أخبار

خربشات

(1)

إذا كان بعض الشعراء قد كتبوا الأغنية الواحدة.. وذاع صيتهم فهناك شعراء رفدوا مكتبة الأغنية بأجمل الأغنيات وطواهم النيسان.. ولا يعرف عنهم الآن إلا القليل من المنقبين في دفاتر الأغنيات، من بين الشعراء المنسيين ذلك (الحلفاوي) “صاوي عبد الكافي” الذي جمعته بأمير الطرب أغنية (أمير الحسن) التي حفظها كل عاشق للفن.. ورددها الشباب من سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم.. و”وردي” أضفى بحنجرته الذهبية كثيراً من الجمال.

كنت تايه في بحور الشوق

وأمواج الحنان

بقلبك أنت وحبك أنت

الجايني شاطئ الأمان

والمحبة يا حبيبة أقوى

من غدر الزمان.

و”صاوي عبد الكافي” كتب أغنية حبيب القلب ولكنها لم تجد حظها من الذيوع والانتشار مثل أغنية يا نسمة، التي صاغها شعراً “مبارك بشير” ولم يتغن مطرب غير “وردي” بأشعار “صاوي عبد الكافي”.

نسيت الود والعشرة الطويلة

وكيف ينساها ما بين يوم وليلة

أشيل من فكري ذكراك الجميلة

محال يا روحي ما باليد حيلة..

ومثل “صاوي عبد الكافي” جمعت نداوة الحروف ما بين الشاعر المنسي “محمد علي جبارة” وقيثارة الفن “محمد الأمين”.. وعاش “محمد علي جبارة” الموظف المثقف الاشتراكي غير الشيوعي التنظيمي.. بعيداً عن الناس.. ومنكفئاً على نفسه هائماً وسط الكُتب ودواوين الشعراء عاشقاً للجمال، حاول مبكراً كسر القيود ما بين المسلمين والمسيحيين حينما ارتبط عاطفياً بفتاة مسيحية، وكتب قصيدته الشهيرة التي لو كتبها في هذا الزمان.. لكفرته القوى الظلامية التي تصدر الأحكام عن جهل على الناس بما تعتقد إنه الصواب.. وجاء في قصيدة “محمد علي جبارة” مسيحية:

قرأت الحُب في إحمرار الخد

في سبل الجفون..

قولي يا حواء ما هذا الجنون

أتجيبني هل هذا صحيح

حبي يا أختاه محال ليس في

الحُب محال.

“محمد علي جبارة” جعل من فتاة مسيحية أختا له.. وحبيبة قلب.

أنت يا أختاه مسيحية

وأنا يا أختي مسلم

وهنا تبدو قضية وهنا رأي الدين صريح

وهنا تصرخ عادة ظنها الناس واردة

عبدوها عبادة وهي تقليد قبيح

أهلوكي وأهلي لا يرضون بوصلي

دينين لرسل محمد والمسيح..

(2)

الشاعر “محمد علي جبارة” (أبو شلوخ) كتب (وحياة ابتسامتك) وكتب (بعد الشر عليك) و(أنا وحبيبي) و(يا معاين من الشباك).. وشكل ثنائياً رائعاً مع الباشكاتب “ود الأمين”.. وهو صديقه وحبيب قلبه ولم يغن “ود الأمين” لشعراء كثر مثل “وردي” و”عثمان حسين” جمعته بـ”فضل الله محمد” (زورق الألحان) و(كلام زعل) و(الجريدة) و(أربعة سنين) و(الحُب والظروف) و(الموعد) والتقى “ود الأمين” مع “أبو آمنة حامد” في أغنية واحدة (بهجة).. ومع “إسحق الحلنقي” في (غربة وشوق) و(بتتعلم من الأيام)، وكل شعراء تلك السنوات كانوا نجوماً في الساحات العامة إلا “محمد علي جبارة” ضنين بالظهور في الساحات العامة. وحتى قصائده التي نشرتها صحيفة الصحافة كان يقول لأترابه إنها نشرت من أصدقاء بغير موافقته.. والشاعر مسكون بالعشق والليل والنسائم.. والحرائر.. وهو شاعر معذب:

في انتظارك يا حبيبي رايح أرعاك

بي حناني

ألقى في قربك سعادتي

وأنسى تعذيبي وهواني

يبغروا العشاق من هوانا

فرحة الريد والأماني.

ويزهو في وحياة ابتسامتك بذلك السمو في العشق والحنان ودفء المشاعر النبيلة

يا حبيبي عشت لي وعشت ليك

هاك عهدي وهات يديك

وحياة غرامي أهدي عمري وحبي ليك.

وحينما ألم جرح الألم بمحبوبته وغشاها المرض وضمها المشفى في أم درمان كتب قصيدة بُعد الشر عليك:

أنت يا رمز المشاعر ما بصيبك إلا خير

نحن مشتاقين وحاتك نحن مشتاقين كتير

والله ما صابرين دقيقة حتى من مرضك نغير

قلت للصديق والإعلامي “عبد العظيم عوض” : لو كانت في بلادي وزارة للثقافة لنهضت بأعباء طباعة دواوين شعراء بلادي، ومن عائد تلك الدواوين أطعمت أسراً تعيش على الكفاف وقلة الزاد، ولكن أين هي وزارة الثقافة في بلدي؟.

(3)

بقدر ما جاءت التعيينات الأخيرة في مناصب المديرين العامين والمفوضين ووكلاء الوزارات ارضائية لبعض ممن فقدوا وظائفهم في الفترات السابقة.. وتعيينهم في مواقع (تعينهم) على التغلب على الأوضاع المعيشية المتردية، إلا أن التعيينات بوجه آخر أنصفت بعض الكفاءات العلمية مثل البروفيسور “بابكر جابر كبلو” اختصاصي الباطنية بمستشفى السلاح الطبي، ووالي النيل الأزرق وجنوب دارفور السابق.. والقيادي في الحركة الإسلامية.. وكذلك عين البروفيسور “حسن أبو عائشة” الوزير السابق في منصب رئيس المجلس القومي للتخصصات الطبية، وكلاهما من الكفاءات النادرة.. والشخصيات المعروف عنها استقامة السلوك المهني ونظافة اليد وطهر الثياب وبياض السيرة والسريرة.. ود.”كبلو” عين في موقع وكيل وزارة (يصطرع) في دواخلها أصحاب المصالح ووكلاء شركات الأدوية.. ومنذ تسعينيات القرن الماضي.. لم تستقر وزارة الصحة إلا في أيام الوزير السابق “بحر إدريس أبو قردة” الذي تم إعفاؤه من منصبه لخلافه مع البروفيسور “مأمون حميدة” الوزير بولاية الخرطوم.. وإذا كان الوزير السابق “محمد أبو زيد مصطفى” قد قوبل تعيينه بانتقادات من الأطباء والصحافيين، فقد غادر الموقع سريعاً ومعه وكيل الصحة السابق “عصام الدين محمد عبد الله” ولكن الأخير تم (إرضاؤه) بمنصب الأمين العام لمجلس الوزراء القومي، بينما ذهب “أبو زيد” إلى سبيله.. ومشكلة التعيينات (الإرضائية) مردودها السالب في الشعور الذي ينتاب (المعين) بأن الموقع الجديد يمثل تعويضاً له لفقدان كرسيه (الأصلي) وبالتالي تنتابه روح الموظف الذي ينال فوائد ما بعد الخدمة.. ويعتبر الوظيفة مكافأة شخصية له، أما لولائه السياسي وإخلاصه وبطاقة الحزب التي في جيبه لذلك (فجة) له (فرقة) للعيش الكريم وبالتالي تغيب عنه روح المبادرات والعطاء.. وباستثناء “أبو عائشة” وبروفيسور “بابكر جابر كبلو” والأستاذ “محمد حاتم سليمان” في التلفزيون، فإن بقية التعيينات (الإرضائية) تمثل وجهاً من وجوه المجاملات والتوسع غير المطلوب في جهاز الدولة (المكرش أصلاً)!!

(4)

تمر هذه الأيام ذكرى رحيل الخال “مختار حسن” (أبو نجوى) ولا نملك غير أن نبعث إليه بهذه الأبيات:

سلام يا خالي كيف أمسيت في جناتك

وفي روعة فراديسك وطيب نسماتك

دارك عامرة مفتوحة وضيوفك جاتك

هاشي وباشي يندي عطا كبي راحاتك.

وكل جمعة والجميع بخير.

 

 

 

 

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية