“أم بلينا السنوسي”.. رحيل مطربة الملحمة..
لن ينسى السودانيون مقطع (وكان القرشي شهيدنا الأول)
الخرطوم_ المجهر
لن ينسى السودانيون صوتها وهي تردد (وكان القرشي شهيدنا الأول) في أعظم عمل غنائي ملحمي وطني سوداني في قصة ثورة مع “محمد الأمين وخليل إسماعيل وبهاء الدين أبو شلة وعثمان مصطفى”، كما أن دموعها الحرى التي سكبتها أثناء إعادة تقديم الملحمة وتجسيدها مسرحياً بواسطة فرقة (كواتو) سوف تظل هي الأخرى عالقة بقلوب الناس.
(حفرت “أم بلينا” التي رحلت أمس الأول في مدينة الأبيض عميقا في الوجدان الجمعي السوداني، وتعتبر إحدى رائدات الحركة الفنية النسوية في السودان وهي من المجددات في مسيرة الأغنية، ولها إسهاماتها الواضحة في مجال الغناء الوطني والعاطفي وخلدت اسمها بأحرف من نور في سجل رموز الفن السوداني،
ولدت “أم بلينا السنوسي” في عام 1952 بقرية أم سروال، ضواحي مدينة النهود بولاية شمال كردفان الحالية، ترعرعت في مدينة الأبيض عاصمة الولاية، والدها هو الحاج “السنوسي حمدان” ووالدتها الحاجة “النية تية جابر جودة”، وبعد أن أكملت تعليمها الإبتدائي توقفت “أم بلينا” عن الدراسة وتفرغت لفن الغناء. تقول “أم بلينا” حول تلك المرحلة من حياتها: «فارقت درب القراية من بدري ومسكت درب الغنا، ورثت صوتي الجميل عن والدتي وأنا البنت الكبرى ضمن سبع بنات لوالدي».
خطت “أم بلينا” أولى خطواتها على درب الفن الغنائي في سن مبكرة من عمرها حيث انضمت إلى فرقة فنون كردفان بمساعدة الموسيقار “جمعة جابر”، وظهرت لأول مرة للجمهور العام في مسابقة غنائية في مهرجان المديريات بالمسرح القومي في عام 1961م، ضمن فرقة أحرزت الجائزة الأولى.
تأثرت “أم بلينا” بأغاني الجيل الثاني من رواد المدرسة الوترية في فن حقيبة الفن مثل “صلاح بن البادية، وإبراهيم عوض، ومحمد وردي” ورددت بعض أغانيهم، وكان لبيئة المنطقة دوراً في مزجها لغناء الوسط بغناء سهول الغرب الأوسط التقليدية أسوة بفناني منطقة كردفان ودارفور أمثال “إبراهيم موسى أبا” و”فاطمة عيسى”.
ظهرت “أم بلينا” ثانية في عام 1962 م، بعد إقناع أسرتها بالغناء في ثنائي مع الفنانة “فاطمة عيسى” يتم تكوينه من داخل من فرقة فنون كردفان التي كانتا عضويتين فيها، وكان ذلك أول فريق ثنائي نسائي في السودان، أطلق عليه اسم «الثنائي الكردفاني» الذي قدم للجمهور أغنية (أرحموني يا ناس.. وحنو عليّ)، وهي من كلمات وألحان “أحمد محمد هارون”، وأغنية (الحياة حلوة) وهي من كلمات “عبد العزيز عبد المعين” وألحان الموسيقار “جمعة جابر”.
وباعتزال “فاطمة عيسى” الغناء في عام 1969، واصلت “أم بلينا” مسيرتها في فن الطرب والغناء كفنانة منفردة، حيث أجازت الإذاعة السودانية صوتها في عام 1970م، بعد جهود عديدة من جانبها وسجلت لها أغنية بعنوان (وداد) التي صاغ كلماتها الشاعر “السر محمد عوض” ووضع ألحانها “علاء الدين حمز”. [2]
حياتها الفنية
شاركت “أم بلينا” في أداء أوبريت ملحمة (قصة ثورة)، الشهير في عام 1968م والذي نظم كلماته الشاعر “هاشم صديق”، وتغنت بمقاطع فيه مع كل من “محمد الأمين، عثمان مصطفى، بهاء الدين عبد الرحمن وخليل إسماعيل” أمام الرئيس السوداني الأسبق “إسماعيل الأزهري”، في احتفالات ذكرى ثورة 21 أكتوبر / تشرين الأول 1964 بالسودان، وتخليد شهدائها ومن بينهم “أحمد القرشي طه”. وقد دفعت بها هذه المشاركة إلى خطوات كبيرة إلى الأمام فذاعت شهرتها كواحدة من الأصوات النسائية المميزة ذات المساهمة الواضحة في مسيرة الأغنية السودانية.[3][4] واجهت “أم بلينا” منذ بداية مشوارها الفني عدة مشاكل وعقبات حيث قوبل استمرارها في الغناء وامتهانها له معارضة قوية من أسرتها تحديدا والدتها. فقد ظهرت “أم بلينا” في وقت كان فيه الصوت النسائي منعدما في ساحة الفن الغنائي في السودان وكانت هي واحدة من قلائل النساء اللاتي عرفتهن الساحة الغنائية في عهد التجديد إبان ستينيات القرن الماضي. وبعد ثلاث سنوات توالى ظهور فرق وفنانات نساء من بينهم فرقة “البلابل وسمية حسن وزينب الحويرص”، وهي بذلك تعد من الجيل الثاني المجدد من النساء المغنيات الذي خلف الجيل الأول ممثلاً بالفنانات “عائشة الفلاتية ومنى الخير ومهلة العبادية”.[5]
غابت “أم بلينا” عن الغناء منذ ثمانينيات القرن الماضي، واستقرت في مدينة الأبيض لرعاية أبويها وابنيها، حتى وافاها الأجل أمس الأول.. رحمها الله وأسكنها فسيح جناته..