سماسرة سوق الذهب… الشينة منكورة!!
للوهلة الأولى وأنت تضع قدمك في (مجمع الذهب) وسط الخرطوم، يختلط عليك الاختصاص، وللحظة يتبادر إلى ذهنك أنك ربما ضللت طريقك إلى (الميناء البري)، كيف لا والمكان يضج ويعج بمن ينادون على المعدن النفيس بأسعار رخيصة، رغم أنه الأغلى على مستوى العالم، يتحكم مثله مثل الدولار في اقتصاد الشعوب، إذاً كيف لسوق كهذا أن يكون مرتعاً لكل من هبَّ ودبَّ، يدخله متسللاً فيفرغ محتوى حقيبته المحشوة ذهباً أو نقداً في محل مخدمه إن كان له مخدم بالفعل، وربما يدخل أحدهم مستغلاً (نوع) هؤلاء ليندس وسطهم، ويعمل يده في الجيوب ويعبث بالحقائب أو يحتال على الزبائن.
كل هذا وذاك دفع الزبائن للشكوى والتذمر من هكذا ازدحام، خوفاً على مقتنياتهم النفيسة التي حصلوا عليها بشق الأنفس في زمن عز فيه الشراء، وأصبح الذهب مدخراً لحل (الزنقات) وفك الضائقات، لماذا يتم التساهل في تأمين مكانه وفتح الباب على مصراعيه للبربرية والفوضى؟
(المجهر) حققت في الأمر، فماذا قال ذوو الشأن والجهات المعنية بـ(مجمع الذهب) بالخرطوم.
محل نصب فاعل
وكان قد اشتكت بعض السيدات من التجمعات الكبيرة للسماسرة، الذين يحتشدون في ممرات صالات عمارة الذهب، وإنهن في مثل هذه الفوضى قد يتعرضن للنشل، ويصبحن نهباً للأيدي العابثة، وتقول السيدة “س” إنها سبق وأن سطا أحدهم على حقيبتها ولم تنتبه لذلك إلا بعد أن غادرت المكان، وأضافت: بعد ذلك عدت أدراجي إلى حيث كنت، فلم أجد من يدلني على ضالتي، وقطعاً لم أوجه اتهاماً لشخص بعينه، وأخيراً قمت بفتح بلاغ وانتظرت إلى يومي هذا دون العثور على مصوغاتي التي ضاعت في رمشة عين.
أما “نوال البكري” موظفة في شركة خاصة، كشفت عن أنها ذهبت لذات المجمع لبيع (خاتم)، وشرعت أحكي لرفيقتي عن ارتفاع سعر الذهب، وأنا أقلب بقية مقتنياتي التي كانت في حقيبتي دون أن انتبه إلى أن هناك أذناً تسترق السمع إلى حديثنا، وعندما ترجلت من المركبة التي امتطيتها من مكان بعيد، اكتشف أن هناك من كان يتبعني عارضاً عليَّ إصلاح ما تبقى من مصوغاتى بحكم أنه صائغ، عندها عرفت أنني في (محل نصب فاعل)، فاستجمعت شجاعتي وانتهرته وزجرته ففر من أمامي، متسللاً بين دهاليز منزلي.
عدا قلة
كالعادة ما أن وطأت قدماي مدخل (مجمع الذهب) بالخرطوم، إلاّ وتدافعت جموع (السماسرة) نحوي تدعوني (تفضلي بيع أم شراء؟)، لكنني بعد ردي أنني صحفية وحضرت من أجل الكشف عن هويتهم، انفضوا بسرعة وتواروا عن الأنظار، فيما أحجم آخرون (عدا قلة) عن الخوض في الأمر، فقال أحد أصحاب المحلات دون أن يلتفت لسؤالي عن أسمه، بأن هؤلاء الذين يجوبون المكان هم في الأصل عمال في ذات المحال، وبسؤالي عما إذا كانت في العمارة شركة أمنية أو أية جهة تؤمن المداخل وتدقق في المحتشدين بالصالات، دلني على محل أحد زملائه فربما أجد عنده إجابة.
تنافس على الزبائن
“نزار أحمد درار” صاحب محلات (جولدي هاوس) أوضح لـ(المجهر) أن معظم المحال التي بالمجمع يرتبط أصحابها بصلة قربى، فجلهم من ولاية النيل الأبيض منطقة (ود شلعي)، ذلك لأن الصنعة عندهم متوارثة. أما عن السماسرة الذين يطوفون بالمجمع نفى علمه بهم، لكن عاد ليصف البعض بالطفيليين. وفي رده على سؤالي حول ما إذا كانت هذه الظاهرة جديدة، قال: إنها بدأت منذ ثلاث سنوات تقريباً، بيد أنه لم يستنكر ذلك، لأن في بلد المنشأ والسوق الأساسية بمدينة (دبي) توجد هذه الظاهرة، وعبارة (تعال أتفضل) بقت عادية.
صلاحيات شيخ الصاغة
ما أن يذكر الذهب وصاغته في السودان، إلاّ ويذكر (آل تبيدي)، إذ توارثوا الصنعة أباً عن جد منذ العام 1880م، عندما جلبها جدهم الكبير من (فلسطين)، الأمر الذي مكنهم من فرض هيمنتهم على سوقه، صعدت أعلى المبنى، حيث السيد ” محمد مصطفى تبيدي” شيخ الصاغة بالخرطوم الذي حدثني عن تاريخهم في سوق الذهب، قبل أن يعرج لظاهرة السماسرة، مشيراً إلى أن هؤلاء دخلاء على السوق، وأنهم كـ(صاغة) بصدد وضع آلية لتنظيم عملهم مع الاتحاد عن طريق بطاقات تقنن المهنة، ولن تُمنح إلاّ وفق شروط دقيقة، ووصف ما يحدث بالسوق بالفوضى، الأمر الذي من شأنه أن يمكن ضعاف النفوس من اختراق هذه الجموع، واستغلال ما يدعيه هؤلاء بالسمسرة في أنشطة إجرامية، لافتاً إلى بعض الحوادث المتفرقة في النصب والاحتيال.
وعن مهامه كشيخ لسوق الصاغة قال” تبيدي”: أهمها الرقابة على السوق، ووضع بعض الأطر والقوانين، والمثول أمام المحاكم كشاهد ومرشد في بعض القضايا، وحل النزاعات بين البائع والمشتري، خاصة فيما يعنى بالوزن أو نوعية الذهب، ومدى صلاحيته، والتنسيق مع حماية المستهلك والمواصفات والمقاييس.