تقارير

قانون الصحافة الجديد.. مسودة تبحث عن الشرعية

أقصى ما وصف به قانون الصحافة الجديد أنه أسوأ قوانين الإنقاذ على الإطلاق، وعوضاً عن تقديم القانون بما يواكب المرحلة السياسية الراهنة التي تتطلب الانفتاح وتقديم أفضل ما في (جعبة) القابضين على زمام السلطة، قُدم قانون أثار حفيظة كثير من المختصين والمراقبين للشأن العام، الذين قالوا إنه ينسف عملية  التوافق الوطني والمصالحة الشاملة.. الناشطون بدورهم قالوا إن ما تم يسيء إلى واقع الصحافة تماماً، حيث قدمت مسودة أسوأ من قانون 2009م السابق، وتضمنت بعض بنود القانون الجديد، حسب معارضين، عقوبات تجيز إيقاف الصحفي، بل وقضى تماماً على مساحة الحرية المتاحة، وحتى الذين دفعوا به ليجيزه (نواب الشعب) تبرأوا منه في وضح النهار، كما أوردت الأخبار.
وكان أول قانون للصحافة في السودان قد صدر في العام 1930م إبان الاحتلال الإنجليزي، واستمر هذا القانون سارياً حتى تم تعديله بعد الحرب العالمية الثانية، حيث قامت السلطات الإنجليزية الحاكمة آنذاك بتعديل القانون في العام 1947م، ثم عُدِّل مرة أخرى في العام الذي تلاه، واستمر قانون الصحافة سارياً في السودان حتى بعد رحيل الإنجليز، ليتم تعديله مرة أخرى في العام 1959م إبان حكم الفريق “إبراهيم عبود”، أما أول قانون سوداني للصحافة فصدر في العام 1973م أيام حكم مايو، وقنن هذا القانون للتأميم، ووصلت قوانين الصحافة بالقانون الجديد إلى (11) قانوناً، وكان أول قانون للصحافة في عهد الإنقاذ قد صدر في العام 1993م.. ولعل أهم ما يجب أن يتناوله أي قانون للصحافة في السودان، هو مسألة (الملكية)- ملكية وسائل الإعلام والصحف- والشروط المسبقة للترخيص، وأيضاً مسألة (آلية المتابعة) للمساءلة، هل يقوم بها جهاز إداري أم يقوم بها القضاء المستقل، فعادة ما يتم تكوين مجلس، وممن يتم تكوينه، والصلاحيات الممنوحة له؟! الشيء الطبيعي أن يتطور القانون، أي قانون، عن سابقه.. وبالنسبة لقانون الصحافة يفترض أن يكون ذلك أمراً طبيعياً وبديهياً.
في قانون الصحافة الجديد للعام 2012م الذي يمكن أن يُجاز في ظل عدم وجود دستور دائم للبلاد، وردت في الفصل السابع منه مواد متعلقة بالجزاءات والعقوبات، فبالنسبة للجزاءات جاهرت الفقرة (هـ) من القانون بـ(الإيقاف أو الإلغاء لترخيص المطبعة أو الصحيفة أو مركز الخدمات الصحفية في حال مخالفة شروط الترخيص)، أما الفقرة (و) فقالت (إيقاف الصحفي لمدة لا تتجاوز الشهرين).
يقول المحامي “بارود صندل” إن قانون الصحافة للعام 2009م كرّس للرقابة على الصحف، والمشكلة أن القانون الجديد سيكرّس لتقييد الحريات الصحفية، ويضيف: المشكلة ليست في القوانين، إنما في العقلية الحاكمة.. ويبدو “صندل” متشائماً حيال القانون الجديد الذي وصفه بالسيئ وتوقع تمريره من المجلس الوطني، حتى دون أن يمرر على مجلس الوزراء. وأخطر ما ورد في قانون الصحافة الجديد وفقاً للمحامي “بارود صندل” تلك المواد المتعلقة بتجريم الصحفي وحبسه، بالإضافة لذلك فإن القانون الجديد تحدث عن معايير الأمن القومي، التي يفترض أن يحددها ميثاق شرف صحفي بدلاً عن ما هو موجود.. والمواد في هذه المسألة كما يقول (مطاطة)، فحتى مسائل الفساد يمكن أن تعدّ من قضايا الأمن القومي.
وفي السياق، دافعت رئيس لجنة الإعلام والثقافة والشباب والرياضة بالمجلس الوطني “عفاف تاور” عن قانون 2012م الجديد باعتباره مسودة مقدمة لكل من يعنيه الأمر ليبدي رأيه حولها ويقدم مقترحاته، وبالتالي فإن القانون لم يصل بعد إلى صيغته النهائية، وأضافت: (هذا مشروع قانون معروض للجهات المختصة للتداول حوله، وإبداء الرأي والملاحظات، وهو مبادرة قانونية من اللجنة، عدتها فرصة ذهبية للصحافيين ليعدلوا القانون المقترح، وسُلمت نسخ منه لاتحاد الصحافيين وجهاز الأمن وأساتذة الأعلام، وهو ما زال مطروحاً).
من جهته، دعا نقيب الصحافيين دكتور “محيي الدين تيتاوي” الذي هاتفته الصحيفة، دعا الصحافيين إلى رفض القانون الجديد، كما دعا إلى سحبه من البرلمان على أن يقدم بدلاً عنه مشروع اتحاده الذي قدمه كلجنة مكونة منه ولجنة الثقافة والإعلام بالبرلمان ومجلس الصحافة والمطبوعات، واتهم جهات قال إنها (بدلت) المادة (9) من القانون المتعلقة بمسألة (السجل الصحفي).. وبالجملة وصف قانون العام 2012م بأنه لا يوجد أسوأ منه منذ العام 1990م، وذلك لأن كل القوانين كانت تأتي عبر صحافيين، ويؤخذ برأيهم، إلا أن القانون الجديد لا علاقة له بالصحافة، و(وضعه ناس لا علاقة لهم بالصحافة)، واصفاً إياه بأنه قانون (فاقد الأبوين)، ومن وضعه (قطعو من راسو)، إلا أنه عاد وقال: (نحن كاتحاد صحافيين سنقدم مقترحاتنا لتعديل هذا القانون في كل مواده، وما يتعلق بتكوين مجلس الصحافة وطريقة عمله، ومسألة الحريات الصحفية وغيرها)، وأضاف: (كتبنا كل مقترحاتنا وسنقدمها لرئيس المجلس الوطني وإلى رئيس لجنة الثقافة والإعلام).
إلى ذلك، كشف رئيس المجلس القومي للصحافة والمطبوعات بروفيسور “علي شمو” عن تكوين لجنة خاصة في المجلس، عكفت على دراسة قانون الصحافة الجديد للعام 2012م بعد أن تسلم المجلس مخاطبة رسمية من لجنة الإعلام والثقافة والشباب والرياضة بالمجلس الوطني بخصوص القانون الجديد حتى يبدي مجلس الصحافة رأيه ويقدم رؤيته حولها. وكشف عن تخصيص اجتماع المجلس القادم لمناقشة قانون الصحافة، وقال “شمو” للصحيفة: (نحن كمجلس استعرضنا الموضوع وكوّنا هذه اللجنة المختصة لدراسة قانون الصحافة دراسة علمية، وعلى مدى يومين استمرت في عملها وما زالت تعمل).
وبينما دافعت رئيس لجنة الإعلام والثقافة والشباب والرياضة بالمجلس الوطني “عفاف تاور” عن قانون 2012م الجديد للصحافة باعتباره (مشروع قانون) معروض للجهات المختصة للتداول حوله، والمسودة مقدمة لكل من يعنيه الأمر ليبدي رأيه حولها ويقدم مقترحاته، قال رئيس تحرير جريدة (التيار) الموقوفة إن القانون هو كائن حي يتطور وينمو إما بإرادة سياسية، أو بإرادة شعبية، وعندما تكون الإرادة هي المحرك، فهي دائماً ما تراعي مصالح الساسة والتنفيذيين، أما إذا تغير القانون بإرادة شعبية سواء بواسطة منظمات المجتمع المدني أو الجمهور، فهو يتحرك في الاتجاه الموسع للحريات، والآن قانون الصحافة يتحرك بموجب إرادة سياسية، ففي العام 2009م كانت إرادة (الحركة الشعبية لتحرير السودان) هي الأقوى، والآن يبدو أن الحكومة لديها رأي سالب جداً في الصحافة، وتريد قانوناً يحقق أقصى قدر من السيطرة والتحكم في الصحافة، وبعد ذلك مهما كانت الإجراءات التي تُتبع في صياغة أو إجازة القانون فإنها لن تأتي إلا نسخة كما تريدها الحكومة، وبالتأكيد هذا يعد نوعاً من الرجوع إلى الخلف، بعكس عجلة الزمن، فالعالم من حولنا يتغير، والسودانيون ينظرون بحسرة إلى ما يجري في مصر، حيث الحريات الآن على أوسعها، والإرادة الشعبية قوية جداً في مواجهة الإرادة الحكومية، فالشارع هو الذي يحكم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية