خربشات
(1)
} د.”بشير إدريس عبد السلام” طبيب صيدلي من الذين لفظتهم الإنقاذ في سنوات عمرها الباكر إلى ما وراء الحدود.. مغترباً في المملكة العربية السعدية، ثم انتقل إلى الكويت وهناك حلت به وبالكويت محنة الاحتلال العراقي البغيض لدولة حرة ومستقلة.. مثل كثيرين عاد “بشير إدريس” مثل عودة “مصطفى السعيد” في موسم الهجرة للسلام، أو مثل عودة “عوض جبريل” عدت وأسفي في العيون ودرب الرجعة ما عرفتو.. عبر المحيطات والبحار إلى بلادٍ يموت الناس من بردها لولا وجود غاز التدفئة.. ومن كندا كدح وكد حتى حصل على اعتراف بشهادته كطبيب صيدلي بعد امتحانات عديدة.. واختبارات عملية.. و”بشير إدريس عبد السلام” قارئ ومثقف.. ويكتب بأناقة وموضوعية في (الأسافير)، أديب ضل طريقه لمهنة الصيدلة والطب وما أكثر هؤلاء من “المعز عمر بخيت” إلى “الزين عباس عمارة” و”السر دوليب” و”حكمت يسين” صاحب ضيعت من عمري الكثير وأخلصت ليك وأنت بتغير!!
“بشير إدريس” شأنه وكثير من النخب والمهاجرين أقرب لمعارضة النظام من السير في ركبه.. لكنه معارض بوعٍ يميز بين بناء الوطن وتكسير عظامه.. خطابه للآخرين لين (خالٍ) من العنف اللفظي.. والمعنوي.. “بشير” وإخوانه أولاد “فكي إدريس عبد السلام” من النخب التي نالت حظاً في التعليم د.”غانم” طبيب نساء وتوليد.. ود.”عبد السلام” أخصائي باطنية و”الصادق إدريس” مهندس كيميائي.. و”فاطمة” معلمة بشمال كردفان، أربعتهم شيدوا مركزاً صحياً خيرياً بقريتهم الحاجز القناوي محلية القوز.. لعلاج المرضى.. ولأن د.”بشير إدريس” من المتفق على حسن سيرتهم تجاوب معهم الناس من خلال (قروبات القوز) لإعادة تعمير مدرسة الدبيبات الأولية التي افتتحها الزعيم “الأزهري” عام 1956م، وتعرضت للإهمال والتجاهل حتى كادت أن تندثر وتتلاشى من خارطة الوجود.. نحو مليار جنيه سوداني، تم جمعها تبرعات من مغتربين وموظفين ومزارعين بكل العملات، بعض المتبرعين تكفلوا ببناء فصول بأكملها.. ووهب البعض تبرعه لآبائه وأمهاته من الذين رحلوا عن الدار الفانية إلى الدار الآخرة.. وشحذت همم الناس.. وتكونت لجان للدراسات والتصاميم الفنية ولجان للإشراف والمتابعة والمال والتعبئة.. وكانت المشاركة واسعة وانضم آخرون لجهود التعمير.. ووضعت وزيرة التربية والتعليم “مشاعر الدولب” هاتفها بين عامة الناس تواصلاً ودعماً وسنداً، وكذلك معتمد القوز “المكي إسماعيل قادم” أحد إشراقات حكومة الجنرال “مفضل”.. بحسن تدبيره.. وحكمته في جمع الناس دون النظر للون بطاقات هويتهم السياسية.. نجاح نفير القوز وبناء مدرسة الدبيبات يمثل بارقة أمل وضوءاً في لجة الظلام بأن خير هذه الأمة راكز في تراب أرضها.. وسواعد بناء السودان قادرة على فعل الكثير رغم الظروف التي تمسك بتلابيب الوطن.
(2)
في جبرة الشيخ المحلية التي تمتد من أم بدة حتى بارا، أخذ الطريق الذي لم يكتمل تشييده ،حيث هناك أكثر من عشرين كلم تنتظر شركة زادنا المنفذة أن تمد إليها الإسفلت الأسود.. ويكتمل الطريق بمعجزة حقيقية حيث توقفت كل مشروعات التنمية في السودان، إلا مشروع طريق الأبيض جبرة الشيخ أم درمان ومشروع طريق نيالا كاس زالنجي.. وقد تعددت حوادث الموت قبل اكتمال طريق الصادرات، وحصدت حادثة الأسبوع الماضي أرواح ستة من الشباب قرب منطقة رهد النوبة.. ولم يجد الجرحى طبيباً يضمد جراحاتهم.. ولا مستشفى قريباً ينقذ أرواح المصابين.. رغم أن شعار نفير شمال كردفان الذي رحل راعيه المشير “سوار الذهب” وترك سيرة عطرة.. وأيادي بيضاء.. حدد مشروع النفير ثلاثية الماء والمستشفى والطريق.. ولكن لا مستشفى بين الأبيض وأم درمان.. شباب مدينة جبرة الشيخ التي جاء لقيادتها “شريف الفاضل” الشاب السياسي الذي (سجنت) قدراته شمال كردفان، قرر شباب جبرة.. نفض الجيوب وحشد القدرات وتأهيل المستشفى واستقطاب الدعم ولم يمض أسبوع واحد حتى جمع الشباب من خلال (الواتساب الأخيضر) كما يقول “ود الجبوري” (500) مليون جنيه في انتظار أن تهطل أمطار شتاء “هارون” البارد وغير الجاف لإعادة مستشفى جبرة الشيخ للحياة من أجل حياة العابرين عبر طريق الصادرات، يقول “سنهوري” أحد أبرز شباب جبرة الشيخ إن مدينتهم موعودة بالنمو والتطور.. والمستشفى مسؤولية أهل المنطقة قبل حكومة الولاية.. وحكومة السودان القومية.. فلماذا بدأ الجهد الشعبي يتقدم الحكومة سواء في جبرة الشيخ أو محلية القوز بجنوب كردفان؟؟
(3)
يختار “عبد العزيز المبارك” مفردات أنيقة وأشعاراً مشحونة بالآهات والأحزان ويبثها في أثير (هنا أم درمان) لتدغدغ مشاعر الملايين من حلفا إلى نمولي قبل أن (تفوت) نمولي ويطويها النسيان.. ويصبح الوصول إليها إلا بشق الأنفس.. “عبد العزيز المبارك” غنى لود بارا الشاعر “عثمان خالد” ، طبعاً هناك ود بارا الفنان “عبد الرحمن عبد الله” وود بارا الصحافي “خالد الأعيسر” وود بارا الرياضي “كمال شداد”.. وود بارا السياسي “محمد الحسن عبد الله يسين” ومن الإسلاميين “خالد معروف” و”علي النحيلة”.. وأروع ما غنى “ود المبارك”:
بتقولي لا..
لقليب عليك يقطر حنان ويدوب وله..
بتقولي لا..
سافرت في رحلة مشاعر ملهمة متأملة..
شفت الورود في وجنتيك غير إنه جات متوددة
حتى القمر غار من صفاك وأصبح يردد في الصلاة..
و”عبد العزيز المبارك” قلبه يفيض رقة وعذوبة وشجناً وجمعته بالدكتور “علي شبيكة” أغنية ليه يا قلبي ليه..
وحياة الشجن وأغلى الذكريات
ما تردد كلام يحيي الفات ومات
وما تخلي العيون تحكي الأمسيات
وتجدد غرام أمكن هان عليه..
ويقسم “ود المبارك” بفراق لا عودة من بعده.. للحبيب
يا ما حلفت قلت لو شرق تغرب
تبعد عن طريقو وعن هجرو البحرق
هسه لقيت عيونو سيل أشواق يغرق
ياتو سبب سهادك ما قادر تفرق..
روعة الكلمات ونداوة الموسيقى.. والحنجرة الذهبية نسجت أغنية ظلت خالدة وعند ضفاف القاش جمعت “عزنا” ما بين “إسحق الحلنقي” و”عبد العزيز المبارك” أغنية رددها الآلاف من الشباب في سبعينات القرن الماضي، ولكنها اليوم صارت أغنيات من الماضي:
شرباتنا بالأفراح تطوف على كل موالف وكل ولوف
بي ريدنا طوعنا الظروف تاني الزمن ما منو خوف
بعد الشقا طال الهناء أنواره طافت حينا
جاتنا السعادة تلمنا عز المنى أنت وأنا..
عز المنا أن نسمع في هجعة الليل “عبد العزيز المبارك” يشدو عبر أثير أم درمان بأغنية بتقول وداع للشاعر “عمر حامد” أو تحرمني منك التي صارت قميصاً يباهي به الشباب في ذلك الزمان الجميل وهي أغنية كتب كلماتها “عبد المنعم حسين”:
تحرمني منك ويبقى عمري أسى وجراح..
بتحرمني منك ومن عيونك تحرم الليل والصباح..
وحتى الجمعة القادمة..