أخبار

الخيار الصعب

{ أخيراً اقتنع السيد الوسيط “أمبيكي” باستحالة السلام بين دولتي السودان وجنوب السودان في ظل استمرار الحرب في منطقتي النيل الأزرق وجبال النوبة، واستدعى “أمبيكي” لأديس أبابا القيادات الثلاثة لقطاع الشمال “عقار” و”الحلو” وثالثهم “عرمان”، وغداً يتوجه ممثلا الحكومة د. “كمال عبيد” و”أحمد هارون” لأديس أبابا في محاولة من الوسيط “أمبيكي” لفتح ثغرة في الجدار المسدود بين الحكومة والمتمردين الشماليين.. وإعادة إحياء القرار (2046) الصادر من مجلس الأمن الذي نص على حل قضية المنطقتين عبر التفاوض المباشر بين الحكومة وقطاع الشمال وفق مرجعية اتفاق (نافع عقار).
{ قناعة المجتمع الدولي والوسيط “أمبيكي” كممثل للاتحاد الأفريقي بأن استقرار العلاقة بين الدولتين رهين بتحقيق السلام في المنطقتين وحده لا يكفي لحل الأزمة.. فلدولة الجنوب تأثير كبير جداً على الحركة الشعبية قطاع الشمال وهي (الداعم) و(الحاضن) و(المربي) و(السيد) على قيادات الحركتين بل “مالك عقار” رئيس الحركة حينما تحدث لقناة (الجزيرة) وسُئل عن فك الارتباط مع دولة الجنوب قال إنهم مستعدون لفك الارتباط مع الشمال ولكنهم لن يتخلوا عن الجنوب!
{ بدا حينها “مالك عقار” (مجبوراً) على الجنوب ولكن الجنوب كدولة لم تبلغ مرحلة الرشد بعد وتتعلم من تجارب غيرها.. كيف لها إرهاق خزائنها الخاوية بتبعات حرب حدودية ستجعلها غير قادرة على الوفاء باستحقاقات الاستقلال الذي (نالته)، والجنوب أيضاً يواجه حرباً داخلية تهدد استقراره فمتى (يقتنع) الجنوب بأن الحرب في (المنطقتين) هي داء لابد من البحث عن دواء شافٍ له.. بذات القدر فإن الحكومة السودانية وهي (الأعقل) والأكثر رشداً أو هكذا ينبغي أن تكون من (مصلحتها) الآن وقف نزيف الدم والدخول في تسويات مع المتمردين في المنطقتين وفق رؤية سياسية تأخذ بتجارب سابقة وتنظر لمستقبل السودان القادم حتى لا يبلغ اليأس بالمنطقتين مبلغاً يجعلهما (ينتحران) في قارعة الطريق.
ومجلس الأمن الذي رفع العصا واتخذ القرار (2046) سيظل يهدد ويتوعد ويمارس ضغوطاً عنيفة على السودان حتى ينهي الصراع في المنطقتين، وشتان ما بين سلام يأتي بقناعة أطراف الحرب وسلام (تفرضه) الضغوط الكثيفة و(العصا) الأمريكية والجزرة الأممية.. ولا تبدو الحكومة في موقف اقتصادي وسياسي يؤهلها لخوض حرب طويلة مرة أخرى، وإن طغت رغبات دعاة الحرب وارتفع صوتهم و(تنفذوا) في مفاصل الدولة فإن العقلانية ينبغي أن تسود وتنظر الحكومة لمصالحها الحقيقية في التسويات إن كانت تسعى لحكم مستقر واقتصاد يطعم الفقير ويلبي حاجة الغني.
{ لن يطالب المتمردون بإلغاء الشريعة ولا بقسمة على غرار (نيفاشا)، ولكنهم يطالبون بشراكة في السلطة بالمنطقتين في الحكومة المركزية وترتيبات أمنية لتوفيق أوضاع المقاتلين من مليشياتهم، وهي مطالب ليست صعبة ولا مستحيلة، ومواطنو المنطقتين وهم ضحايا الحرب الحالية قد تمسكوا بالتفاوض والحل السلمي ورفضوا الحرب التي نخرت في عظامهم الهشة وهي حرب غير مبررة ولا مقنعة لأحد، ويمكن الآن إنهاؤها إذا صدقت النوايا وشعرت الأطراف الثلاثة دولة الجنوب وحكومة السودان والحركة الشعبية قطاع الشمال بوخز الضمير الإنساني والمسئولية الأخلاقية عن شعب يموت بـ(الكاتيوشا) وأحلام تُوأد وجهل يتفشى وديار تخرب بأيدي أبنائها، فهل تنقذ وساطة “أمبيكي” وصحوة ضميره الأخيرة الدولتين من السير على حافة الهاوية وحتمية سقوط إحداهما إن لم يصرف الدواء لعلاج الداء؟.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية