أخبار

خربشات

(1)
هو من القلائل الذين يكتبون ويقرأون.. لا يكتب الشيكات وتقارير الأداء ولا يقرأ ما تدفع به السكرتارية على طاولته عند الصباح.. وما يأتيه تحت عنوان سري جداً في العشيات.. يكتب حينما يفقد عزيز قوم أو عزيزاً لديه.. نعى الراحل “جبريل عبد الله” في صحف الخرطوم وهو قابض على السلطة.. نعيماً.. وترفاً.. وصولجان.. وكل ما يغشى الأبصار لكنه ينظر.. بعيداً.. لم ينسَ رفاق الأمس.. وأخوان صفاه.. ذرف دمعاً على الورق لإنسان اسمه “إبراهيم حسين” بمداد مبدع وإنسان عميق الرؤية، كانت سطوره مثل دفق “الحلنقي”.
يلاك بعيد نرحل لي دنيا حنية
نعيش لوحدينا وسيرتنا منسية
أوسدك قلبي وأرعاك بعينيا
وأسقيك مياه توتيل علشان تعود ليا..
كتب “آدم جماع” والي كسلا في رثاء الفنان “إبراهيم حسين” ما لم يكتبه “الحلنقي” ولم تخطه حروف (أكلاب) رئيس نادي التاكا السابق، وكاتب الشرق العميق.. عاش “آدم جماع” وسط المدينة الباذخة اجتماعياً تسربل بين مساحات أهلها.. ولم يعش كسياسي جاءت به التعيينات (الرئاسية) كموظف.. لكن “آدم جماع” الذي لم تغيره المناصب ولم تبدله المواقع ذلك المصرفي ابن التاجر كريم الخصال.. فلا عجب أن كان قريباً من أهل الفن والثقافة ورغم خذلان القطاع الرياضي وغياب “الميرغني” وقبله “التاكا”.. والقاش عن فرق الدوري الممتاز.. ولكن ظلت كسلا بمثابة الغائب في الميادين والحاضر في مخيلة الناس بألقها وجمالها ورقة إنسانها.
بالأمس كان الوالي “آدم جماع” يحتضن الشاعر “التجاني حاج موسى” ويحتفي بشاعر وزع الفرح على القرى والفرقان والمدن وزرع الابتسامة.. في الوجوه.. ودغدغ مشاعر الحسناوات بحروف راقصة وكلمات عذبة رددها الراحل “زيدان إبراهيم” لأن “الفاتح” كسلا صاغ لحنها الجميل.
لو يرضيك عذابي عذب يا أمير
قالوا البهو دايماً ياما يشوف كتير
شفت غلاوتي عندك وجبيت الألم
لو تعرف يا ظالم بحبك قدر أيه
(2)
ظلمت الدولة السودانية مبدعيها.. وهي ضنت بالاحتفاء بأمثال “التجاني حاج موسى” إلا من بعض المسؤولين المختلفين عن غيرهم.. حينما يتصحر وجدان السياسي وتصاب شرايين قلبه بجدب الأدب والفن.. يصبح شيئاً آخر.. كتلة من الدم واللحم.. نفساً تتوق فقط لشهوة البطن.. والفرج.. ولكن حينما يصغى أمثال “آدم جماع” في ليل كسلا الطويل.
أقول أصبر على الهجران أقول أنساك لا بد
أشوف بس طرفك النعسان تخوني القوة والشدة
أصبر قلبي على الهجران يثور ماضينا ويتحدى..
تحدثه نفسه الإمارة بالخير بتكريم “التجاني حاج موسى” واحتضان فنه الرفيع وقلمه السيال وعواطفه التي ربما جفت الآن.. في فصل شتاء بلادي الطويل.. وتبقى كلمات “التجاني حاج موسى” لأمه دار السلام” موالاً نداري به جور الزمان.. وربما لم يسمع وزير الثقافة لـ”عبد الكريم الكابلي” في عز الليل.. وإذا سمعها.. لن يحدث نفسه من كتب ذلك النظم البديع الرائع.. لو لم يكتب “التجاني” إلا (عز الليل) لاستحق أن تضع كسلا ممثلة في “جماع” قبلتها الباردة في خده الساخن.. وقد مرت سنين و”التجاني” ينثر إبداعه في وطنا.. مرت سنين وهذا الإنسان يمشي في دروب الإذاعة وقلبه أبيضاً مثل ثوب (الدبلان).
سنين مرت ومروا سنين وبراك عارف
وبي داري..
والحال يا هو نفس الحال وفي جواي صدى الذكرى
وجرحك يا غرام الروح لا طاب ولا بدور يبرى..
شكراً “آدم جماع” أنت تكتب في زمن الصمت وتعطي وقت الشح.. وتكريم في مناخ النكران.. والجحود.. وكسلا وحدها لم تخرج احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية هل عرفت قيادة المؤتمر الوطني السبب الذي عصم كسلا عن الخروج والاحتجاج؟ نترك الإجابة لدكتور “فيصل” و”حامد ممتاز”!
(3)
في آخر خيبات الكرة السودانية في عام 2018م، الذي (لملم) أوراقه ورحل، كان الخروج لهلال الملايين من بطولة دوري أبطال أفريقيا ومن ملعب إستاد الهلال الذي كان يُسمى (بالمقبرة) نظراً لشراسة الهلال في ملعبه ووسط جماهيره.. حينما كان اللاعب في الهلال يلعب بالحب والغيرة والانتماء، وليس من أجل المال الذي يأتيه من جيوب الأفراد.. لا من خزائن الهلال.. خرج الفريق من البطولة بعد أداء مباراة باهتة أمام فريق تونسي ضعيف لجأ لقتل الوقت وتضييع الإصابات والتحايل وإثارة المنافس.. أفتقد الهلال في مباراة الأفريقي التونسي للاعب مثل المدافع الفولاذي “صلاح دوشكا” الذي كان يرهب المنافسين باندفاعه البدني وروحه.. وخلا كشف الهلال من لاعب مثل “محمد عبد القيوم أبو شامة”.. يملأ منطقة الوسط نشاطاً وحيوية.. و(يقتلع) الكرة من المنافس بجسارة.. ونضبت الساحة كلها من مواهب مثل “منصور بشير تنقا” وآخر الموهوبين في كشف الهلال ابن كسلا المهذب الجميل “مهند الطاهر” الذي اغتاله الكاردينال عمداً.. وحسداً وغيرة ودفعه دامع العينين لمغادرة ديار عشقها وأخلص لها عطاءً وفناً وأهدافاً.. هل كان الهلال سيخرج حاسر الرأس من البطولة الأفريقية لو تواجد في كشف الفريق لاعباً موهوباً وهدافاً مثل “مهند الطاهر”.. ومهاجم حريف ورشيق.. مثل “محمد عبد الرحمن” الذي وقع في كشوفات المريخ وترك في نفوس الهلالاب جرحاً لا يندمل قريباً مثل جرح المريخاب يوم توقيع “باكمبا” و”أدوارد جلدو” في كشوفات الأزرق الجميل الذي لم أشاهده في الفترة الأخيرة إلا يوم الأحد الماضي، وليتني لم أفعل! فريق كرة قدم يلعب بطريقة بدائية ومدرب حائر لا يعرف كيف يضرب تكتل المنافس على طريقة الحافلة التي ابتدعها الداهية البرتغالي “جوزي مورينهو” حينما واجه فريق الأنتر الإيطالي برشلونة غرديولا.. أيام مجده في الكامونو.. الهلال خرج من البطولة وخرج من قلوب الآلاف من العاشقين والسبب إدارة رجل ناجح في كل شيء إلا كرة القدم.
(4)
يقول الدكتور المفكر “محمد بن المختار الشنقيطي” عن دولة باكستان هي دولة تخليط تماماً مثلما وصف العلامة “عثمان بن فديو” بلده نيجيريا حينما استفتاه مستفت هل هي دار السلام أم دار كفر، فقال لا هذه ولا تلك إنما هي دار تخليط! ما الذي جعل مفكراً مثل “الشنقيطي” يقف في وجه التربة الإسلامية في السودان بعد رحيل “الترابي” مناهضاً لها.. ومعارضاً لـ”البشير” ويكتب بحدة غير معهودة فيه.. هل ضعف التواصل وانكفاء أغلب الإسلاميين السودانيين على داخلهم سبباً في انقطاع التواصل مع أخوتهم في الخارج؟

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية