تقارير

محكمة الفساد في انتظار القطط السمان

بعد عشرة أشهر من تأسيسها

الخرطوم ـ المهدي عبد الباري

نحو عشرة أشهر، مضت على  إعلان الحكومة  تأسيس محكمة الفساد، وفق ما نشرته الصحف في نهاية شهر مارس العام  الماضي، لاجتثاث  مكامن الفساد من  جذوره، بيد القانون .

حملة استئصال الفساد ، ابتدرها الرئيس “البشير”،   وأطلق على الفاسدين  القطط السمان .

ومنذ افتتاح المحكمة أُعلنت  السلطات الأمنية عن إحالة(60)قضية إليها ،لاسيما أن على رأسها قضاة مشهود  لهم بالكفاءة والنزاهة والخبرة العملية في المجال،بيد أنها اقتربت من إكمال عامها الأول ،ولم تبت إلا في قضية واحدة متعلقة بغسيل الأموال في مبلغ تجاوز الـ(36) مليون درهم إماراتي   .

نص قرار التأسيس، على أن تختص المحكمة  بالنظر في الدعاوى التي  تحال إليها من النيابات المتخصصة بتوجيه من السيد رئيس القضاء ،شكلت  عدداً من الدوائر والمفوضيات دوائر خاصة بمحكمة الاستئناف والمحكمة القومية العليا لنظر الاستئنافات والطعون في الأحكام الصادرة من محكمة جنايات مكافحة الفساد ومخالفات المال العام ،وسبق أن شدد الرئيس “عمر البشير” على استمرار إجراءات مطاردة “القطط السمان” وتطبيق قانون الثراء الحرام مع وجود خيارين فقط أمام كل المشتبه بهم إما التحلل أو إثبات مصدر الأموال .

رغم الاعتقالات التي تمت لبعض العاملين بالقطاع المصرفي ، لم تقدم السلطات حتى الآن ،متهمين في قضايا فساد   إلى المحكمة منذ تأسيسها سوى قضية (المصرفيين ورجال أعمال) ، قضية  واحدة أشار إليها رئيس الجمهورية في تصريحات صحفية من ضمن(60) ملفاً صرحت به السلطات الأمنية .

الفساد في القانون السوداني

قال الخبير القانوني المحامي الأستاذ “سعد الدين حمدان”، إن القانون السوداني لسنة 1991م لم يشر إلى تعريف حقيقي وصريح لجرائم الفساد  ،وإنما القانون والدستور السوداني أشار إلى جرائم ومخالفات المال العام من ناحية جنائية وخيانة الأمانة ،وأضاف “سعد الدين” إن تعريف كلمة جرائم الفساد حالياً في السودان ما هو إلا تعريف سياسي ، لا يوجد نص واضح في القانون حتى الآن ،مشيراً إلى أن محكمة جرائم الفساد التي تم تأسيسها بقرار من رئاسة الجمهورية في شهر مارس لم تحقق الغرض الذي أنشئت من أجله لأن معظم القضايا التي تنظرها الآن هي بلاغات قديمة وبسيطة جداً لا تتعلق بالفساد الذي تتحدث عنه الدولة، وكان يمكن أن يتم الاحتكام فيها في محاكم ونيابات عامة متخصصة كما كان مسبقاً في محكمة المال العام ،لاسيما أن ملفات الفساد (القطط السمان ) التي أفصحت عنها السلطات الأمنية بأنها بدأت التحقيق مع رجال أعمال ونافذين ودستوريين وبرلمانيين وأنها أحالت بعض هذه الملفات إلى محكمة الفساد المختصة  المعنية بالسير في إجراءات محاكمة كل من ثبت فساده .

إجراءات التسوية

قطع الأستاذ المحامي “سعد الدين حمدان” بأن  إجراءات التسوية حسب   نص القانون  تتم  قبل السير في اتخاذ أية إجراءات قانونية  في مواجهة كل من وجهت له اتهامات بالفساد ، ولكن إذا تم اتخاذ إجراءات قانونية في مواجهته ، فالقانون لا يسمح بعمل التسويات إلا بواسطة المحكمة بعد إحالة الملف إليها لأنها هي الجهة التي خول لها الفصل في القضايا ، وقال إنه لا يجد تفسيراً قانونياً للتسويات التي أجريت مع متهمين تمت تسميتهم بأنهم من القطط السمان أمثال “عبد الغفار الشريف” و”فضل محمد خير”، “الحداد”،  وغيرهم من رجال الأعمال وتجار العملة الذين حققت معهم السلطات الأمنية .

خارج القانون

روى العديد من الخبراء والقانونيين أن عمل التسويات التي تمت تحت إشراف نيابة أمن الدولة بأنها لا علاقة لها بالمحكمة أو تحقيق العدالة من الناحية القانونية لأنه لا يمكن إجراء تسوية في التعدي على الأموال العامة نهائياً، مشيرين إلى  أن أغلب  القضايا التي تنظر فيها المحكمة الآن هي قضايا بسيطة كان يجب أن تنظر فيها المحاكم والنيابات العادية العامة ولا حاجة لإنشاء محكمة خاصة تعني بالفساد إذا لم يتم الكشف عنه حقيقة .

 

تعريف الفساد في القانون الدولي

قال الخبير القانون المحامي “يوسف ناصر فخري” إن تعريف الفساد كمصطلح ورد في القانون الدولي الذي تعمل به الدول الموقعة عليه التي من بينها السودان ، نجد أن تعريف الفساد هو انتهاك مبدأ الأمانة والنزاهة والشفافية والتعدي على المال العام من الناحية السياسية والاقتصادية من خلال استغلال النفوذ والسمات الوظيفية ، مضيفاً أن السودان وفقاً لهذا التعريف قام بإنشاء محكمة مختصة للنظر في الدعاوى الخاصة بالفساد وتخريب الاقتصاد واستغلال النفوذ ، حيث تم إنشاء مشروع مفوضية مبدأ النزاهة والشفافية والاستقامة ومكافحة الفساد لتحقيق غاية المحاسبة للمفسدين ومخربي الاقتصاد ، ونوه خبراء قانونيون  أن أية مخالفة لقانون الإجراءات المحاسبية والإدارية والمالية تعتبر فساداً ، مضيفين أن جميع المعاملات الربوية والثراء المشبوه هي جرائم فساد  وفقاً لقانون 1989م ، حيث يجب محاسبة كل من طرأ عليه ثراء مفاجئ وينبغي أن يُسأل من أين لك هذا ؟، كذلك القانون الدولي أشار إلى أن المخالفات في الانتخابات أيضاً جريمة فساد.

تعطيل سير الإجراءات

 

لفت الأستاذ “سعد الدين حمدان” أن سبب تعطيل الإجراءات ومحاسبة الفاسدين ومستغلي  النفوذ وعدم إحالة الملفات من الجهات والنيابات المختصة إلى محكمة جرائم الفساد يعود إلى الثغرات القانونية وعدم جدية قانون المفوضية، إضافة إلى أن المحكمة أنشئت قبل صدور قانون جرائم الفساد .
من جانبه أكد الأستاذ “ناصر” بأن هناك مشكلات من بينها عدم وجود القانون، إضافة إلى أن الوحدات والمفوضيات التي أنشئت بغرض التحقيق في قضايا الفساد لا تشرف عليها النيابات العامة التي ترسم مبدأ الشفافية والمساءلة لكل شخص لتحقيق الغرض منها ، حيث أنه لا يمكن محاربة الفساد وتقديم كل من اتهم بالفساد إلى المحكمة إذا لم يتم تفعيل قانون من أين لك هذا؟ وتفعيل دور مؤسسات المجتمع وتوفير الحماية للمبلغين عن الفساد .

قضايا فساد كبرى

على الرغم من مضي عشرة أشهر من تاريخ إنشاء المحكمة  الخاصة والمعنية بمحاكمة كل من تم اتهامه بالفساد الإداري والأخلاقي والمالي والسياسي والاقتصادي ، والتي عنيت أيضاً باسترداد كل الأموال التي استولى عليها الفاسدون عن طريق استغلال النفوذ ومخالفة الإجراءات المالية والمحاسبية ، لا يزال   الشارع يتساءل عن الفساد الذي أشارت إليه الدولة وأكدت على محاربته.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية