انشغالات “معتز”
جاء في أخبار أمس بالأحمر العريض: رئيس الوزراء يعطل حسابه في فيسبوك ويبدأ إجراءات قانونية!! وفي صحف (السبت) وردت أخبار عن عزم رئيس الوزراء مفاجأة أشخاص انتحلوا اسمه في موقع التواصل الاجتماعي الأشهر فيسبوك.. طبعاً الموقع شهير وسط النخب والمشتغلين به وبغيره من المواقع!! هؤلاء يمثلون طيف المثقفين وخريجي الجامعات المنتظرين التوظيف المستحيل.. والجالسين في أزقة الأحياء.. والساهرين الليل خلف أجهزة الحاسوب والهواتف الذكية.. وبالطبع لا تقرأ “عائشة أبكر” في فوربرنقا تغريدات “معتز موسى” ولا تفهم شيئاً عن الفيسبوك وتويتر، شغلها عن ذلك زراعة الطماطم وإنتاج الفول والذرة.. و”أوهاج” في حمدايت ينتظر مثل الآلاف من عمالة المشاريع الزراعية الموسمية وصول صاحب المزرعة وفي سيارته نقود لسداد حقوق العمال المشتاقين جداً للعودة لحمدايت لإشباع رغباتهم في شواء اللحم.. وفيسبوك لم تصل بعد قرى السعاتة وطقنو في غربنا الأوسط.. ولا شأن لـ”حمدان تاور” في أبو سفيفة بجلبة وضوضاء الواتساب.. وعلى مقربة من فراش رئيس الوزراء (فركة كعب) مسافة سبعين كيلو متراً غرب أم درمان قبالة أندراية بمحلية جبرة الشيخ ، الناس ينتظرون الجازولين بئراً معطلة.. و”أنعام” تبكي بدموع لا يعرفها “معتز موسى” الغارق في الفيسبوك وتويتر يغرد لغير السواد الأعظم من شعبه.. ويشغل نفسه بسنن يراها فرائض ونراها ترفاً ولزوم ما لا يلزم.
رئيس الوزراء يغرد في غير سربه.. نعم رئيس الوزراء “معتز موسى” رجل عصري.. يخاطب النخب والمثقفين والقوى الحديثة مثله ورئيس الوزراء البريطاني.. ولا حد أفضل من حد.. كلنا في الفيسبوك وتويتر وواتساب أخوان وأصدقاء.. ولكن الشعب السوداني الواقف منتظر انفراج أزمة السيولة بعد انفراج أزمة الخبز نسبياً وانسياب البنزين طبيعياً.. هذا الشعب لا يقرأ ما يكتبه “معتز موسى” في الفيسبوك وغير معني بمن سرق لسانه وزيف توقيعه وانتحل شخصيته.. ولكنه ينتظر من “معتز موسى” أفعالاً لا أقوالاً.. وإنقاذاً من أخطاء الإنقاذ.. في سنوات مضت كانت (الملكية الفكرية) موضة فرضت نفسها علينا وعلى شعبنا.. أصبح كل شخص يسعى لإثبات ثقافته وانتمائه لعصر الحداثة يتحدث عن الملكية الفكرية.. وكان “أبو زيد عبد القادر” ذلك الرجل الأمة والسياسي الواقعي يجلس في مقهى بسوق الحاجز شمال جبال النوبة.. ومن حوله عرب البادية والمزارعين.. وهو قادم من الخرطوم.. سأله أحدهم عن النائب البرلماني الذي يمثل المنطقة، وكان حينها مولانا المحامي “فضل أحمد محمد” فرد “أبو زيد عبد القادر” على الجمع بأن ممثلهم في البرلمان في بيروت عاصمة لبنان مشاركاً في مؤتمر عن الملكية الفكرية، فسأله القيادي الشعبي والعمدة “محمداني هبيلا” بعد أن شعر بوجوم الجميع!! هي الملكية الفكرية دي شنو، فرد عليه أبو زيد” بذكاء وسخرية يا “محمداني” أنا لو عارف الملكية الفكرية كان قعدت معاكم تحت الشجرة دي!!
نعم هناك مسافة بعيدة تفصل بين دنيا الواقع والعالم الافتراضي.. وبين “حمدان تاور” مع رفاقه الرعاة وبين رئيس الوزراء “معتز موسى” الذي لن يسأله رب العباد يوم الحساب عن تغريدة الفيسبوك المزورة، ولكن يسأله عن تعثر فاطمة وكلتوم وأم حقين أمام المخابز، وعن أمن الناس وحقهم في العيش الكريم.. دع الفيسبوك وتويتر وأنزل من علاك الفوق لمن لا يقرأ ولا يكتب.. ولكنه يأكل ويشرب ويتكاثر وكمان يتعزز الليمون عن بالغت في تغريداتك.