دورات المياه في محطات التسفار وما بينهما
ثمة استثمار مجز يلوح في محطات التسفار على مستوى ولايات السودان، حيث اتخذ المستثمرون على امتداد الصحارى أو وسط المدن من (دورات المياه) مطية للتكسب السريع غض النظر عن أين يصب موردها، وبحسبة بسيطة للناظر أو مستخدم العقار محل التكسب، فإن مردودها المادي بمئات الآلاف في اليوم الواحد. وهاكم فقط دورة مياه (الميناء البري) التي يؤم مدخل البصات العائدة العشرات وربما المئات من الرحلات التي أناخت برحالها من المسافرين عند فسحتها التي تضم دورتين مياه، واحدة للسيدات وأخرى منفصلة للرجال، قيمة الدخول لقضاء الحاجة فيها اثنان جنيه دون فاتورة أو تذكرة معتمدة تقنن المسألة، احتججت ذات سفرة على القيمة سيما أن الحمامات لا تتمتع بنظافة فائقة ولا حتى متوسطة اللهم إلا (شوية) بخور بالكاد تمر رائحته أمام أنفك على عجل، (وجعتني) القريشات التي دفعتها، افترضت جوازها جنيه واحد لضعف الخدمات والجنيه يكفي المتاح منها، فسألت الصبي البسيط الذي جلس على التحصيل لماذا جنيهين؟ ولماذا لا توجد تذكرة معتمدة؟ وإلى أي خزينة يورد العائد من الجنيهين مضروباً في المئات على مدار اليوم الواحد؟ فردني بلؤم أمشي اسألي ناس الميناء مكاتبهم جوه، فقلت له (سمح بسألهم) وحيث إني لا أدري وجهتي فهاأنذا أطرح سؤالي عبر المنبر المفتوح إلى أين تورد محصلة دورات المياه؟ وفيم توظف؟ والحال يغني عن السؤال، فـ(الميناء البري) الذي تم إنشاؤه في العام 2004م لتلبية أغراض بعينها تضرب الفوضى فيه بأطنابها بعد أن ذهبت طلاوة الوهلة الأولى من تكييف وهدوء وتنظيم رحلات عبر الشاشات وبوابات الكترونية تنظم الدخول، بيد أن كل ذلك زال مع زوال المخدر فانقشعت الحقيقة المرة، وبعيداً عن الخوض في كل السوالب يكفينا منها فقط فوضى (الكماسرة) الذين تسربوا عبر البوابة الالكترونية على مرأى ومسمع الإدارة ومباركتها الإزعاج وتوتر المسافرين.
ذات السؤال ألقيته على رجل كبير في السن يقف على سدة دورة المياه بصحراء الشمالية عند الملتقى الجامع لكل الرحلات المتوجهة إليها حتى منحنى النيل، ولكم أن تتخيلوا عدد الرحلات المتوقفة عند هذه المحطة الجامعة (التمتام) ذهاباً وإياباً. سألت عمنا الذي ورغم بساطته أجابني بمنطق أتمنى أن يكون جانبه الصدق فيه، سألته أين توظف ولصالح من يعود دخل هذه الدورات التي قيمة الدخول للفرد فيها جنيهين؟ وبرضو من غير إيصال، فأجابني الرجل أنه يعود لصالح المدرسة التي خصصت للعرب الرحل في هذه الصحراء، حيث يسكن جلهم في (داخليات) وتوفر لهم الخدمات كافة، كما أن جزءاً من العائد يخصص للعربات التي تملأ الصهاريج. في الحقيقة أقنعني رده بحسبان أن هناك أوجه صرف تستحق ويشرف عليها القائمون على إدارة شريان الشمال. وللحقيقة أيضاً فإن تلك الحمامات على كثرتها، إذ تقارب العشرة للسيدات إلا أنها تتمتع بالنظافة وعدم انبعاث الروائح الكريهة، وشدة تيار المياه الذي سهل انسيابها.
بينما يمضي الوقت تتجلى في كل يوم صور من الاستغلال حتى في قضاء الحاجة، وليته استغلالاً لصالح آخرين من عامة الشعب.