صناعة المراكيب في (دارفور).. النساء أكثر مهارة!!
الخالة “أم كلثوم” كما يحلو لـ(حفيداتها) اللاتي يقمن بمساعدتها في صنع المراكيب أن ينادينها، تقوم بتقطيع الجلود المدبوغة وهندستها في أشكال مختلفة، تعد الفورمات المناسبة ثم تترك بقية الإجراءات لحفيداتها تحت إشرافها.
ابتدرت “أم كلثوم” التي تبدو وكأنها في العقد الخامس من عمرها صناعة المراكيب منذ نعومة أظفارها، واستطاع ابن خالتها “أحمد محمد صالح” أن يعلمها فنون الصنعة إلى أن تزوجت بـ”عثمان” الذي أخذ بيدها وأوصلها إلى ما هي عليه الآن، فكان يجلب لها الجلود من الأسواق ويدير معها عملها، ولكن شاءت الأقدار أن ينفصلا، وتواصل “أم كلثوم” مشوارها وحدها، تستعين ببعض الصبية في عملها.
تلقت “أم كلثوم” تعليمها الأساس إلى الفصل الرابع، ثم قاطعت الدراسة لأسباب مادية وأسرية إلى أن أصبحت صانعة مراكيب ماهرة، وبعد أن حققت لنفسها اكتفاء ذاتياً عادت كرة أخرى إلى مواصلة تعليمها، فحفظت القرآن على يد نسيبها العم “يونس عيسى”، رغم أن لديها بنتين هما “فرحة” و”أرض الشام” إلا أن “أم كلثوم” قررت أن تفتتح (خلوة) لتدريس القرآن خاصة بكبار السن من الجنسين.
{ بيتان وخلوة ورغبة في دخول الجامعة
تقول “أم كلثوم” لـ(المجهر): من دخل المراكيب استطعت أن أمتلك بيتين، وأقوم بتمويل خلوتي وأنفق على دراستي ودراسة بناتي، ولديّ رغبة كبيرة في الالتحاق بجامعة الخرطوم كي أدرس الاقتصاد حتى استطيع تطوير عملي والارتقاء به.
وفي السياق، تقول “أم كلثوم”: يتدرج سعر المركوب حسب جودته إلى أن يصل ما بين (64-60) جنيهاً، حيث يبلغ سعر الجلد الخام للواحد في بعض الأحيان ما بين (40-30) جنيهاً. وأضافت: نستخدم (الجلد القرفة)، جلد البقر، في صنع (الوطاية)، أما جلد الماعز فيعدّ من أجود أنواع الجلود، حيث نقوم بتزيين مقدمة المركوب بجلد الماعز ونمسحه بالزيت الطبيعي ونعرضه للشمس ليعطينا لونه الطبيعي الذي يتدرج بتدرج حرارة الشمس من (بيجي إلى أحمر) إلى أن يصير لونه بُنياً.
{ (حجة) هدية
واستطردت “أم كلثوم” قائلة: قدمت لي وزارة الرعاية الاجتماعية هدية لا تقدر بثمن، وهي الحج إلى بيت الله الحرام، وتم اختياري ضمن عدد من النساء تقديراً لجهدي في تحفيظ القرآن، حيث أسست (خلوتي) هذه منذ (9) أعوام من حر مالي (لكبيرات السن) اللائي بلغن سن السبعين.
وتمضي”أم كلثوم” قائلة: الآن أدرس في (الفصل الموازي) بوزارة الرعاية الاجتماعية، هذا الفصل برعاية منظمة كندية، أذهب للدراسة عند الثالثة وأعود إلى المنزل عند السابعة مساءً، أنظم وقتي ما بين الدراسة وصناعة المراكيب حتى أستطيع مزاولة نشاطاتي المختلفة.
{ تدريب المشردين
تقوم “أم كلثوم” بتدريب مجموعة من المشردين على (الصنعة) بالتعاون مع وزارة الرعاية الاجتماعية، كما أنها تتعاون مع مفوضية الرحل حيث تقوم بتدريب مجموعة من الأفراد على كيفية صناعة المحافظ الجلدية (وبيوت الطبنجات) ومحافظ الموبايلات، وفي هذا الصدد بلغ عدد من دربتهم إلى الآن (36) شخصاً، أما عدد من النساء اللائي دربتهن على صناعة المراكيب والمحافظ والشنط النسائية (18) امرأة من ولاية غرب دارفور، وما زالت تقوم بتدريب مجموعات وفئات أخرى بالتعاون مع اتحاد المرأة والجهات ذات الصلة.
{ مراكيب الجنينة والأحذية النسائية
وتضيف “أم كلثوم”: بجانب صناعة المراكيب تطورت مهنتي إلى صناعة الأحذية النسائية (الشباشب)، وشنط صغيرة بمختلف الألوان والأشكال، لأن المصنوعات الجلدية مرغوبة من الجنسين خاصة النساء اللائي يقبلن عليها بكثافة. وتجيب “أم كلثوم” عن سؤالنا لماذا تميزت الجنينة بجودة (مراكبيها)، بأن مركوب الجنينة اشتهر لجودته وصناعته المتقنة، والمرأة بطبيعتها أكثر إتقاناً لعملها من الرجل كما تتميز بالأمانة في تجارتها.
وأضافت: أقوم بإنتاج (4) أزواج من المراكيب يومياً، وما تبقى من وقت أوزعه ما بين دراستي ومنزلي، وتمضي: تزوجت مرتين ولدى (أربع بنات) في الجنينة وحي السلمة بالخرطوم، وزوجي كان يمتهن ذات المهنة لكنه تركها وذهب إلى الخرطوم حي (مايو) ويأتي إلى الجنينة في الإجازات.
إلى ذلك كشفت “أم كلثوم” لـ(المجهر) عن تكريمها من حرم رئيس الجمهورية السيدة “فاطمة خالد” في عام 2000م، إبان مهرجان المرأة الريفية المنتجة، بجائزة قدرها (ألف) جنيه، استفادت منها في أعمالها الخيرية كتدريس القرآن الكريم.