حكومة جديدة وإجراء التغيير وقال إن الإجراءات يمكن أن تسهم في خفض وتيرة احتجاجات الشارع الذي يغلب عليها شريحة الشباب، مطالبا باستكمال التغيرات بأن تشمل المعتمدين غير الفاعلين وتوقع مغادرة معتمد محلية القلابات الشرقية، “عثمان دج” الذي قال إنه يأتي في قائمة المعتمدين المغادرين للقصور الذي ﻻزم أدائه على الصعيدين التنفيذي والسياسي، وفشله في احتواء ملف النزاع في منطقة الحمرا وفك شفرته واحتوائه حتى تفجرت القضية وتحولت إلى أحداث دامية راح ضحيتها عدد من المواطنين. وذهب “خالد” إلى أن معتمد محلية المفازة “عبد العاطي حسن دكين” يعتبر في قائمة المغادرين لضعف أدائه وقلة خبراته التنفيذية والسياسية، وإن الرجل قضى أربع سنوات في الجهاز التنفذي تنقل فيها بين محليتين دون عطاء يذكر، وفي المقابل قطع مراقبون بمغادرة معتمد بلدية القضارف العميد “الطيب الأمين” لضعف قدراته الإدارية والتنفيذية والسياسية، الأمر الذي انعكس على مجمل الخدمات ببلدية القضارف، وغياب المشروعات التنموية بكافة أحياء البلدية، ولم تشهد فترته بصمات واضحة وشهدت حاضرة الوﻻية تدهورا ملحوظا في المرافق الحيوية إلى جانب توقف حملات النظافة وبرامج إصحاح البيئة وأصبحت خيران البلدية مكبا للنفايات وتحفت طرقها من الأسلفت رغم امتلاكها وحدة هندسية متكاملة إلى جانب تراجع نتيجة تعليم الأساس بالبلدية نتيجة لتدهور  الخدمات التعليمية وافتقار المدارس للبيئة المدرسية وضعف البنية التحتية بالمدارس ورجح مراقبون أن يتولى معتمد محلية القريشة الحالي “عبد السميع دفع الله” زمام الأمور في بلدية القضارف في التشكيل القادم، وتشير التوقعات إلى مغادرة معتمد محلية باسندا اللواء معاش “محمد الحسن” ود الشواك بسبب حالته الصحية خاصة أنه دفع باستقالته للوالي، فيما توقع بقاء كلا من معتمدين محليات وسط القضارف والبطانة والفشقة وقلع النحل والرهد لنجاحهم في تنفيذ عدد من المشروعات، وقال المحلل السياسي “قمر حسن الطاهر” إن خطوة تشكيل الحكومة لا تعدو أن تكون مسكنات وقتية لمعالجة تراكمات تجاوزت أربع سنوات، وزاد أن كل خطوات الإصلاح ينظر لها المواطنون بعين الريبة والشك لكثرة الوعود غير المنفذة، وذهب إلى أن الشباب فرض واقعا جديدا في المشهد السياسي، وعلى الحكومة مخاطبة قضاياه بجدية إلا أنه عاد واستدرك أن التغييرات في الحكومة يحمد لها بأنها لم تتجاوز أبناء الولاية خاصة فيما يتعلق بحصة المؤتمر الوطني وإن إسناد وزارتي المالية وإنتاج الموارد الطبيعية لوزراء يتمتعون بالكفاءات والقدرات التنفيذية يمكن أن يسهم في تحريك دولاب العمل، وإحداث تفاعل في الجهاز التنفيذي مشيدا بتجاوز الأسماء القديمة التي أخذت حظها في الاستوزار، فيما وجدت خطوة تعيين “هدى الأمير إبراهيم” بتوليها حقيبة وزارة الصحة والتنمية الاجتماعية، والتي تفاجأ بتعيينها قطاع كبير من المواطنين وجدت تساؤلا وجدلا كبيرا وسط المراقبين لجهة أنها لم تدرج في قطاع الخدمة العامة، وكل خبراتها في الخدمة الوطنية والمجلس التشريعي والحزب والمجلس الوطني، وإن الصحة تحتاج للتخصص في الحقل الصحي والاجتماعي، إلى جانب ضعف خبراتها في هذا المجال إلا أن مبدأ منح الفرص لأبناء الولاية كانت أحد فرضيات تعيينها.
محك الحكومة الجديدة كيفية إحداث تغيير في المشهد السياسي الملتهب بجذوة الاحتجاجات وامتصاص غضب الشارع.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية